لم يستبعد مراقبون إمكانية أن يتحول وادي بانشير في أفغانستان إلى شوكة في خاصرة حركة طالبان ومعقل لمعارضيها إثر إحكام طالبان لسيطرتها على أفغانستان وأقاليمها. وادي بانشير، هو المكان الوحيد في البلاد الذي لم تسيطر عليه طالبان بعد. ويقع هذا الوادي تحت سطوة أحمد مسعود ابن أحمد شاه مسعود الاسم البارز في الحرب الأفغانية السوفياتية في ثمانينيات القرن المنصرم الملقب ب"أسد بانشير"، وأمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني. من الطبيعي أن تثير ضجة وتحديدا في هذا التوقيت، بيد أن نتيجتها غير مؤكدة بالمرة حسبما يرى الخبراء. هذا هو شأن المقاومة المسلحة ضد حركة طالبان، المسيطرة على أفغانستان بالكامل تقريبا. وتنظم هذه المقاومة صفوفها في وادي بانشير متمحورة حول شخصيتين أفغانيتين بارزتين هما نائب الرئيس السابق أمر الله صالح وأحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود، أحد رموز المقاومة الأفغانية ضد السوفيات وطالبان. وحض أحمد مسعود في مقالات نشرت في الأيام الأخيرة على المقاومة في وادي بانشير، مطالبا بدعم دولي ولا سيما أسلحة وذخائر من الولاياتالمتحدة. من جهته، تعهد أمر الله صالح بعدم الرضوخ لطالبان وانسحب إلى الوادي. وظهر القائدان معا على شبكات التواصل الاجتماعي في لقطات توحي بأنهما يضعان حجر الأساس لحركة مقاومة ضد الحركة المتطرفة التي باتت تسيطر على أفغانستان. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس أن طالبان لا تسيطر على وادي بانشير الواقع شمال شرق كابول، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن معارك تجري فيه. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الأولى "بانتيون سوربون" جيل دورونسورو المتخصص في أفغانستان والذي صدر له كتاب العام 2021 بعنوان "حكومة أفغانستان العابرة للحدود الوطنية - هزيمة متوقعة"، إن "المقاومة لا تزال شفهية في الوقت الحاضر لأن طالبان لم تحاول دخول بانشير". ولفت عبد السيد الخبير السياسي في جامعة لوند في السويد إلى أن طالبان "تحاصر بانشير من كل جانب". وأكد بيل روجيو من مركز "إف دي دي" الأمريكي للدراسات أن وادي بانشير خارج عن سيطرة طالبان "لكن الوضع في ولاية بروان المجاورة غير واضح، يبدو أن قوات صالح حاولت توسيع سيطرتها إليها انطلاقا من بانشير". ولفت دارونسورو إلى أن "طالبان بنوا انتصارهم على الحرب الخاطفة والاستسلام، وفي نهاية المطاف تمكنوا من الانتصار بدون الكثير من العنف" مضيفا أن "هجوما مباشرا اليوم مع كل ما لبانشير من وزن رمزي، سيكون مخالفا لعزمهم على تطبيع صورتهم". ويبدو أحمد مسعود وكأنه أبرز المرشحين لخلق قطب معارضة الداخل الأفغاني لحركة طالبان، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وذلك من ولاية بانشير التي ينحدر منها. قبل أيام قليلة، كان مسعود قد وجه دعوة للإدارة الأميركية والأفغان في الخارج لتأييد سعيه إلى قيادة الحركة الأفغانية المسلحة المناهضة لحركة طالبان، التي سيطرت على مختلف مناطق البلاد طوال الأسابيع الماضية. وقال إن ولاية بانشير شمال شرقي البلاد، تجهز لأن تكون مركزا لتلك المقاومة. وارتفعت أيضا العديد من الأصوات السياسية والعسكرية الأفغانية الداعية للتوجه نحو الولاية وتكرار ما يوصف ب"ملحمة بانشير" الشهيرة في مواجهة الاحتلال السوفيتي. المزاج العام في الولاية، التي يشكل المنحدرون من عرقية الطاجيك أغلبية سكانها، مناهض سياسيا لحركة طالبان، لأسباب عرقية وتاريخية. فالسكان المحليون بأغلبيتهم يعتقدون أن الحركة ستفضل المنحدرين من عرقية الباشتون على نظرائهم الطاجيك. يعرف الطاجيك أيضا أن تاريخ الولاية المناهض للحركة في التسعينيات، وما تلاه من قيادة زعمائها السياسيين لتحالف الشمال، الذي قضى على سلطة الحركة عام 2001، سيدفع الحركة للثأر منهم. ويقول مراقبون إن الموقف بين تحالف بانشير الناشيء وحركة طالبان لا يزال مفتوحاً على كافة الاحتمالات.