قرأت في ملحق“الرسالة” مقالًا عن بعض دكاترة هذا العصر، ممن ينتسب إلى شيوخ الأزهر، هذه الجامعة الأزهرية التي خرجت جهابذة العلم، وفطاحل نوابغ العلماء، الذين ذادوا عن حمى الشريعة الغراء، مكائد أعداء الإسلام، وحملوا منار العلم إلى العالم الإسلامي، ما يزيد على العظام، نراها اليوم تخرج علينا بآراء غريبة شاذة منكرة، يحمل بعض دكاترتها، معاول الهدم للشريعة الغراء..! فقبل فترة من الزمان، خرج علينا شيخ أزهري معمم، يحلل فوائد البنوك، يعني الربا الذي حرمته جميع الشرائع السماوية، وأعلن الله الحرب على المتعاملين بقوله سبحانه: (يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) البقرة (278) فخالف بذلك الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة..!! وهذا الشيخ نفسه، أباح وأجاز للساسة الغربيين، أن يجبروا الفتيات المسلمات على خلع الحجاب الذي فرضه الله على جميع المسلمات، إذ كانت قوانين البلاد، تمنع في المدارس والجامعات ارتداء الحجاب إرضاءً لأهواء الساسة الحكام، وأعطى لأعداء الإسلام بفتواه المنكرة الأثيمة، سلاحًا يشهرونه في وجوه فتياتنا المؤمنات. وسمعنا من بعض دكاترة العصر، من يزعم أن تعدد الزوجات غير مشروع في الإسلام؛ لأن الله تعالى شرط العدل بين النساء، في قوله جل ثناؤه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة). النساء آية (3)، أي اقتصروا على زوجة واحدة إذا خشيتم عدم العدل بين الزوجات، والعجيب في أمر هذا الدكتور (الألمعي) أن يجعل التعدد محرمًا؛ لأن رب العزة والجلال قال في آية أخرى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة).. النساء آية (129)، مما يجعل القرآن يعارض بعضه بعضًا، ويضرب بعضه بعضًا في آياته البينات؟! واسمعوا إلى هذا الاستنتاج من الدكتور العبقري آية تشترط العدل، وآية أخرى توضح أن العدل غير ممكن، وأنه مستحيل أن يتحقق العدل في التعدد، إذًا فالزواج بأكثر من واحدة حرام!! هل سمعتم بمثل هذا النبوغ، في استنباط الأحكام من القرآن، لقد جعل القرآن يعارض بعضه بعضًا، وما فهم هذا الدكتور (الألمعي) أن الآية التي نفت إمكان العدل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) إنما هي في أمر خاص هو (الميل القلبي) نحو بعض النساء، وقد وضحه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله، حيث كان يعدل بين نسائه في أمر المبيت، والسكن، والكسوة، والنفقة، وكان قلبه يميل إلى بعض أزواجه، أكثر من غيرها، كان -صلى الله عليه وسلم- يميل إلى السيدة عائشة ويحبها أكثر من بعض أزواجه، وكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك). يريد به ميل القلب. ولنضرب مثلًا على هذا الحبِّ العاطفي، الذي ليس بمستطاع الإنسان، إنسان عنده عشرة أبناء، كلهم أبناؤه، يحبهم ويكرمهم، ويعاملهم أحسن المعاملة، ولكن قلبه يميل إلى واحد منهم أكثر من الآخر، كما هو أمر سيدنا (يعقوب) عليه السلام، كان يحب (يوسف) أكثر من بقية أبنائه، هل كان بإمكان هذا القلب الرحيم، أن يتغلب على هذا الحب؟ هذا أمر لا يملكه أيُّ إنسان، مهما بالغ في التسوية بين أبنائه.! هذا إذًا هو المراد من قوله سبحانه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) يراد به الميل القلبي لو فهم الدكتور هذا المعنى بنور البصيرة، الذي أودعه الله في قلب كل إنسان مؤمن، بعظمة هذا الدين وعدالته! واليوم يخرج علينا دكتور أزهري جديد، بفتوى غريبة منكرة، يخالف فيها ما اجتمعت عليه الأمة، وما جاء صريحًا في الكتاب والسنة فيقول إنّ َ قتل المرتد عن الإسلام غير مشروع، وأنه لم يحدث في تاريخ الإسلام تطبيق عقوبة الردة على أحد، والمرتد والمرتدة لا يقتلان، إلى آخر كلامه الذي نقله عنه ملحق الرسالة. وأصل هذا الكلام الذي يراه الدكتور عبدالمعطي بيومي أنه لا يعتمد على النصوص القطعية من الأحاديث النبوية الشريفة، والقرآن الكريم –على زعمه– لم يكن صريحًا في قتل المرتد، والسنة هي التي تناولته وحدها، ولا مانع عنده أن نضرب السنة عرض الحائط، حفاظًا على حرية الإنسان، فيما يريد أن يعتنقه من دين، أو ينسلخ عنه، حتى ولو كان دين الإسلام (سبحانك هذا بهتان عظيم)!! ولعلكم تعجبون أن هذا الدكتور البيومي هو مقرر لجنة العقيدة بمجمع البحوث الإسلامية، وكان عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، ونظرًا لأنه دكتور، وعميد سابق، ورئيس لجنة العقيدة بمجمع البحوث، فله الحق أن يقول ما يشاء، حتى ولو خالف الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وأقوال الأئمة الأربعة المجتهدين!! نقول لسيادة الدكتور: هل القرآن الكريم وحده هو المرجع للتشريع الإسلامي؟ وأين قوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقوله سبحانه (من يطع الرسول فقد أطاع الله)؟ ألم يقرأ في كتاب الله عز وجل، حكم الردة عن الدين، وأنها تخلد الإنسان في نار جهنم، إذا لم يتب ويرجع إلى دينه الحق (الإسلام) في قول رب العزة والجلال (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة (217) أليس هو حكم المرتد في القرآن؟ فكيف يقول الدكتور ليس هناك حكم في القرآن على المرتد؟ هل بعد هذا العقاب الإلهي على المرتد، حكم أفظع من هذا؟ أليس قتل المرتد كحد شرعي له في الدنيا –والحدود إنما شرعت كفارة للذنوب والجرائم التي يفعلها الإنسان- أليست أهون من الخلود في نار الجحيم؟ كيف غاب هذا الأمر عن سيادة الدكتور؟ إذا كان يعتمد على القرآن فحسب دون السنة؟! ورأيي الشخصي في الدكتور أنه لا ينكر السنة النبوية، ولكنه لم يطلع على النصوص الشرعية، التي قضت بقتل المرتد، وإنما هو يبني فتواه على آراء يجدها في كتب التاريخ، ويساير الناس على أهوائهم، بما يوافق رغبات العلمانيين، ورغبات بعض الساسة من الدول التي لا تدين بالإسلام، ويجدون في الحدود التي شرعها الله شدةً وقسوةً، تخالف الحرية الشخصية، ولا تليق بمجتمع متحضر!. الدليل الأول: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-“لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني-أي المتزوج إذا زنى- والنفس بالنفس-أي القاتل إذا قتل- والتارك لدينه المفارق للجماعة) أخرجه البخاري ومسلم، وأصحاب السنن. هذا الحديث الشريف، هو الذي اعتمده أئمة الفقه والاجتهاد، في وجوب إقامة الحد على المرتد، فهل هذا الحديث باطل أو منسوخ، في نظر سيادة الدكتور أم أمر مجمع عليه بين المسلمين؟ الدليل الثاني: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: (قدم عليَّ معاذ بن جبل، وأنا باليمن وكان رجل يهودي أسلم، ثم ارتد عن الإسلام، فلما قدم معاذ قال لهم: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم!! فقدم له أبو موسى وسادة ليجلس عليها، فأتي باليهودي الذي ارتد، فقال معاذ: والله لا أجلس حتى يقتل -ولم ينزل عن دابته- فلما قتل جلس، وقال: هذا قضاء الله ورسوله) أي في المرتد. الدليل الثالث: حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه (من بدل دينه فاقتلوه) أخرجه البخاري والترمذي والنسائي. والعجيب في أمر الدكتور أنه عد هذا الكلام مقولة من أقوال الناس وهو كلام معتد به، مع أنه في أحاديث الصحاح؟!. قال الإمام مالك: والأمر عندنا أن من خرج من الإسلام إلى الردة، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. فلماذا يا دكتور تجعل الحديث الصحيح، من مقولة بعض الناس وأنه كلام لا يعتد به في الأحكام؟ أليس هذا عدوانًا على شريعة الله وهو فتنة للناس في دينهم، تبعث على الفوضى في المجتمع الإسلامي بناء على كلامك. ثم ماذا يقول الدكتور فيمن لا يعجبه الحكم الشرعي في حد الزاني المحصن -وهو الرجم- فهو يريد أن يغير دينه إلى النصرانية حتى يتخلص من هذه العقوبة الصارمة، عملًا بحرية المعتقد، ونزولًا عند فتواك هذه؟ أليس هذا من الإفساد في الأرض!؟. لقد كان علماء الأزهر -قرابة عشرة قرون- حراسًا للشريعة، وحماة لها، وأصبح بعضهم الآن، يهدمون هذا الصرح الشامخ. إني لأربأ بك أن تكون أحد هذه المعاول الهدامة! ورحم الله الدكتور البهي الخولي حين قال (حصوننا مهددة من الداخل).