مِن المشاكل الكُبرى التي تواجهني – الآن – علاقتي بمعالي الدّكتور الصَّديق «محمد العُقلا».. لأنَّه أدخلني في نَفق مِن «الصِّراعات الدَّاخليّة» بيني وبين نَفسي.. فهَذا القَلم - مُنذ أن بَدَأ الكِتَابة - وهو يَميل إلى الهجاء، والنَّقد اللاذع، والجَلْد الوَاسِع.. وهكذا قانون لا يُمكن أن يُطبَّق عَلى رَجُلٍ نَبيل - بحَجم «العُقلا»- الذي يُقيّدكَ بالمَعروف، ويُسربلكَ بالحُب، فلا تَكاد وأنتَ مَعه تَصدح بكَلمة نَقد، أو تَتفوّه بجُملة قَدح..! حَقًّا.. إنَّني بدأتُ أكره مَعالي الدكتور «العُقلا»، ليس لجُرم اقترفه، بل لأنَّه مِن أحاسن النَّاس أخلاقاً، ومِن أكثرهم أدباً وتَواضعاً..! قَبل فَترة عُقد في رحاب الجامعة الإسلاميّة -بالمدينة النَّبويّة - مُؤتمرٌ مُهمٌ تَحت عنوان: «الإرهاب بين تَطرُّف الفِكر وفِكر التَّطرُّف».. ولن أخوض في حيثيّات المُؤتمر وجَلساته وتَوصيّاته.. لأنَّ ذاك أمر تَناولته أسماء أقدر منِّي، وأطول وأعرض وأشجع، ولعل آخرهم صَديقنا البَاحث «يوسف أبا الخيل»؛ في جريدة «الرياض»..! ما يُهم القلم - هنا - هو هذا الثَّوب الجديد الذي بَدأت تَرتديه الجَامعة، في عهد مَعالي الدّكتور «العُقلا»، ولا أُخفيكم أنَّني أشعر بالفَخر لهذا العَهد، الذي تَعيشه الجَامعة، لأنَّني أحد خريجيها، وأعرف كيف كانت، وماذا ضمَّت في السَّابق.. وكيف صَارت وأصبَحت في عَهد «العُقلا» اللاحق..؟! لازلتُ أتذكَّر أنَّ «العُقلا» - سامحه الله - طَرح سؤالاً في جَلسة تَضم كَوكبة مِن الكُتَّاب مَفاده: كيف تَقولون إنَّ الجامعة الإسلاميّة مُتطرِّفة، وهذا «أحمد العرفج» أحد خرّيجيها..؟! لن أتوقَّف عند هذا السّؤال «العقلاوي»، ولكنّي - هنا - سأردُّ له طَعنة الثَّناء، بطَعنة ثَناءٍ أُخرى، موازية لها في القوّة، ومُتضامنة مَعها في الاتجاه، فهذا الرَّجُل فَعل مَا لم يَفعله أحدٌ مِن قَبله في هذه الجَامعة، وحتَّى لا يَكون الكَلام في صَحراء الظّنون، ومَتاهة العيون، سأُعطي الأدلَّة التي رصدتها: أولاً: دَعت الجامعة أكثر مِن مَائة مِن النَّساء البَاحثات مِن خَارج المَدينة، وأخذن يَتقاسمن النِّقاش مَع البَاحثين، والجَادِّين مِن الدَّارسين..! ثانياً: ألقت سمو الأميرة «عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز» كَلمة في المُؤتمر، وهذا يَحدث لأوّل مرَّة في هذه الجَامعة؛ حيثُ كَانت منزوية..! ثالثاً: الحضور النِّسائي مِن خلال أوراق العَمل، حيثُ شَارَكَت خَمس عَشرة بَاحثة بأوراقهنَّ عن الإرهاب، وهذا يَدلُّ على أنَّ المرأة بَدَأت تَعي دورها في مُكافحة «الظَّاهرة الإرهابيّة»..! رابعاً: تَلاقح الجهود في مُكافحة الإرهاب، بحيثُ رَعى المُؤتمر سمو الأمير «نايف بن عبدالعزيز» رَجُل الأمن الأوّل، وهذا الرَّجُل الكَبير يُمثِّل الجَانب العَملي، ويَرعى في نَفس الوَقت، الجانب النَّظري المُتمثِّل في الجَامعة، التي تُهيّئ البيئة الجيّدة للبَاحثين، لمُناقشة «الحَل النَّظري» لمَشاكل الإرهاب..! خامساً: البُعد العَربي في المُؤتمر كَان وَاضحاً، حيثُ جَاء المُشاركون والمُشاركات مِن كُلِّ فَجٍ عَميق، مِن مصر، ومِن الجزائر، ومِن المغرب، ومِن الكويت، ومِن البحرين، وهذا الخليط المُتعدِّد يُؤكِّد على أنَّ «الظَّاهرة الإرهابيّة» هي وَجعٌ «كوني» وليس «إقليميًّا»..! إنَّني - هنا - أؤكِّد على وجوب دَعم وتَشجيع معالي الدّكتور «محمد العُقلا»، حتَّى لا يَشعر أنَّه وحيدٌ، وحتَّى يَعلم أنَّنا له مِن المُساندين، لعلمي التَّام أنَّ هُناك مَن يُعارض هذا التَّوجّه «العقلاوي»؛ في الجَامعة نَفسها، بل مِن بَعض قياداتها..! إنَّ «العُقلا» يَسعى بخُطى حثيثة لفَك عُزلة الجَامعة، التي كانت - أيام دراستي فيها - تُشبه «مَركبة فضائيّة» تَعطَّلت في أرض المدينة، وتَنتظر لحظة الرَّحيل عنها، فلا الجَامعة تَشعرُ بالمَدينة، ولا المَدينة تُحِسُّ بأنَّ في طَرفها الغَربي بنتاً لها تُسمَّى »جَامعة»..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القول: سَبق أن قُلت: اللَّهم اجعل بيننا أكثر مِن عُقلا، والآن لا أملك إلَّا أن أُكرِّر هذا الدُّعاء، وسأُلحُّ به حتَّى تَأتي الإجابة مِن الكَريم الوَهَّاب..!.