كلمة لم يقلها متشنج قليل العلم، أو مغرر به، كما أنها لم تكن زلة لسان، أو طلاقًا في إغلاق، بل هي فتوى نقلها آية الله الأعرجي لأتباعه عن سفك دم أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، هكذا قال الإمام الصدر، ومع ذلك لم ترتعد لهذا القول أنف من أنوفنا، ولم تكتب عنه صحفنا كلمة واحدة. لم تكن هذه الفتوى نشازًا في جو ممتلئ بالكثير من الأوبئة التي تنفثها أفواه الفكر الصفوي، فمقتدى الصدر قائد جناح عراقي منحرف كبير، يقول لمراسل البي بي سي، لا فرق بين الوهابية والموساد، وهذه الكلمة أيضًا مرت كسابقتها دون أن يرتعد لها أنف، أو تجد لها صدى في غير تعليقات قصيرة هنا وهناك. آية الله مجتبى الشيرازي ليس عالمًا أو متخصصًا في الفقه لدى الصفويين، بل يعتبر مرجعًا له أتباع يُقال إنهم منتشرون في الكثير من بلاد العالم. لكن العجب كل العجب يأتي حين نجد كتّابنا ومثقفينا تحمر أنوفهم على الشيخ محمد العريفي، حين قال كلمة صعبة في حق السيستاني، وأنا لا أطالب أحدًا بتبرير كلام العريفي، أو الدفاع عنه، لكنني أطالب بعدم الانسياق وراء الخطط الصفوية التي ترمي إلى إرهاب الكتّاب والعلماء والمفكرين من أتباع المدرسة السلفية حتى لا يجرؤ أحد منهم على الكلام أبدًا. إنني أربأ بكتابنا مهما كانت توجهاتهم عن أن ينساقوا دون شعور في خدمة هذه الحملة النازية المسعورة التي لم يتورّع عن قيادتها رئيس وزراء العراق؛ ليجعلها أكثر قوة ودويًّا وأثرًا. ما قاله العريفي أقل بكثير ممّا ذكرته عن مجتبى والصدر الحبيب، وأقل بكثير ممّا لم أذكره، ولم يعد خافيًا، وتمتلئ به شاشات اليوتيوب، فلماذا يحق لنا أن ننتقد العريفي، وأن تحمر أنوفنا لأي إساءة من قبيل ما مثلت به. سوف أعتذر نيابة عن العريفي، بل أؤكد أنه سيعتذر بنفسه على الملأ، وفي كل وسائل الإعلام، ولكن متى؟ بعد أن يعتذر السيستاني عمّا هو مدون من آراء تمثله في موقعه الرسمي ضد الدولة السعودية، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالله الوهاب. ومن قبيل قوله إن مَن لم يؤمن بإمامة واحد من الأئمة الاثني عشر كمن آمن بجميع الأنبياء، وكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن قبيل قوله بكفر أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- وحكمه نيابة عن الله بخلودهم في النار. لا أعتقد أنه سيعتذر؛ لأن لنا معه تجربة قديمة حين طلبت منه قناة المستقلة في حوارات مع أتباعه أن يقدم توضيحًا لما أورده في موقعه، لكنه أصر على صمته، وظل الموقع كما هو يحفل بكل ما هو سيئ تجاه كل المذاهب ما عدا الاثني عشرية. سوف أعتذر نيابة عن العريفي حين يبرأ السيستاني على الملأ ممّا جناه الحوثيون على بلادنا، ويكف عن دعمه المادي والمعنوي لفلولهم. وحين يبرأ السيستاني من كل فتوى في كتب الشيعة تكفر مَن عداهم، وتعدّ مَن خالفهم ناصبيًّا زنديقًا حلال الدم والمال والبهتان. أمّا إذا لم يصنع ذلك، فلن أعتذر، ولن أنصح العريفي بالاعتذار، لأن الاعتذار خلق كريم، ولا يمنح إلاّ لكريم، ومَن هذه آراؤه فليس من الكرامة في شيء . أمّا من غضبوا للسيستاني من أبناء الطائفة الشيعية، فنقول لهم: لا عليكم.. إن كنتم حقًا كما يذكر بعض كتّابكم تبرأون ممّن يكفّر أبا بكر وعمر وعثمان، فقد سبقتمونا إلى البراءة من السيستاني الذي لا يكفّر هؤلاء وحسب، بل يكفّر كل مَن لم يكفّرهم. ونقول لهم: لن يكون السيستاني بحال أعز عليكم من وطنكم الذي يسعى هؤلاء المراجع لزعزعته بدعم من يحاربه ماديًّا ومعنويًّا. ونقول لهم بدلًا من أن تشغلوا أنفسكم بالعريفي والسيستاني، أسمعونا بالله عليكم أصواتكم التي يحتاج إليها الوطن، لرد فتنة الحوثيين عن بلادنا. ها هو العريفي في الجبهة يقف مع جنودنا البواسل من أجل حماية الوطن، فقفوا مثل موقفه، أو قولوا في الحوثيين مثل قوله، أو فلتغضبوا من جناية السيستاني، وأضرابه من تدخلهم في وطننا جميعًا حين يدعمون هؤلاء بأموالهم وفتاواهم. لقد آلمني موقف عدد من كتابنا حين نظروا إلى هذه القضية بسطحية عجيبة، وناقشوها من منطلق الاعتذار من زلة لسان من رجل لا يمثل إلاّ نفسه، هذه النظرة تتجاهل أن هذه الحملة على العريفي ليست مجرد غضبة من زلة لسان، بل هي جزء من حرب ضروس تستهدف قتلنا فكريًّا أمام المد الصفوي الذي يزعمون أنه قادم لا محالة. إن حكماء المد الصفوي يعلمون يقينًا أنه لا فكر يمكن أن يقاوم دعاياتهم، وأكاذيبهم كالفكر السلفي الذي تعتمده هذه البلاد -ولله الحمد والمنة- لما يتّسم به من تسليم للنقل الصحيح، والعقل الصريح؛ لذلك جاء التوافق بينهم وبين الرؤية الإعلامية الصهيونية في الترويج لاتهام هذا المنهج بالتكفير والتفجير، كما فعل الصهاينة قبل سبعين عامًا حين روّجوا لاتّهام كل معارض لمخططهم العنصري بالعداوة للسامية.