في أوائل السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وعندما أتيحت الفرصة لبضعة آلاف من أبنائنا للدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية كان لهم وضع مميّز دون سواهم من طلاب العالم، فقد كانت تأشيرة دخولهم لأمريكا دبلوماسية، أي أنهم كانوا يتمتعون بحصانة دبلوماسية، ممّا أتاح لهم مساحة واسعة من حرية الحركة، وعدم المساءلة فيما لو تورّط بعضهم في سلوكيات سلبية أو مخالفات نظامية، ولكن وعندما طفح الكيل حرمتهم الحكومة الأمريكية -آنذاك- من تلك المميّزات نتيجة لمجاوزة بعضهم الحدود، وأصبحوا مثلهم مثل أي طلاب أجانب على الأرض الأمريكية.! واليوم وبعد أن فتح برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث أصبح لنا في كل أرجاء الأرض طلاب وطالبات قد تتجاوز أعدادهم خمسين ألفًا، وفي كل التخصصات والمجالات العلمية وخاصة المعاصرة، وهذا في حد ذاته يعتبر فرصة كبيرة لأبنائنا وبناتنا لاكتساب مهارات وخبرات يمكن أن تؤدي إلى الارتقاء بمستوى المجتمع السعودي إلى الأفضل في كل مجالات الحياة، شرط أن يكون همّ كل واحد وواحدة منهم تطوير بلاده، ونقل مجتمعه من ظلمات الجهل والتخلّف إلى نور التقدم العلمي والارتقاء الحضاري الحقيقي. ولكن ولكثرة ما أشيع وأذيع ونشر حول أحوال أعداد من طلابنا وطالباتنا، وما ارتكبه بعضهم من مشكلات وسلوكيات شائنة؛ ممّا جعل سجون الغرب والشرق تعرفهم كنزلاء، ومحاكمتهم كمجرمين ومهربين -وقد يكون بعضهم بريئًا ممّا يوجّه إليه من التّهم- وهذا أحد العوامل الهدّامة التي تشوّه صورة الشعب السعودي الذي كان ينتظر منهم أن يعودوا وفي عقولهم علم، وفي نفوسهم أمل مشرق ورغبة للمشاركة الفاعلة في بناء بلادهم وأمتهم. وكما قيل: فإن «مَن أمن العقوبة أساء الأدب»؛ فالطالب والطالبة عندما يشعران أن وراءهما متابعة قوية، ومساءلة ومحاسبة، ولا يقبل من أي واحد منهم أي تقصير، أو إهمال، أو تصرف شائن، وأنهم جميعًا مسؤولون أمام الجهات الرسمية ابتداءً من السفارة، وانتهاءً بالوزارة أو الجهة التي ابتعثتهم، أو حتى آبائهم وأمهاتهم الذين حُرموا منهم خلال فترة الابتعاث، ناهيك عن موقفهم بين يدي ربهم عندما يسألهم عمّا تعلّموه، وعمّا فعلوه، فإنهم -وبكل تأكيد- سيكون الحافز لدى كل منهم قويًا بالحفاظ على سمعته الشخصية، ومكانة بلده، وكرامة دينه وأمته، فهم ليسوا مقطوعين من شجرة، بل ينتمون إلى أعظم دين، وأعظم وطن، فهل يشعرون بهذا؟ وهل تسعى الجهات المسؤولة عنهم لغرس هذه الروح فيهم، وتوليد هذا الإحساس بالمسؤولية نحو مجتمعهم وأمتهم ودينهم، لأنهم سيعودون بوجوه مشرقة، وفي قلوبهم الأمل عميق بكل خير لأنفسهم وبلادهم، وستتحقق على أيديهم أعظم المنجزات، وسيكونون بناة حقيقيين لبلدهم، حماة لأمنه، ورعاة مخلصين لمصالحه، وسوف تكون لهم بصمة خير عميقة في مستقبل حياتهم بعون الله وتوفيقه.