جاء التقرير الارتيادي الاستراتيجي السنوي السابع الذي تصدره مجلة "البيان" تحت عنوان (الأمة في مواجهة استراتيجيات التفتيت) ليرصد ويحلل ويستشرف المستقبل للكثير من القضايا التي تواجه العالمين العربي والإسلامي, منطلقا من مناقشة الإطار النظري والفكري لأصول الفكر الغربي وروافد , إلى أزمة الفكر السياسي الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين, والتيارات الفكرية داخل الإدارة الأمريكية, ويختتم الجزء النظري في التقرير بتناول "أزمة الليبرالية في العالم العربي والإسلامي", أما الجانب التطبيقي والتحليلي فقد بدأ بتناول قضية السودان وتداعياتها, وأزمة محاكمة الرئيس البشير, ثم قضايا العمل الإسلامي، ونحو دور جديد للمرأة المسلمة, والعلاقة بين الإخوان والسلفيين, وينتقل بعد ذلك إلى قضايا العالم الإسلامي فيتعرض لمستقبل العراق في ضوء توجهات واشنطنالجديدة, وما بعد التعاطف مع غزة, ومصر الإقليمية وتفعيل الدور المجتمعي للأمة, وتوجهات الحكومة الإسرائيلية, وطالبان والغرب, والدور الخارجي في الصومال, والأزمة اليمنية وآثارها على مستقبل الدولة. ويتعرض التقرير في تناوله للعلاقات الدولية للثروة النفطية والتنافس الدولي والاستعمار الجديد في إفريقيا, مختتما بالبعد الاقتصادي وما بعد الأزمات الدولية. والتقرير الارتيادي الاستراتيجي الذي يرأس تحريره الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصويان, جاء في 475 صفحة من القطع الكبير, وشارك في إعداده 21مفكراً وأكاديمياً ومحللاً سياسياً واقتصادياً, من بينهم ثلاثة من الأكاديميات هن الدكتورة رقية بنت محمد المحارب, والدكتورة باكينام الشرقاوي, والخبيرة الدولية في الشؤون الإفريقية نجلاء مرعي. صفقة سرية ويرى التقرير أن الإدارة الأمريكيةوإيران على وشك إبرام صفقة بينهما تبدو ملامحها في عدة معطيات تزامنت مع بعضها في صورة عجيبة أهمها: توجيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الرابع من نوفمبر نداء إلى إيران في الذكرى الثلاثين لاحتلال شباب الثورة الإيرانية مبنى السفارة الأمريكية في طهران، وفي هذا النداء حرص أوباما على أن يؤكد أن الشعب الأمريكي يُكِنّ احترامًا كبيرًا للشعب الإيراني وتاريخه الثري، وأن الولاياتالمتحدة تريد أن تتجاوز ذلك الماضي، وأنها تسعى إلى إقامة علاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وتم تقسيم التقرير إلى ستة أبواب؛ جاءت على النحو التالي: الباب الأول يتعلق بالنظرية والفكر بدأنا بموضوع أصول الفكر الغربي وروافده. نحو منهجية علمية للنقد؛ حيث يقدم الباحث أصولاً للفكر الغربي وروافده، ومن ثَم تعرِّج على جوانبه المؤثرة في واقع المسلمين الحالي والمستقبلي. وفي المبحث الثالث حاول الباحث تتبع التيارات الفكرية داخل الإدارة الأمريكيةالجديدة، وأبعاد التحالف العريض الذي أتى بأوباما إلى البيت الأبيض. وفي البحث الأخير في هذا الباب يتم تناول أزمة الليبرالية في العالم العربي والإسلامي لتحلل أحد أبرز تجليات الفكر الغربي داخل الأمة الإسلامية. أما الباب الثاني من أبواب التقرير فقد خص لملف التقرير وجاء بعنوان "السودان تتابع الضغوط الدولية"، وأول موضوعاته يتناول تداعيات أزمة محاكمة البشير على النظام السوداني، وتحولات مواقف الأطراف الدولية والإقليمية بعد قرار المحكمة. ويتناول الباب الثالث أدوار المرأة في المجالات الدعوية، وفي المبحث الثاني ركزنا على العلاقة بين الإخوان والسلفيين بين أسباب التباعد واحتمالات التقارب. القاعدة والصومال والباب الرابع وعنوانه العالم الإسلامي فقد تضمن تسع موضوعات: الأول عن مستقبل العراق في ضوء التوجهات الجديدةلواشنطن، وذلك بعد وصول أوباما لسدة الرئاسة الأمريكية. والثاني حاول فيه الباحث استكشاف آليات جديدة لاستثمار التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية بعد حرب غزة. أما الثالث فقد رصد فيها الباحث الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للانتخابات اللبنانية. والموضوع الرابع يبحث في الدور الإقليمي لمصر لتجميع مصالح الأمة. وفي المبحث الخامس قراءة في المشروع الإقليمي الإيراني في ضوء الانتخابات الرئاسية 2009م. أما توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة وأثرها على قضايا الصراع فيتناولها الموضوع السادس في هذا الباب. وعن الوضع الأفغاني يسلط البحث السابع الضوء على علاقة طالبان والغرب. والموضوع الثامن يبحث في الفاعل الخارجي في الصومال. ونختم هذا الباب بدراسة تبحث في تأثير أزمات اليمن على واقع ومستقبل الدولة اليمنية. وفي الباب الخامس وهو بعنوان علاقات دولية تناولنا الثروة النفطية كمحدد للتنافس العالمي على إفريقيا. وفي الباب الاقتصادي وهو الباب السادس والأخير بحثنا فيه تأثير الأزمة المالية الاقتصادية العالمية على مستقبل العمالة في منطقة الخليج العربي، بينما في الموضوع الأخير تناولنا تأثيرها على السياسات النفطية العربية. ونختم التقرير بخاتمة تلخيصية نذكر فيها أبرز المحاور والنتائج والتوصيات التي تمخضت عنها الدراسات الواردة فيه للوصول إلى استراتيجيات مضادة لاستراتيجيات «التفتيت»، وانعكاساتها السلبية على وضع الأمة ومكانتها في النظام الدولي. الفكر الغربي وروافده يتعرض الدكتور جعفر شيخ إدريس "رئيس الهيئة الاستشارية للتقرير الاستراتيجي لمجلة البيان" لأصول الفكر الغربي وروافده ويقول: هناك تيارين أساسيين يشكِّلان أصول الفكر الغربي بشكل عام، أولهما هو الفكر الذي بدأ في القرن الثامن عشر، وانتشر في أوروبا كلها ثم في أمريكا، وهو الفكر الذي سمّاه أصحابه بالفكر التنويري. وثانيهما هو التيار المحافظ الذي ظل مرتبطًا بالدين النصراني، وإن بدرجات متباينة، والذي ما يزال له تأثير كبير على السياسة، ولاسيما في الولاياتالمتحدة. ويتساءل إدريس عن السر في تأثر الناس هذا التأثر الشديد في العالم كله بانحرافات الثقافة الغربية ولاسيما في مجال المرأة؟ ويرجع ذلك إلى أمرين: ضعف الاستمساك بالدين، والتفوق الهائل الذي وصل إليه الغرب في كل مجالات العمران والاقتصاد والتسلح والإعلام وغيرها. أوباما والتغيير الداخل أما الدكتورة باكينام الشرقاوي الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة فتكتب عن التيارات الفكرية داخل الإدارة الأمريكيةالجديدة وتتساءل: كيف يمكن قراءة رؤية وسياسات فريق البيت الأبيض الجديد في ظل حالة الاستقطاب السائدة؟ وتقول: أمام الجدل بين معسكري التغيير والاستمرارية نفترض أننا أمام رئيس يرى استمرارية السياسة والتوجه، ولكن مع تغيير الأدوات واللغة؛ من أجل تحسين الصورة الأمريكية في الرأي العام العالمي (خاصة الإسلامي منه)، وفي أذهان كثير من الحكام والقيادات في العالم؛ وذلك للتغلب على أهم الصعوبات الموروثة من إدارة بوش، وانتشار مشاعر التحدي تجاه الولاياتالمتحدة، سواء من قبل الأنظمة أو المجتمعات في كثير من مناطق العالم؛ حيث نجح هذا التحول التكتيكي في تغيير المزاج العام تجاه الولاياتالمتحدة. وتضيف: بسبب هذا النهج الجديد الأكثر انفتاحًا والأهدأ خطابًا، بدأت السياسة الأمريكية تواجه مقاومةً أضعف، وتنفذ بتكلفة أقل وثمن أكثر احتمالاً، فالقوة الناعمة بدت العنوان الرئيس لسياسة أوباما الخارجية؛ حيث إن الاستمرار في استخدام القوة العسكرية انحصر في بؤر محددة لما أسماه التطرف: في أفغانستان وباكستان. الليبرالية والإسلام ويكتب المفكر الإسلامي محمد إبراهيم مبروك عن "أزمة الليبرالية في العالم العربي والإسلامي ويقول: يشير واقع الليبرالية العربية إلى كونها الأفق الوحيد المطروح للهوية اللا إسلامية في هذه المرحلة، استنادًا على الآخر (الغرب الأمريكي)، واستقواء به، والذي يمثل الطرف المقابل في واقع الاستقطاب التاريخي المطرد بين الإسلام والغرب الأمريكي. ويقول: لليبرالية العربية ملامح تميزها عن غيرها، لعل أهمها الإبهام وتمييع المفهوم؛ ورغم مناداة دعاة الليبرالية بالديمقراطية، إلا أن الديمقراطية في مفهومهم واقعة تحت مجموعة من الشروط والتحفظات، أهمها هو ألا يؤدي تطبيق هذه الديمقراطية إلى صعود الإسلاميين إلى السلطة. ويقول: لليبرالية تناقضات مع الإسلام، لذلك ليس لليبرالية أي إمكانية للعمل إلا عبر محاولة القضاء على الإسلام أولاً، ومن هنا لا يستطيع الليبراليون العرب عادة إخفاء كون الإسلام أو النظام الإسلامي بلغة التمويه هو العدو الرئيس لدعوة الليبرالية. وأمام هذه التناقضات قدَّم الليبراليون العرب اتجاهين: أحدهما يعمل على تقديم الإسلام كمنتج حضاري تاريخي، عليه أن يتجاوب مع متغيرات الواقع المعاصر، أما الاتجاه الثاني فصناعته نوع من التوفيق بين الإسلام والليبرالية فيما يسمى بالإسلام الليبرالي، وهو الاتجاه الأخطر والأشد رواجًا الآن.