من خلال متابعة الانتخابات الأمريكية الحثيثة على القنوات الإخبارية، التي استطاعت جذب المشاهد بالتقارير والتحليلات على مدار الساعة، وأصبح الحديث الدائر حتى داخل الأسرة حول الانتخابات الأمريكية، والتكهنات حول الفائز؛ ترامب أم بايدن، حتى قضي الأمر، بالفوز الكاسح لجو بايدن! أم أن الأمر لم يقض بعد، فمازال هناك القضايا التي سيرفعها الرئيس السابق للولايات المتحدةالأمريكية، للطعن في نتائج الانتخابات، والانتهاكات التي يدعي حدوثها خلال فرز الأصوات أو من خلال التصويت عبر البريد! كل تلك أمور تحسمها المحكمة القضائية، كذلك القرار الأخير للمجمع الانتخابي في ديسمبر لتثبيت النتيجة أو نقضها عندما يتراجع بعض أعضائه عن إعطاء أصواتهم لبايدن مثلاً! تلك قضايا تخص الأمريكيين فقط، ومع ذلك يهتم العالم بهذه الانتخابات ويتجادل حول توقعاته بالفوز، ربما دون التعمق في فهم آلية الانتخابات الأمريكية، أو أسباب فوز مرشح وخسارة آخر، مع أنه في السلطة ويمسك بزمام الأمور، مع أن في عالمنا العربي والإسلامي لا يمكن لمرشح أن يفوز على مرشح السلطة أو في السلطة، بل يتم معاقبة من يتجرأ وينافس الرئيس مثلاً، بعد فوز الرئيس بالأغلبية الساحقة، يبدأ في تصفية حسابه مع منافسيه، لذلك لا أحد يجرؤ على المنافسة الحقيقية، حتى عندما يحاول الرئيس التظاهر بالديموقراطية يدفع بمنافسين يجيدون تمثيل الأدوار، ويحصد الرئيس السابق غالبية الأصوات أو ينسحب المنافس أو المنافسون تاركين له حلبة المسرح كبطل أوحد لا يرغب المشاهد مشاهدة غيره على تلك الخشبة المهترئة!. في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، استطاع جو بايدن الفوز الكاسح أمام منافس شرس ومعتلي عرش السلطة حتى 20 يناير، موعد مغادرته البيت الأبيض وتسليم السلطة لمنافسه الذي لم يترك مهاجمته والسخرية من عمره وعقله وذاكرته؟! بايدن، أو حملة بايدن، درست أخطاء دونالد ترامب، منذ دخوله البيت الأبيض، أو خلال حملته الانتخابية 2016م، فالعنصرية كانت الأبرز في كل سلوكيات ترامب، ضد الأقليات، ضد دول الجوار، ضد المهاجرين، وقتها كان على الرئيس أوباما مغادرة البيت الأبيض حسب الدستور الذي لا يسمح للرئيس بأكثر من فترتين رئاسيتين تمران كلتاهما على صناديق الاقتراع، كذلك كانت المنافس الوحيد له هيلاري كلينتون «امرأة» ربما لم يهضم معظم أو بعض الأمريكيين تولي امرأة قمة هرم السلطة في بلادهم، رغم ادعاءات المساواة وحق المرأة تولي المناصب العليا، فلم يجدوا أمامهم غير منافس واحد فقط رغم عنصريته إلا أنه ذكر، هذا ربما هو السبب، لأن هيلاري تقدمت عليه في استطلاعات الرأي وفي عدد الأصوات، لكنه كسب الانتخابات بأصوات المجمع الانتخابي. استطاع بايدن اللعب على نفسية غالبية المجتمع الأمريكي الذي يتكون من أقليات والنسبة الأكبر من الأمريكيين السود الذين لم ينجح ترامب في احتواء أزمة قتل أحد أبناء جلدتهم في الحادثة الشهيرة لقتل رجل شرطة لرجل أسود بطريقة مهينة وبشعة وغير إنسانية تعكس عنصرية بعض الأمريكيين البيض الذين ينتمي ترامب إلى فكرهم العنصري. منذ ترشح بايدن اختار كامالا هاريس نائبة له، وهي امرأة أولاً، وثانياً من أصول افريقية وآسيوية، وهي ثالث امرأة تخوض سباق الانتخابات بجوار مرشح رئاسي، لكنها الوحيدة التي وصلت إلى هذا المنصب لأول مرة في أمريكا بلد الديموقراطية والمساواة. كل الأخطاء التي ارتكبها ترامب، كسب بها بايدن الانتخابات الأخيرة رغم شراستها وفوضويتها، إلا أنه كسب من أخطاء منافسه، وهي لعبة سياسية تستخدم في الانتخابات للفوز على الخصم «اكسب من أخطاء خصمك»، أو «اللي تكسب به العب به»!!