¶ في دهاليز الزمن الجميل تقف الشخصية الحجازية منتصبة في كامل أناقتها الشعبية وبساطتها الانسانية.. تجدها في كل مكان وكأنها العلامة الفارقة في نسيج المجتمع الحجازي.. ولمقاهي جدة القديمة نصيب وافر من هذا الحضور الشعبي بل يمكن القول إنها استحوذت على اهتمام الناس في زمن لم يكن يعرف بعد الملاهي والمتنزهات واماكن الترفيه العامة التي نعيشها اليوم. ¶ كانت تركيبة رواد المقهى تفرض سيادة الروح الحجازية على كل ما تراه وتسمعه وتتحدث به.. حتى المفردات اللغوية (البلدي) تقفز إلى قلب المقهى وبصوت مسموع وكأنها البطل الذي تدور حوله قصص الجالسين في المقهى.. هناك العديد من تلك المفردات الضاربة بجذورها في أعماق العامية والرائجة بكثرة عند رواد المقاهي والعاملين فيها.. وخذ على سبيل المثال (الجبا) – بفتح الجيم والباء المخففة بعدها ألف – وتعني تكريم الضيف الطارئ على المقهى بإعطائه الشاي أو القهوة على نفقة المضيف، وحينئذ يقول صاحب المقهى للضيف: « هذا من فلان « فيجيبه الضيف قائلاً: « الله يوسّع عليه «. ¶ كلام حلو.. كلام دُقّه.. بسيط جداً.. يكاد يقطر طيبة وحميمية.. وقس على ذلك الكثير من المفردات والعبارات والتراكيب اللغوية العامية المتداولة بين الناس في ذلك الزمن الجميل.. وبالتحديد في جلساتهم الشعبية بالمقاهي حيث يلتقون فيلقون بأجسادهم على الكراسي الخشبية ( كرسي الشريط ) يمضغون الوقت على طريقتهم.. وكل شيخ وله طريقة كما يقال. ¶ حتى طعم الشاي والقهوة له نكهته الذيذة المميزة.. فالبراد ويقصد به « إبريق الشاي» المصنوع من « التوتوه « يأخذ وقته على الجمر المشتعل في ( الكانون ) ليضبط موازين الكيف الناتج عن مزج الماء بحفنة من أوراق الشاي الأسود أو الأخضر.. ولا مانع من إضافة بعض اوراق النعناع لمزيد من الروقان وتهدئة الاعصاب. ¶ لكن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد من الاسترخاء ففي بعض الاحيان يدخل الشيطان.. فيوغر صدور بعض رواد المقهى فينقلب الحال وتتوقف « ساعة الصفا « ليثور غبار العراك والاشتباك، وقد يدفع صاحب المقهى الثمن غالياً بتكسير بعض الكراسي او الطاولات ومجموعة جديدة أو قديمة من البراريد والفناجين. ¶ ولعل قراءتنا التاريخية التي نشرناها عبر ملحق ( الاربعاء ) في الاسبوع الماضي عن ( مقاهي جدة القديمة ) قد رسمت الاطار العام لصورة معينة من صور الحياة اليومية في مدينة جدة وكيف كان يقضي بعض أهلها وقت الفراغ في أحضان تلك المقاهي المنتشرة داخل حواريها العتيقة. ¶ واليوم نستكمل الجزء الثاني من هذه القراءة ونبحر مع ذاكرة العم محمد درويش رقام في رحلة جديدة نستكشف خلالها المزيد من المقاهي الجداوية ومواقعها وروادها وبعض احداثها أيضاً.. فيقول: ¶ كانت طبيعة الحياة الاجتماعية في جدة تبعث في رجالها رغبة البحث عن اماكن عامة يجتمعون فيه لتبادل الحديث وقضاء بعض الوقت مع بعض الاصدقاء والاحباء.. وكانت المقاهي هي الاكثر جذباً لأهل جدة ومن تلك المقاهي: قهوة محمود سنبل - وتقع في برحة سنبل بحارة اليمن ويرتادها بعض أبناء حارة اليمن بحي جوخدار وفؤاد زهيري ومحمد موسى قادري قاسم حلبي وخليل عبدالجواد ومعتوق أبو الحمايل. قهوة غطغط: - وتقع في حارة البحر جوار بيت عبدالله موسى بخاري ويرتادها عدد من ابناء حارة البحر ومنهم سليمان مناع وفخري زارع واحمد ابوطالب وحسن مناع وشحات زارع. وموسى عبدالجواد وعلي أشقر وعبدالرزاق مناع. قهوة سُمّان الغامدي: - وتقع في حارة اليمن بجوار بيت البوقري وروادها محمد علي حامد وعلي شلبي واحمد جزار وعيسى عبدالعاطي وبراك المولد واحمد عطية ونور رشيدي وشحاته جندي. قهوة أحمد طوال: - وتقع في حارة المظلوم ويرتادها بعض المتعاملين مع سوق باب مكة والموظفين وبعض دلالي مزاد الحلقة.. وقد اقيم في موقعها حاليا مبنى الخطوط السعودية في عمارة باخشب.. أما أحمد طوال فقد أغلق المقهى وانتقل مهاجراً إلى المدينةالمنورة وأسس مقهى جديد على مشارف المدينة في منطقة عروة، وأصبح بعض زبائنه القدامى في جدة يزورون مقهاه الجديد كلما ذهبوا إلى المدينةالمنورة. قهوة الكشك: - وتقع في حارة المظلوم خارج باب مكة وتجاور حلقة الفحم والحطب وروادها من الدلالين اذكر منهم سيد محمد جابر وسيد احمد جابر وعلي ابوزنادة ومحسن جابر ومحمد عزايا والسيد محمد مغربي. قهوة عبدالمجيد كردي: - وتقع في حارة الشام شرق رباط باديب ويطل عليها مسجد الباشا من الجهة الشمالية ويرتادها بعض زبائن سوق الندى. قهوة أحمد سنبل: - وتقع في حارة اليمن من جهة باب شريف على قوز (الهملة) وبحكم موقعها المرتفع فهي تطل على الساحة الجنوبية لباب شريف ويرتادها الشباب في الفترة المسائية الى وقت السمر ومنهم عبدربه زهيري وعبدالله سنبل ومحمد رفعت واورخان طرابزوني واسعد كيال. قهوة عطية بتار: - وتقع خارج باب شريف ويرتادها بعض كبار جدة واذكر منهم حسن مسعود وصالح خميس. قهوة بن عسيل: - وتقع خارج باب شريف ويرتادها بعض السقائين والعمال. قهوة البخاري: - وهي ملاصقة لمسجد البخاري في باب شريف ويرتادها الدلالون في حراج العصر وحراج الخردة. قهوة علي زكي: - وتقع في حارة اليمن بجوار بيت السروي ويرتادها بعض من شباب اليمن واذكر منهم عبدالقادر جدع ومحمد علي كتمورا وصالح ابوطالب وسليمان ابوداوود. قهوة النورية: - وتقع شرق بيت عاشور في حارة اليمن ويرتادها بعض كبار جدة واذكر منهم عبدالله صباغ وصالح ابوالخيور واسعد زهران. كما يرتادها بعد منتصف الليل الكاتب سليمان القاضي ومؤذن مسجد المعمار محمد الجبهان ويجلس كل منهما على حده حتى إذا اقترب موعد صلاة الفجر ذهب الجبهان للمسجد ليؤذن لصلاة الفجر. قهوة صالح أبو داوود - وتقع خارج باب شريف على الطريق المؤدي للهنداوية شارع طارق بن زياد ويرتادها بعض العمال المتواجدين هناك قهوة الغامدي - وتقع في حارة المظلوم خارج باب مكة قريباً من حلقة الخضار وتطل عليها مدارس الفلاح من الناحية الشرقية ويرتادها زبائن المزادات وبعض الدلالين. قهوة عبدالحميد بيومي (شيخ السقائين) - وتقع في حارة المظلوم شمال مسجد المغربي ويرتادها بعض زبائن سوق البدو. قهوة الكحيلي - وتقع في حارة البحر بشارع دخيل شمال مبنى وزارة المالية ويرتادها بعض شباب حارة البحر وبعض الموظفين ونذكر منهم عثمان أمير وعبدالله عبدالجواد وعبدالله مصطفى عبدالجواد ومحمد موسى قادري وصالح حسنين وحسن أبو نار ومحمد رقام ويحيى جوخدار ومرسي غرباوي. قهوة البرق - وتقع في حارة البحر جنوب (الكرنتينة) بجوار إدارة البرق والهاتف شمال باب البنط ويرتادها بعض ا لبحارة وتقدم الشاي لموظفي بعض الإدارات الحكومية القريبة منها. قهوة الصومالي: - وتقع في حارة الشام شمال حوش الوشكلي وتقدم طلبات الشاي لبعض المتواجدين في سوق الندى. قهوة صالح الهلالي - وتقع شرق القشله في حارة المظلوم ويرتادها بعض الشباب والموظفين ولموقعها المميز تقام فيها حفلات تخرج طلاب المدرسة الليلية بجدة التي أسسها الأستاذ باسلامة ويشاركهم في حفل التخرج طلاب المدرسة الصولتية بمكةالمكرمة ويرأس المجموعة الرياضية الأستاذ سليم فقيرة.. ثم تحول الإشراف على هذه المدرسة إلى الأخ جميل قمصاني وعاد الأستاذ باسلامة إلى نشاطه في مكةالمكرمة.. وكان مقر المدرسة الليلية في مبنى إبراهيم لامي بحارة الشام في عهد مديرها جميل قمصاني.. وهذا المقهى كان يرتاده العديد من مشجعي نادي الاتحاد المدرسي الذي تأسس في منطقة العمارية من طلبة المدارس وتحول فيما بعد لنادي الاتحاد في منتصف الأربعينيات من القرن الهجري الماضي؛ حيث كان المقهى شرق القشلة وجنوب ملعب الاتحاد المدرسي.. وقد شهد المقهى ذات يوم مشادة كلامية بين بعض مشجعي الاتحاد وبعض جنود القشلة وما لبث أن تحولت المشادة إلى اشتباك بالأيدي بين الجانبين لكن سرعان ما تدخلت قوة أمنية أخرى وتم فض الاشتباك. قهوة أبو شال - وتقع في جنوبجدة خارج السور على الطريق المؤدي إلى النزلة اليمانية وتأسست في موقع (القوزين) وهذا الطريق هو بداية الدخول إلى النزلة اليمانية.. ويرتاد هذه القهوة بعض شباب القوزين وكان الحكواتي في هذه القهوة شاب من مكةالمكرمة يحضر كل ليلة ليقرأ لرواد المقهى شيئاً من قصص ( العنترية ) عنترة بن شداد والزير سالم وغيرها ثم بعد فترة من الزمن تحول هذا الشاب الحكواتي إلى ( دعوجي ) يكتب ويقدم العرائض للمحكمة بجدة نيابة عن اصحابها حيث إن أغلب أهل جدة في تلك الفترة لا يجيدون القراءة والكتابة. قهوة وهيب قرملي - وتقع في حارة اليمن مجاورة لمقعد حمزة فتيحي ويرتادها بعض سكان الحارة المجاورين لها وأذكر منهم زكي سقا ومحمد اللياتي وباكداده. قهوة العيدروس - وتقع في حارة اليمن شرق بيت العمدة عبدالصمد وشمال مستشفى باب شريف ويرتادها شباب الحارة وبعض السقائين العاملين في بازان العيدروس وفي هذه القهوة جلسات خاصة يرتادها البعض عصراً وأذكر منهم المعلم علي نعمة الله وعبدالرحمن سمكري وعلي إسماعيل وصالح عجلان وعمر باعراقي ومحمي خليل ومحمد رقام وفؤاد زهيري ويحيى جوخدار. قهوة بشيبش - وتقع خارج باب مكة من جهة حارة المظلوم بالقرب من الحلقة القديمة وهي من أشهر المقاهي بحكم موقعها القريب من موقف باب مكة ويرتادها الركاب الذاهبون والقادمون من وإلى جدةومكةالمكرمة.. وأقيمت مكانها اليوم عمارة كبيرة كان يجلس تحتها بائع السحلب الشهير وهو شامي الأصل. * قهوة بلكم - وتقع خارج باب مكة على يسار الذاهب إلى مكة وتحديداً شمال قهوة بشيبش.. ويرتادها ركاب ذاهبون وعائدون من وإلى مكة.. وتقدم الشاي لأصحاب المحلات التجارية المجاورة.. وقد حل محل هذه القهوة مكاتب تأجير السيارات وأذكر أن الموقع كان لبيت بالطو.