عالمي غامض ومتناقض ويصعب فهمه ، معاناتي أمر في غاية الصعوبة بالنسبة للشخص العادي. همومي من يسمعها ومن يفهمها ، فأنا لا أعرف شيئاً عن نفسي سوى أنني توحدي. هل أنا إنسان آلي وغريب عن كل من حولي ؟! هل أنا حقا بلا مشاعر ولا أحاسيس هل عواطفي مجمدة ولا أبالي بشيء حتى بأقرب الناس مني أمي وأبي. هل حقا كل ما يهمني هو عالمي أنا؟ ما أروع لغة الصمت التي أتقنها بحرفية عالية وما أروع التأمل في كل ما يحيط بي في هذا العالم الفسيح. تصرفاتي قد لا تروق للآخرين فهي متناقضة ونظراتي حائرة وحركاتي مملة لا أبالي بكلام الآخرين ماذا يقولون ولا ماذا يرددون، أعيش وحدتي بمفردي وبكامل عزلتي لا صديق ولا رفيق ، أهيم في عالم السكون. أتعلم ماذا أريد؟ أريد من حولي أن يعيشوا عالمي ويتخيلوا واقعي ويتصوروا مستقبلي، عالمي حقا غريب عالم آخر غير الذي تعيشون ،لم أختره بملء ارادتي هو قدري وأنا راضٍ بقضاء الله وقدره ، فهل تقبلوني عضوا في هذا المجتمع وتتكيفوا مع وجودي فيه رغم غرابة تصرفاتي ونظراتي التي لا تعرف استقرارا. هل تحاولون سبر أغوار عالمي لعل الهوة التي بيننا تتقلص حتى تتلاشى ..أحتاج دفء مشاعركم ونظرات محبتكم وطول بالكم عليّ أحتاج لمسة حانية وحضنا دافئا ، حقا أنا غريب لكن خففوا عني غربتي مع نفسي ومع العالم الذي نعيش فيه معا. أيها المجتمع قف بجانبي ولا تحرمني إحساسك الانساني الراقي بأنني فرد من أبنائه وإن كنت مختلفا ، قدم لأمي وأبي الدعم النفسي فهم بحاجة إلى من يعينهم على تحمل المسؤولية فأمر رعايتي ليس بالأمر الهين . كم أحبكم لأنكم جعلتم لي ولأمثالي يوما عالميا يتحدث فيه المختصون عن التوحد والتوحديين. إلى أمي وأبي أنتم سندي وعزي وفخري ، اصبروا واحتسبوا إن كنت عاجزا عن التحدث اليكم بكلماتي أو نظراتي الحانية فإن قلبي يخفق بحبكما والدعاء لكما فأنا أقدر لكما تضحياتكما من أجلي ... ابنكم التوحدي. هذه مشاعر انتابتني عندما شاهدت مشهدا لفيلم سينمائي امريكي يتحدث عن معاناة طفل توحدي عالي التركيز ولديه قدرات عقلية غير عادية في حل الأحجيات ، أردت تسطيرها تعبيرا عما قد يخالج فكر طفل توحدي . في ختام الفيلم كان هناك مشهد رائع ومؤثر للغاية يجعل العينين تذرفان لتلك المشاعر الفياضة من قبل طفل توحدي لا يمتلك القدرة على التعبير بالكلمات أو النظرات لم أسدِ له معروفا ولكن عندما طلب منه الرجل التركيز والنظر في العينين حينما قدم له هدية عبارة عن مجموعة من الأحاجي التي يحب لم يمتلك ذلك الطفل الا ان يعبر عن حبه وامتنانه بحضن استشعرت من خلاله انه يقول انا بحاجة الى من يفهمني ويحتويني وقال للرجل شكرا بكل حب وتقدير للمشاعر الصادقة انت تمثل لي حلقة الوصل بيني وبين العالم الذي يحيط بي. هذا هو الفن الراقي الذي يلامس أحاسيس ومشاعر البشر بكافة شرائحهم وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ندين لهم بالشيء الكثير.