رؤية جوهرية استهلالاً يقول الدكتور صالح زياد أستاذ النقد بجامعة الملك سعود: إعلان جائزة الملك عبدالله العالمية للتراث والثقافة تأكيد على وجهة الوعي الإنساني لدى الملك عبدالله، فالجائزة عالمية، وهي في حقلي التراث والثقافة، والصفة الأولى تعني المزيد من اضطلاع المملكة بمهام عالمية هي كِفْءُ ثِقَلِها وأهميتها التي يريد قائدها لها أن ترسخها وأن تواصل أداءها والاتصاف بها، وهذا استمرار وليس ابتداء، فحوار الثقافات والأديان العالمي الذي قاده حفظه الله، وجائزة الترجمة، والحوار الوطني... إلخ، تصب في هذا المسار. ويضيف زيّاد: أما اختصاصها بالتراث والثقافة، فيعني رؤية جوهرية للإنسان، ووعيًا حقيقيًّا به. فالتراث هو العمق الكامن والأصيل للهوية التي تصل في أعماقها بين بني البشر، والثقافة وعي التوازن والانسجام الذي يعادل به الإنسان الثقل المادي للوجود، هذا الثقل الذي يبهظ الكينونة الإنسانية ويشيِّئها، خصوصًا في هذا العصر. ويمضي صالح في حديثه مضيفًا: وقد كان ربط الجائزة بمهرجان الجنادرية، المعنِي أساسًا بالتراث والثقافة، دالاً بأكثر من معنى. فالجنادرية أفق للتَّأكيد على وحدتنا الوطنية، وهي إشهاد عالمي بمن تجمعهم من الضيوف المثقفين والمفكرين من أنحاء العالم، على هذه الوحدة. وليس هناك وحدة من غير جَمْع للمختلف والمتعدد وهو أجزاء هذا الوطن الحبيب الذي أصبح واحدًا، وهذا نموذج للمعنى الإنساني الثقافي العالمي، الذي يترامى إلى طموح الوحدة من وراء الاختلاف والتعدد. وأتصوّر أن الجائزة ستجعل من الجنادرية مهرجانًا عالميًّا فعلاً بقدر ما هو مهرجان وطني. كما ستضيف إلينا ما يعمّق من وعينا بالثقافة والمعرفة والتراث، وما يؤكد حقيقتنا التي تباين ما عانيناه من اختزال بلادنا في معان غير ثقافية. نمو طبيعي أما الدكتور جبريل حسن العريشي عضو مجلس الشورى فيرى في الجائزة «خطوة مهمة لتشجيع التراث والثقافة، تعكس عطاء خادم الحرمين الشريفين للفكر والثقافة والتراث»، ماضيًا إلى القول: إنها شعاع للوجه الحضاري لهذا البلد المعطاء. إنها تعكس النهضة الثقافية التي تعيشها بلادنا هذه الأيام بمختلف مؤسساتها الثقافية والفكرية، من إبداعات ونشاطات ثقافية في شتى العلوم والمعارف. مضيفًا: الملاحظ أن الثقافة السعودية تنمو نموًّا طبيعيًّا على محاور وخطوات كثيرة واتجاهات متعددة، والثقافة جزء من هذا النموذج، فالمملكة العربية السعودية لا تعتمد على بناء الهيكل فقط وإنما تعتمد على بناء الإنسان والثقافة هي نتيجة وحصيلة لبناء فكر معين في مراحل معينة تتطور بشكل تلقائي وفقًا للمنتج والإستراتيجية السعودية التي تطور المملكة العربية السعودية من جميع النواحي، فالنهضة الثقافية السعودية الآن بدأت تتبلور وبدأ صوتها يصل إلى الآخر بطريقة واضحة ومؤثرة، كل ذلك بتوجيهات ورؤية ثاقبة من خادم الحرمين الشريفين لكي يصل بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة فكرًا وواقعًا. ومبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تجاه المثقفين والمبدعين كثيرة لا تحصى وكل هذا نابع من حرصه -يحفظه الله- على دور الثقافة في المجتمع السعودي. ويمضي العرييش في حديثه مبينًا مبادرات المليك في الحقل الثقافي بقوله: لقد كان اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالشأن الثقافي والفني اهتمامًا كبيرًا، وترجمة واقعية للنهوض بالحركة الثقافية، وتوطيدًا للعلاقات الثقافية مع الدول العربية والصديقة من خلال حثّه على المشاركة في المؤتمرات والمهرجانات الثقافية والأدبية على الساحتين العربية والدولية، وقد عمل على تنشيط السياحة الثقافية، وهذا لا يتأتى إلا بدعمه ومبادراته الكريمة في رعاية الإبداع الفكري والثقافي وإبرازه ونشره في كافة المحافل الدولية والتعريف بالطاقات السعودية الخلاّقة والمبدعة، وكذلك إبراز رسالة الثقافة والإبداع السعودية وتوظيفها في كافة مجالات الحياة المعاصرة لتعطي الصورة الأبهى عن بلادنا؛ بلاد الثقافة. سد الفراغ أما الدكتور سعد الزهري الرئيس الأسبق للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات فابتدر حديثه بقوله: يسعدني أولا أن أبارك لجمهور المهتمين بقطاعات التراث والثقافة ميلاد هذه الجائزة التي تأتي لتسد فراغًا كبيرًا في الساحة المعرفية، حيث أن معظم التخصصات قد حظيت محلّيًا أو خارجيًّا بتخصيص جوائز للمتميزين في تلك التخصصات. كما أن هذه الجائزة -من ناحية ثانية- ستكون حافزا لكل المتخصصين في مجالات التراث والثقافة لنثر إبداعاتهم وإخراج أفضل ما لديهم، الأمر الذي يعزز مكانة التراث والثقافة في حياتنا من ناحية، وسيسهم في جودة ذلك المنتج من ناحية أخرى. ويضيف الزهري: أما النقطة الثالثة والأهم فهي تتعلق بشخصية هذا الملك القائد الذي يبذل جهودًا كبيرة لرفعة وطنه وأمته. كما أن اهتمامه بالثقافة ليس بجديد، بل هو امتداد لممارسات سامية قام بها بكل اقتدار -حفظة الله- لعقود، وتجلّت في كثير من الأعمال التي يصعب حصرها والتي منها إنشاؤه لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمختلف فروعها، وكذلك لمؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية في الدارالبيضاء بالمملكة المغربية، وكذلك اهتمامه بمهرجان الجنادرية منذ نحو ثلاثين عامًا، وأيضًا إنشاؤه لجائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة، وكذلك دعمه غير المحدود لمشروع الفهرس العربي الموحد. كما يدرك المثقفون بمختلف شرائحهم دعمه -حفظه الله- وما حصوله على جوائز عديدة منها جائزة الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات للشخصية الداعمة لأنشطة الثقافة إلا واحدة من شواهد كثيرة تعبر عن تقدير هذه القطاعات لمنجزاته. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وأيده وسدّد خطاه. حمامة بيضاء ويشارك نائب رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالباحة جمعان الكرت بقوله: إن للملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرات إنسانية وحضارية ليست محلّية؛ بل إقليمية وعالمية، وجائزته العالمية للتراث والثقافة تأتي في السياق الطبيعي لفلسفته -يحفظه الله- بالاهتمام بالمجتمع العالمي باعتبار السكّان شركاء في صنع الحضارة أيًّا كان موقعهم أو ثقافتهم أو حتى لغاتهم، وهذه المبادرة تأتي في منظومة التنامي الحضاري والإنساني الذي تشهده بلادنا في كافة الجوانب ومن بينها الثقافة التي ليس لها حدود جغرافية أو إقليمية، بل هي أشبه بالحمامة البيضاء التي تحلّق في أجواء الكرة الأرضية دون قيود، ورعاية الثقافة والاهتمام بها مطلب حضاري وإنساني وأخلاقي، لأن الثقافة متى نمت، تنمو بطبيعة الحال الحضارة الإنسانية، وبهما أي الثقافة والحضارة ينمو الإنسان، أما التراث فهو السجل التاريخي الذي ينبغي الحفاظ عليه ورعايته من جميع جوانبه لأن ذلك يدل على وعي المجتمعات، وتأتي هذه الجائزة العالمية كنوع من الدعم الكبير لثقافة وتراث المجتمعات العالمية والحفاظ على سجلها التاريخي المتمثل في التراث. ويؤكد الدكتور صالح سعيد الزهراني أستاذ اللغة العربية بجامعة أم القرى أن الجائزة ستكون إضافة نوعية لمنجزاتنا الثقافيّة، مضيفًا: لقد أصبحت جائزة الملك فيصل العالمية هدفًا للعلماء والباحثين في جميع أنحاء العالم، وكثيرًا ما كانت البداية للحصول على جائزة نوبل العالمية. واليوم لدينا جائزة الملك عبدالله للترجمة، وجائزة الملك عبدالله للتراث والثقافة، إن أعظم الإنجاز هو إنجاز الثقافة؛ لأن الثقافة هي النبع الذي لا ينضب، والاستثمار الأمثل، وقريبًا سنكون قبلة للمعرفة كما نحن قبلة للدين، وما أعظم أن يعرف الناس أن بلادنا خميرة المعجزات. الزمن هو زمننا، والملك قرر أن نكون في المقدمة، ويجب أن نكون كذلك. مد الجسور ويربط الشاعر ماجد الغامدي بين مهرجان الجنادرية وهذه الجائزة في سياق قوله: كان انطلاق الجنادرية مَشرِقًا جديدًا في أُفق الثقافة وفكرةً متناميةً يتمدد محيطها ليكون فلكًا متراميًا لجوانب الفكر والثقافة والفن والإبداع، فلم تكن بدايته ككل البدايات الخجولة، فقد شكّل تظاهرةً مبهجة منذ انطلاقته، وحقق نقلةً نوعيةً في الاهتمام بالإرث الحضاري وتجاوز فكرة إحياء الموروث إلى مد جسور التواصل مع واقع متطور ومستقبل طموح شمل جوانب الحِراك الثقافي والإبداع الفني والموروث المعرفي، ليجئ إعلان هذه الجائزة في ثناياه ليؤكد أصالة الماضي وقدرته على التماهي مع واقع العصر وإظهارها في ثوب التطور الزاهي بتقنيات حديثة وحلةٍ جذّابة. أهداف سامية القاص محمد علي قدس شارك بقوله: ما من شك أن الإعلان عن جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجال التراث والثقافة، في الوقت الذي يعلن فيه عن بدء فعاليات مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في دورته الخامسة والعشرين، يؤكد اهتمام اللجنة العليا للمهرجان بأهمية الدور الذي قام ويقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خدمة الفكر والثقافة والعلم والتراث، فهو صاحب فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي انطلقت فعالياته الأولى على أرض الثمامة بالرياض قبل خمس وعشرين سنة (1405ه)، وحين أعلن صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله نائب رئيس الحرس الوطني ونائب رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، في المؤتمر الصحفي حول الاستعدادات لانطلاق فعاليات مهرجان هذا العام، أكد أن إطلاق جائزة عالمية للباحثين والمفكرين المهتمين بقضايا التراث والثقافة، باسم راعي الجنادرية والداعم لمشاريع الثقافة والتراث والنهوض بالمثقفين والباحثين في مجال التراث، وهو من المؤكد يعد مشروع حضاري يهم الثقافة والتراث في عالمنا الإسلامي والعالم أجمع، ويؤكد حرص القائمين على المهرجان، أن يكون له دوره العالمي في دعم كل البحوث والدراسات التي تخدم تاريخنا العربي والإسلامي بالدرجة الأولى. وحين يضاف إلى برامج مهرجان الجنادرية الذي صار عالميًّا بشهرته وسمو أهدافه، هذه الجائزة بقسميها في مجالي التراث والثقافة، فإننا سنشهد بإذن الله في الدورة القادمة من المهرجان، توزيع الجوائز للفائزين الأوائل بهذه الجائزة العالمية، التي سيكون صداها عالميًّا، ونتائجها ستكون مثمرة وتفتح مجالاً واسعًا للتنافس والتميز في مجال البحوث في آفاق الثقافة والتراث. مواكبة التطور كذلك تحدثت الكاتبة ثريا عادل بترجي قائلة: الجائزة مبادرة جميلة من خادم الحرمين الشريفين في دعم الثقافة والتراث، ونحن في أمسّ الحاجة لتشجيع الجيل الجديد على الحفاظ والاقتباس من تراثه الأصيل، ويا حبذا لو أكد على ضرورة أن تكون الأعمال المقدمة بأفكار حديثة ومواكبة لتطورات العصر. وأتمنى كذلك أن يكون هناك قبول واهتمام بالأعمال التراثية المخصصة للأطفال ضمن الجائزة. وتتابع ثريا حديثها مضيفة: إن ما رأيناه من خلال الجنادرية يلامس جوانب ثقافية جديدة وأطياف إبداع متعددة تلاها استضافة دول مجاورة تشاركنا الموروث وتقاسمنا الأصالة إلى أن وصل التدرج المدروس فضاء العالمية باستضافة عدة دول على امتداد العالم لتشمل التراث العالمي والإرث الإنساني، وتشيّد وشائج التواصل، وتفتح قنوات التقارب الثقافي بين الحضارات والشعوب، وبإطلاق جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- تؤتي الجنادرية أينع ثمارها وأنفس دررها وتضعها على مائدة التلاقي الفكري والمشاركة الثقافية بعد أن هيّأت جهود ملك الإنسانية وفنار الثقافة -أيده الله- الجو الملائم لتزيين بوتقة الفكر الإنساني والثقافة العالمية والإرث الحضاري بزهور نضِرة من شتى بساتين المعرفة الإنسانية، ومن كافة بقاع العالم، وهذا يعكس شمولية الفكر المضيء ونضارة الوعي لدى مليكنا المفدى.