كشف الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي منسق لجنة المناصحة بالمدينة المنورة وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية عن وجود أكاديميين سعوديين ذوى مكانة اجتماعية خضعوا للمناصحة لتأثرهم بالفكر المتطرف، مؤكدًا أنه قلة قليلة. وأوضح في حوار خاص للمدينة أن الموقوفين من أصحاب الفكر لم يكفروا المسؤولين والعلماء والعسكريين، فحسب وإنما كانوا يكفرون أنفسهم في اليوم أكثر من مرة لكثرة رصدهم نقائض الإسلام من وجهة نظرهم الضيقة فقط. وقال السحيمي نقلاً عن أحدهم “من كثرة ما نردد النواقض ونطبقها صرنا نكفّر أنفسنا في اليوم الواحد، ونعود ونجدد إسلامنا». وأرجع انتكاسة بعض العائدين من جوانتانامو وعودتهم إلى طريق الإرهاب إلى عدم التحاقهم ببرنامج مركز الأمير محمد بن نايف الذي أنشئ بعد عودة الدفعة السادسة، موضحًا أن المناصحة الفردية كانت تؤتي ثمارها جيدًا مقارنة بالجماعية. وأضاف السحيمي أن بعض الموقوفين كان يقسم بالله العظيم أنه لم يسمع بالكثير من النصوص الشرعية التي يبين له من خلالها خطأه، ولم يعلم بها إلاّ بعد جلسة المناصحة، موضحًا أن أكثرهم من المنظرين لشعار الجهاد والتكفير والولاء والبراء بدون ضوابط جميعهم، كما يفصلون بين الجانب الأخلاقي في الجهاد وبين طريقهم في العنف، مشيرًا إلى أن ذلك دفعهم إلى استباحة كثير من المحرمات الأخلاقية كالكذب والغش والخيانة ونقض العهود وغيرها من لوازم الفكر الجهادي. وأشار إلى أن غالبيتهم من صغار السن وقليلي العلم، ويختلفون في الأفكار ما بين مكفر بقوة ودون ضوابط، وبعضهم يريد الجهاد ويخطئ في تطبيقه على الواقع، وبعضهم متعاطف مع من يحمل الفكر الضال. قصص واقعية وردًا على سؤال حول بعض القصص التي استمعت لها اللجنة أثناء عملها يقول أحد الموقوفين: أردت السفر إلى أحد البلاد فحلقتُ لحيتي لأول مرة، ولبستُ البنطال للتمويه، وكنتُ أرغب في "جهاد" محتلي العراق، لكن من ساعدني قال لي إنما نساعدك بالوصول إلى العراق لعمل عملية انتحارية، قال هذا الموقوف: أنا لا أرضى بهذا؛ لأن العلماء لا يفتون بجواز ذلك. قال له مَن يفتيك؟ قال: سميت له الشيخ، قال والله لو وصلت إليه لأرفعن لحيته إكرامًا لها، ولأجزن رأسه كما يجز رأس الخروف، يقول فكان ذلك سببًا لرجوعي إلى المملكة لما عرفت حقيقة هؤلاء. وواصل السحيمي إن أحدهم قال: دخلتُ بلدًا، والتقيتُ بمجموعة ليرسلوني إلى العراق، فأخذوا مني مالاً مقابل ذلك، وطلبوا مني المشاركة في عملية انتحارية فرفضت، فأخذوا جوازي وجميع ما معي من مال، وتركوني في الصحراء، فهِمتُ على وجهي حتى سقطت مغشيًّا عليَّ، فلمّا استيقظتُ علمت أنني ما زلت في ذلك البلد ولم أدخل حدود العراق، وسُجنتُ هناك بضعة أشهر حتى أعادتني السلطات إلى المملكة. يكفّرون أنفسهم ونقل السحيمي عن شخص آخر سلم نفسه قوله: كنت أريد تفجير مكان ما، وما منعني إلاّ أن والدي هو مدير هذا المكان، فترددتُ، ويضيف: حفظنا نواقض الإسلام، فصرنا نطبّقها على كل شخص، وفي مرة رأينا عسكريًّا ملتحيًا ووجهه فيه نضارة، فقال لي زميلي: والله لقد كفر هذا بما أنزل على محمد، فلمّا سألته عن السبب؟ قال: يكفي أنه عسكري! ويضيف بايعنا تنظيم القاعدة، وطلب منا أن نتبع أحد القادة وليس معه إلاَّ شهادة المتوسطة، ولا يقبل مناقشة، ولا يريد حوارًا، وكنا نخرج إلى الصحراء، ويأتينا هو ومجموعة معه متخفين بملابس النساء، ويملي علينا ما يريد دون أن يقبل منا النقاش، ويقول: من كثرة ما نردد النواقض، ونطبّقها صرنا نكفّر أنفسنا في اليوم الواحد، ونعود ونجدد إسلامنا. وأشار السحيمى إلى قصة شخص آخر رفض السلام على لجنة المناصحة، فقال: لستم عندي مسلمين، فقلنا هل تعرفنا؟ وكيف عرفت أننا غير مسلمين؟ قال يكفي دخولكما هذا المكان لكفركما، فقال زميلي بأي شيء يدخل المرء الإسلام؟ قال: بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فقال صاحبي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، فقال لا ما زالت الردة متصلة ما دمتما في هذا المكان. وعن مواقف بعض العائدين للفكر الصحيح قال السحيمي: كثير منهم تراجع عن فكره: أحدهم سألناه تقول إنك ذهبت من سوريا إلى اليمن فهل دخلت العراق؟ وأضاف: ثمانية أشهر ما أجبت المحققين على هذا السؤال، وبعد أربع جلسات قال: أشهد الله وأشهدكم أنني كنت في تنظيم القاعدة، وذهبت إلى العراق، وأشهد الله وأشهدكم أني قد رجعت عن هذا الفكر الظالم عن حجة وقناعة. وعن دور الإعلام في المساهمة في التوعية قال السحيمي: الإعلام الرسمي دوره غير كافٍ في نظري حتى الآن، لأنه ينتظر مادة جاهزة لبثها، وكثير ممّن يستضاف ليس له خبرة في مجال الإرهاب، والإعلام غير الرسمي قسم يبحث عن الإثارة أيًّا كانت ومهما كانت الآثار، وقسم يخدم إيديولوجيا معينة وينصرها بما يقدم. وأكد السحيمي أن توجيهات ولاة الأمر جاءت بعدم تعذيب المتهمين وعدم إيذائهم لا بالقول ولا بالفعل، لأن القصد نفعهم وإنقاذهم لا التعدي عليهم وإيذاؤهم مضيفًا إن المناصحة تنقسم إلى قسمين: المناصحة للموقوفين، والمناصحة لغير الموقوفين، وقال إن المناصحة للموقوفين تكون فردية، أو بالدورات العلمية، أو بالرعاية والتأهيل، وفي المناصحة الفردية يجلس مع المناصح شيخ أو اثنان مع أخصائي نفسي واجتماعي ويسأل عن حياته، وحالته الاجتماعية، ويخبر بالهدف من المناصحة وهو إزالة الشبه عنه، وتيسير سبيل النجاة له، وكان في السابق يجتمع موقوفون كثر، ويأتيهم المشايخ للمناصحة، ولكن رأت اللجنة أن الأفضل مقابلة الموقوف فرديًّا، وكان هناك تردد في البداية من قِبل بعض الموقوفين لكن حين علمهم بالخير المراد لهم بالمناصحة كثرت الاستجابة. وحول الدورات العلمية قال السحيمي يشارك فيها 20-25 موقوفًا ويدرسون لمدة 3 أسابيع حول الأمور التي تدور حولها الشبه، مثل ضوابط التكفير والولاء، والقراءة النقدية في كتب المتشابهات والأصول التربوية، وموقف المسلم من الفتن، ثم يختبر فيها، وقد أقيم حتى الآن ما يقارب 70 دورة علمية، والدراسة هنا تتسم بالحوار والمناقشة لا الإلقاء المجرد. المنتكسون وردًا على سؤال بشأن برنامج الرعاية والتأهيل قال السحيمي: إنها تستهدف العائدين من جوانتانامو، والمقترح إطلاق سراحهم ومن سلموا أنفسهم طواعية، والهدف منها ما لوحظ من اختلاف استقبال الناس لهؤلاء الفئات، فبعضهم يستقبل بالترحيب والحفاوة، ومنهم من يعزله المجتمع، فأنشئ مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية للمناصحة، ولم يشارك فيه معتقلو جوانتانامو إلاّ بعد الدفعة السادسة؛ ولذا نجد مَن انتكسوا كانوا في الدفعات الأولى التي لم تشارك في برنامج الرعاية، وفي برنامج التأهيل يلتقي أفراد الأسرة بالموقوف في مكان خارج التوقيف في استراحات كبيرة، ويبين لهم الظروف التي مر بها الموقوف، ويعطى الدعم المالي إن كان يحتاجه مثل دعم الزواج وغيره، وقد أضيف إليها برامج وكان آخرها هو الحج والعمرة للموقوفين، وفي آخر سنة حج 150 من الموقوفين مع جميع أسرهم على نفقة وزارة الداخلية ممّا كان له أثر كبير عليهم وعلى أسرهم، ومن الأساليب قراءة التاريخ بالصورة الصحيحة، وتصحيح الصورة المغلوطة لدى هؤلاء الشباب بأن تاريخ الأمة كله قتل وقتال، وقد علقت إحدى الصحف البريطانية على مركز الرعاية والتأهيل بأنه أقرب إلى مركز ترفيهي منه إلى مركز اعتقال حيث تتوفر فيه المرافق الخدمة ومرافق الرعاية. مناصحة غير الموقوفين وعن مناصحة غير الموقوفين وتوعيتهم قال السحيمي: هناك برنامج توعوي تحصيني يستهدف جميع فئات المجتمع، وقد أقيم حتى الآن في ست محافظات، ومع نجاح برنامج المناصحة إلاّ أن أعدادًا كبيرة لا زالت تدخل في صفوف المنحرفين، ويستمر البرنامج حوالى ثلاثة أسابيع، ويشارك فيه ما لا يقل عن خمسة مشايخ في خطب الجمعة، وإلقاء المحاضرات في المدارس، ولقاءات في المناطق، ولقاءات خاصة بالشباب، ومسابقات ثقافية، ودورة علمية في كل أسبوع، وتعد ظاهرة ثقافية شاملة، وقد رغب أهالي المناطق في تكراره.. وبلغة الأرقام فقد أقيم حتى الآن ضمن برنامج مناصحة غير الموقوفين في 6 محافظات، ويستهدف جميع فئات المجتمع حيث يستمر البرنامج الواحد في المحافظة 3 أسابيع، وفي كل أسبوع تلقى محاضرات في جميع مدارس المحافظة وكلياتها بنين وبنات، وهناك محاضرات في المساجد، وندوات، ولقاء عام في كل أسبوع لجميع أهل المنطقة، ودورة علمية إضافة إلى إلقاء خطبة الجمعة، ومسابقة ثقافية تمنح بها جوائز للفائزين، ورغم تقصير الإعلام بتغطية تلك الأنشطة إلاّ أن ردود الفعل المرحبة والمطالبة باستمرار هذه المناشط كانت كثيرة، وقد نُفّذ حتى الآن أكثر من 1000 نشاط.