حالة عدم الثقة بين المواطنين انفسهم أخذت تسود في أروقة سوق الخضار والفواكه بجدة، وبدت تجبر الباحثين عن عمل من السعوديين للهروب الى الوظيفة والبحث عن مصدر اخر للعمل. هذه الحالة اعترف بها الشباب السعوديون انفسهم الذين يترددون على سوق الخضار واخذت تنتشر حتى بين جنسيات عربية اخرى تتخوف من الدخول في معارك مع جنسيات اسيوية اخرى "اتهمتها بعصابات اسعار الجملة" والسيطرة على شراء الكميات الكبيرة مقابل ان يحصلوا على اسعار منافسة. وعلى الرغم من ان شكوى الشباب السعودي تتكرر كثيراً في انهم لم يحصلوا على فرصتهم كاملة في سوق الخضار، اعترف اخرون ان بينهم من "تستغله" عمالة لاستخدام اسمه في انشاء محلات تجارية و "بسطات" في ساحات سوق الخضار، والبيع والشراء بالاسم السعودي وهو مايطلق عليه اصطلاحاً "التستر"، وأبعد من ذلك ان شباباً سعوديين يشككون في ان اللجان التفتيشية على السعودة فيما يبدو "على حد قولهم" انها اصبحت "مخترقة" حيث ان السوق يستعد، ويتغير "جلده" قبيل حضور اللجنة بدقائق واحياناً ساعات ويظهر السعوديون لساعات قليلة ثم يختفون. الشاب السعودي بلغيث معلم، (قادم من نجران ويعمل في جدة) يقول : انه يعمل في سوق الخضار لدى احد اصحاب المحلات في هذه السوق براتب ثابت مقداره 1500 ريال شهرياً، ولأن الدخل الشهري الذي أتقاضاه لايكفي لسد احتياجاتي واسرتي الضرورية لم اجد حلولاً لهذه المشكلة، ويواصل بلغيث الحديث فيقول: "بينما العامل الاجنبي يحصل على راتب اكثر من ذلك بكثير وربما يكون شريكاً في بعض المحلات واخرون يبيعون ويشترون في "الحلقة" على مرأى من الجميع. وكأن بلغيث يتحدث بلسان الشباب السعودي في سوق الخضار فيعبر عن ذلك بحرقة : "أكثر ما يضايق ويهدم همتنا هم الزبائن السعوديون أنفسهم الذين يتوجهون إلى المحلات التي يتواجد فيها عامل أجنبي ويعرضون عن بني جلدتهم من السعوديين بحجة أن الأجنبي يبيع بسعر اقل". ويؤيده في ذلك عبدالعزيز معطي، والذي يعمل بمرتب 2400 ريال شهريا من الساعة السادسة والنصف صباحاً وحتى السابعة مساء بشكل متواصل، وعلى الرغم من ان مرتبه "يعتبره" قليلاً ولايفي باحتياجاته من السكن الذي يدفع له 550 ريالاً في الشهر، إلا انه سعيد بهذا العمل لأنه ينجز بشكل يومي، ويطمح في ان يرتفع دخله لكي يحقق رغبته في الزواج. ويعيد معطي اسباب عزوف الشباب السعودي عن العمل في سوق الخضار الى عدة اسباب اهمها ان الكثير من الشباب يعتمدون على دخل اسرتهم، وبالتالي لايعتمد على نفسه في العمل الحر، وكذلك ان بعض أصحاب المحلات يدفع للأجنبي مرتبا ضعف الذي يحصل عليه الشباب السعودي، وكذلك ان بعض الشباب يعملون تحت ملكية الاجانب الذين ينشئون محلاتهم بأسماء السعوديين مقابل حصول كفيله على نسبة قليلة. عبدالرحمن يحيى (عامل من الجنسية اليمنية) يقول سبب وجودي هنا أنني اعمل لدى كفيلي، وينفي يحيى ان يكون جميع الاجانب هم الذين يحتكرون السوق، ولكنه استدرك قائلا : اذا صحت هذه المعلومة فإن المحتكرين هم من جنسية اسيوية واحدة ومعروفون في السوق. أما أبو الكلام (وافد من الجنسية البنغالية ويعمل في سوق الخضار منذ 18سنة)، فقد أفصح أنه شريك لصاحب المحل ويحصل على دخل جيد، وقال " أصحاب المحلات لايقبلون بشريك سعودي لذلك فإنهم يعملون معنا بشكل جيد". شاب سعودي (طلب عدم ذكر اسمه) يعتبر مثالا مختلفا عما سبق حيث يركز على أهمية الصبر لكي يحقق الشاب طموحاته بالعمل في هذه السوق، فقد جمع بين التعليم الجامعي والعمل مع والده في سوق الخضار، فيقول : المحل يملكه والدي منذ أكثر من 25 سنة، وقد بدأت العمل معه منذ اربع سنوات، وصحيح انني واجهت معوقات وعقبات في البداية ولكن بالصبر اصبحت هذه المعوقات فوائد لي، والتي من بينها انني كنت ادرس في الجامعة واعمل في المحل. أحد المتسوقين "سعد العوفي" عبر عن قلقه إزاء ارتفاع الأسعار في سوق الخضار بجدة مقارنة بالأسعار في المدينةالمنورة، في اشارة منه الى تحكم جنسيات معينة في حركة الاسعار بعد ان يقوموا بالسيطرة على اكبر كميات من احدى المنتجات عن طريق الشراء بالجملة. ويطبق عبدالرحمن الترجمي خبرته السابقة في السوق حيث يشير الى انه عمل في سوق الخضار خلال فترة دراسته منذ المرحلة الابتدائية، ولكنه يوضح انه تفاجأ حالياً بسيطرة العمالة الأجنبية كما كانوا في السابق حتى انهم اصبحوا يتحكمون بأسعار السوق. وهو ما دعا اسعار بعض السلع الى الارتفاع بنسب وصلت الى 60 في المائة وأن الدخل في السوق بطبيعة الحال سيرتفع، وقد لاحظ أن نسبة السعوديين أخذت في الانخفاض في السنوات التسع الأخيرة. أما عقيل حسن، يقول انه امتلك المحل بأجر مرتفع ونسبة دخله من المحل متفاوتة مابين الفين الى ثلاثة آلاف ريال شهريا خلال المواسم السنوية مثل رمضان والاعياد. ولم يكتم عقيل سراً في انه "لجأ" للاستعانة بالاجانب لكي يكسب رضا الزبائن لأنه "على حد قوله" فإن معظم الزبائن يثقون في البائع الاجنبي ولذلك استنعت بوافد أجنبي على كفالتي، حيث يساعدني في الحصول على بضائع بالجملة. ولكن عقيل يعود لشرح أسباب عزوف الشباب السعوديين عن العمل في سوق الخضار والتي يحمل بعض الشباب هذه المسؤولية كونهم يبدأون جادين ولكنهم سرعان مايتعرضون الى الخسارة ومن ثم يخرجون من السوق لعدم خبرتهم وعدم صبرهم وتحملهم مضايقات السوق، وكذلك عدم اخذ البعض منهم مشورة أصحاب الخبرة. عقيل حسن، اراد ان يقسم المحاولين من الشباب السعوديين للعمل في سوق الخضار الى مناطق، حيث اشار الى ان بعض ابناء مدينة جدة "يحجمون" عن مثل هذه الاعمال بدعوى ان هذا العمل "متدنٍ" بالنسبة لهم وانهم غير قادرين على العمل، ولذلك (والحديث لعقيل) أن اغلبية العاملين السعوديين في سوق الخضار وهم يعدون على أصابع اليد هم من ابناء المنطقة الجنوبية. عقيل، كان صريحاً عندما أكد ان السعودة في سوق الخضار "مجرد حبر على ورق" لا اقل ولا اكثر، حيث ان هناك الكثير من ضعاف النفوس يسربون الأخبار للأجانب قبل قدوم لجنة التفتيش على السعودة، وتساءل (من أين لهم هذه الاخبار؟)، وأيده في ذلك المواطن الترجمي.