المؤشرات على رغبة الدول الصناعية الكبرى في إعادة توزيع الثروة، خاصة دول الخليج البترولية، عديدة وليست بالجديدة.. فقبل خمسة عشر عاماْ وقعت دول العالم على ما أتفق على تسميته (بإتفاق كويوتو)، سعياْ للتحكم في المناخ وتقليص احتمالات وقوع كوارث بيئية في مختلف أنحاء العالم نتيجة للتغييرات المناخية المتوقعة نتيجة لمشاركة الإنسان للشمس في تسخين كوكب الأرض.. وفي النصف الأخير من شهر ديسمبر الماضي التقى قادة دول العالم في مؤتمر كوبنهاجن لإعادة النظر في تلك الإتفاقية وتطويرها، ولم يتمكنوا من الاتفاق بل خرجوا ببيان قالوا فيه أنهم “أخذوا علماْ” بإتفاق كوبنهاجن الذي وقعه قادة من ثمانٍ وعشرين دولة صناعية وناشئة. ومن الواضح أن المباحثات حول الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن المناخ أصبحت وسيلة للدول الصناعية الكبرى تستهدف عبرها إعادة تشكيل العالم اقتصادياْ عبر الوصول إلى اتفاقية اقتصادية سياسية تؤثر على ثروات دول لمصلحة دول أخرى وخاصة الدول المنتجة للبترول التي أخذ (المحاربون) في مجال البيئة يستهدفونها بحملات منظمة، وأكدت مثل هذا الاستنتاج مراسلات بين علماء متخصصين في البيئة، كشفت عنها الصحف البريطانية، وقالت فيها: إن هناك تفاهماْ تم بين العلماء العاملين في وحدة أبحاث المناخ بجامعة (أيست أنغليا) البريطانية وذلك لتضخيم دور الإنسان، وليس الظواهر الطبيعية في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تتسبب في تغيير مناخ الأرض، وما يمكن أن يؤدي أليه ذلك من آثار مدمرة على البيئة في كثير من دول العالم. وكمثال عما تستهدفه حملة (الاحتباس الحراري) فإن دول أوبك ستتعرض لخسائر قدرت بحوالى مائة وخمسين بليون دولار سنوياْ نتيجة لتقليص صادراتها، وثلثها سيكون خسائر ستصيب المملكة العربية السعودية.. وهناك تقديرات أولية بأن العالم بحاجة إلى ستمائة بليون دولار لمواجهة المناخ خلال العقدين القادمين.. وجرى اتفاق في كوبنهاجن على أن ترصد الدول الغنية ثلاثين بليون دولار خلال السنوات الثلاث 2010 و 2011 و2012 على أن تزيد هذا المبلغ ليصل إلى مئة بليون دولار بحلول عام 2020.. وتخصص هذه الأموال بشكل رئيسي للدول الأكثر فقراْ بهدف مساعدتها على التأقلم مع تداعيات الإحتباس الحراري، وخصوصاْ في أفريقيا والجزر الصغيره المهدده بالغرق. الدول الفقيرة والنامية تشعر بأن هناك الكثير من السياسة والمصالح الذاتية للدول الغنية في حديثها عن التغيرات المناخية، والقليل من العدالة، ودارت في كوبنهاجن محادثات ساخنة حول هذا الأمر حتى أن إحدى المشاركات في الوفد الفنزويلي قطعت يدها وأسالت دمها أمام دهشة الحاضرين لتشرح كيف تتسبب الدول الغنية في إسالة دماء الدول الفقيرة.. وما يثير الدهشة أيضاْ كيف يمكن للبنك الدولي أن يوصى في مسودة أعدت مؤخراْ تحت عنوان “استراتيجية الطاقة” بأن “يتم التقليص التدريجي لدعم الاستثمار في مجال البترول.. والتحول إلى دعم مشاريع إستخراج الفحم بشكل عاجل”.. علماْ بأن الفحم ملوث للبيئة بحجم أكبر مما يفعله البترول. هناك أضرار فعلية متوقعة نتيجة للتغير المناخي، أكان سبب هذا التغير الإنسان أم العوامل الطبيعية، فمصر مثلاْ ستكون واحدة من أكثر دول العالم العشرين تضرراْ على المستوى العالمي، وتوصلت تقارير رسميه مصرية إلى أن هناك توقعات بارتفاع درجات الحرارة في مصر بحوالى واحد ونصف درجة مئوية عام 2050 ونحو درجتين وأربعة أعشار بعدها بخمسين عاماْ أخرى، مما يتوقع أن يؤدي إلى غرق ما يقرب من ثلث مساحة دلتا النيل، وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن التغيرات المناخية في مصر سوف تنتج عنها ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ بيئي.. إلى جانب الأَضرار التي ستصيب دولاً عربية أخرى لا مجال هنا لسردها. الدكتور محمد سالم سرور الصبان، الذي ترأس وفد المملكة إلى قمة كوبنهاجن، قال في مقابلة أخيرة له أنه يأمل أن يؤدي المؤتمر المقبل المحدد له نهاية هذا العام في المكسيك إلى “اتفاق دولي شامل يراعي مصالح جميع الدول ويحاول أن يحقق حماية المناخ”. وأكد في هذه المقابلة أن للمملكة الحق في التعويض عن الأضرار الاقتصادية التي ستصيبها نتيجة لتطبيق اتفاق لمواجهة تغير المناخ.. والتعويض الذي تطالب به المملكة ليس نقدياْ، ولكنه المساعدة التقنية “لزيادة الإستثمارات فيها من أجل تنويع صادراتها”. فما الذي عملته وتعمله المملكة بهذا الشأن؟.. والكلام لازال للدكتور الصبان: “المملكة تسعى إلى تخفيض انبعاثاتها بصورة طوعية، فقد بدأنا نهتم بالطاقة الشمسية، وكذلك الجانب الاقتصادي عن طريق تنويع الاستثمارات، كما أننا بدأنا في التركيز على الاقتصاد المعرفي للتقليل من الاعتماد المطلق على العائدات البترولية، كذلك بدأنا نركز على تخفيض الانبعاثات من مختلف مصادرها من توليد الكهرباء وتحلية المياه وقطاعات البترول المختلفة وأشير هنا إلى أن رؤية خادم الحرمين الشريفين الواضحة بضرورة إتجاهنا نحو الطاقة الشمسية قوبل في المجتمع الدولي بترحاب كبير جداْ، وأهداف جامعة الملك عبد الله بالتركيز على بحوث مصادر الطاقة المتجددة حملت الكثير من التفاؤل”. هذا كلام جميل.. وأود أن أضيف أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى استراتيجية واضحة المعالم، وإلى برنامج محدد المدة لكل تحول مطلوب، وكمثال على ذلك شركات الكهرباء التي تحرق مولداتها حالياْ أسوأ أنواع البترول أضراراْ للبيئة ودفعها إلى الاستثمار في مولدات جديدة تتقبل العمل بوقود نظيف، وكذلك التفكير الجدي في الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وغيرها من الطاقة المطلوبة مثل تحلية المياه.. وبدون ستراتيجية وبرنامج معلنين يلتزم بهما القطاعان العام والخاص فإننا لن نتمكن من تحقيق الأهداف التي نسعى أليها بينما يجري بنا الزمن نحو المجهول.