مركز التنمية الاجتماعية في جازان ينفذ فعاليات ترفيهية للطفل بمناسبة يوم الطفل الخليجي    فريق أمل وعمل ينفذ مبادرة تطوعية في مؤسسة رعاية الفتيات بجازان    ما توقعات الذهب في 2025؟    بكاء الجماهير    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ثنائية المدّ والجزر تضبط موعد الشِّعر في جازان وفرسان    HMPV فايروس «الطائر المتبدل»    لأول مرة في العالم.. «التخصصي»: زرع مضخة قلب اصطناعية باستخدام الروبوت    لا أمانة.. لا شرف    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الموت يغيِّب مدير الأحوال المدنية بمكة المكرمة السابق فيحان المورقي    طرح تذاكر النزال الكبير "The Last Crescendo"    مانشستر يونايتد يقلب الطاولة على ساوثهامتون ب «هاتريك» ديالو    برايتون يحقق انتصارا طال انتظاره أمام إبسويتش    الاتحاد يتغلّب على الرائد برباعية في دوري روشن للمحترفين    انتخاب رئيس لبنان.. دعم سعودي ينهي الشغور الرئاسي    بن جفير يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو إذا وافقت على اتفاق غزة    أمر ملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    رعاية كبار السن.. نموذج إنساني للعدالة الاجتماعية    «سلمان للإغاثة» يوزّع قسائم شرائية على 932 مستفيدًا في حلب    إحالة قاتل المواطن السعودي في الأردن إلى محكمة الجنايات    مجلس الأمن الدولي يدعو للإسراع بتشكيل حكومة في لبنان    حي الطريف يُطلق فعالياته وتجربة "850ه" في موسم الدرعية..    لا الخطيب مفوّه ولا المفوّه خطيب    جزء من النص (مخلوع) !    هل يجب إلزام الأطباء باستشارة الذكاء الاصطناعي    من كان يحكم لبنان ؟!    اضحك على نفسك    أميركا تتفوق على الصين في أبحاث الذكاء الاصطناعي    عبد الله كامل يزور جناح «دلة البركة» في مؤتمر ومعرض الحج 2025    جمعية الكشافة تحقق "جائزة التميز" في خدمة ضيوف الرحمن لعام 2025    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان " اللحمة الوطنية جسرٌ متين نحو مستقبل مشرق"    صفقات مليونية واتفاقيات شراكات بين كبرى شركات مؤتمر ومعرض الحج بجدة    «الغذاء والدواء» : منع استخدام المادة (E127) في الحلويات منذ 2019م    متحدث أمن الدولة: السعودية لم تكن يوماً أداة لخدمة الأهداف الخارجية    انعقاد جلسات ندوة «مئوية كتاب ملوك العرب» بالتعاون بين «الدارة» ومؤسسة الريحاني    برعاية أمير جازان.. انطلاق حفل موسم "شتاء جازان 25" غدًا الجمعة    وزير الصناعة يطلق مبادرة «القيادات الشابة» في قطاع التعدين    "متمم" ينظّم محاضرة عن أهمية تحديد الأهداف المالية    المتحف الدولي للسيرة النبوية يوقع اتفاقيات استراتيجية    لأول مرة في العالم.. "التخصصي" يزرع مضخة قلب اصطناعية بدون شق الصدر باستخدام الروبوت    وزير الخارجية السعودي يستعرض العلاقات الثنائية مع رئيس البرلمان ورئيس مجلس النواب في تايلند    آل الشيخ : الإسلام دين راسخ لا تهزه محاولات التشويه والمملكة ستبقى صامدة ومخلصة في الدفاع عنه    استشهاد 9 فلسطينيين في غزة    محافظ صامطة يستقبل الشعبي والنجمي    استاد الأمير محمد بن سلمان.. «تحفة معمارية في قمم جبال طويق»    شركة HONOR تُطلق Magic7 Pro في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المستقبل هُنا مع ميزات الذكاء الاصطناعي وأحدث الابتكارات في عالم الهواتف الذكية    إستراتيجية لتعزيز السياحة البيئية بمحمية الملك عبدالعزيز    مدير الأمن العام: أمن وسلامة ضيوف الرحمن ركيزة أساسية    سعود بن بندر يطلع على جهود الأمر بالمعروف بالشرقية    3000 موقع جديد في سجل التراث العمراني    في ختام الجولة ال 15 من دوري روشن.. صراع الهلال والاتحاد يتواصل باستضافتهما الفتح والرائد    تعزيز مكانة محمية الملك عبدالعزيز البيئية والسياحية    محمية الملك عبدالعزيز تطلق إستراتيجية لتعزيز مكانتها البيئية والسياحية    أمير القصيم يؤكد على السلامة المرورية    وللشامتين الحجر!    السعودية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتثمن الجهود المبذولة من قطر ومصر وأمريكا    هدنة مشروطة تحت الاختبار في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثانية صباحًا.. نصف يوم بعد رحيل عاصم حمدان
نشر في المدينة يوم 03 - 06 - 2020

يتصل بي صديقي د.شادي زكائي زوج سارة.. ابنةِ «أبي سارة».. عاصم حمدان.
ألمحُ الاسم وتقفز الروح للحنجرة.. يختصر الوجودُ ذاته في عبرةٍ تتأرجح هناك.. بين قاعيْن فارغيْن.. تظل مكانها، وبعد اثنتي عشرة ساعة، تنتحر.. وتجرف معها عمرًا من الذكريات والصور.
****
عشرون عامًا أو يزيد.. مقابلة شخصية لوظيفة معيد، كان د.عاصم أحد أعضائها، تحوّلت المقابلة لجلسة حوار شهية، أستمع لآرائه وأعلّق، فيبتسم بتواضع العالم، ويسألني.. خرجتُ من المقابلة مغتبطًا بروحه الشفافة، لم أحصل على الوظيفة، وحصل عاصم على قلبي.
كنت أعرفه ويعرفني من قبل.. لكن المقابلةَ كانتِ اللحظة؛ أصبح عاصم أبًا روحيًا.. أخذني تحت جناحه، ليكون الأستاذ الوفي، والأب الحاني، والصديق الصدوق. من حينها أصبحتْ صحبته جزءًا رئيسًا من حياتي.
****
في قاعة الدرس كان الأستاذ الملهم بأخلاقه قبل علمه، بتسامحه قبل حكمه، وحين انقطعتُ عن الصحافة لفترة وجيزة، كان عاصم منْ أعادني ل»لمدينة»، بطلب من رئيس تحريرها النبيل د. فهد آل عقران.. في الماجستير كنت حائرًا في الموضوع، قال لي: ادرس «حمزة شحاتة»، فكانت رحلتي مع شحاتة أجمل رحلات العمر التي لن تنتهي، وقبل بعثة الدكتوراة كنت بين فرنسا وأمريكا، قال: بل بريطانيا، فاكتشفت نفسي من جديد في بريطانيا، وحين عدتُ.. احتفى بي، وأعطاني مفاتيح مكتبه، لأصبح شريكه في المكتب (سيظل اسمه يظلل اسمي على الباب)، وحين اشتد الضغط علي لأقبلَ إدارة القسم.. ذهبتُ لأستشيره، فكان نعم المشير.. وأصبحت رئيسًا للقسم.. لأكثر من عامين، ظل يفتتح مكالماته لي بمشاغبة جميلة:
- كيفك يا رئيسي؟
ولا أحارُ جوابًا.
****
كان مجلسه العامر مزارًا لكبار رجالات الدولة، من الوزراء والكتاب والمثقفين، وكنت دائمًا ضمن المدعوين؛ في البداية لم أكن حقيقة أعرف لماذا؟ يتصلُ بي قبل الموعد بأسبوع، ثم يتصل مرة أو مرتين: «أحتاجك تساعدني وتقف معي».. كان يقول.. وكنت أوافق ممتنًا.. مع الوقت تيقنتُ أنه لم يكن يحتاجني، كان حريصًا أن أحضر فقط، وكنت أفعل ممتنًا.
في مجلسه تعرفتُ على أساتذة حقيقيين، رجال أسهموا في بناء الوطن وثقافته؛ محمد عبده يماني، غازي عبيد مدني، عبدالله مناع، محمد عمر العامودي، إياد مدني، عبدالعزيز خوجة، عبدالله دحلان، محمد الصبان، علي الحسون.. كنت أعرفهم من خلال الصحافة، لكن مجلسه عرّفني عليهم بشكل أقرب، وأجمل.. وفي مجلسه طبعًا تعرفتُ على عبدالمحسن حليت، ذلك الشاعر الشامخ العجيب.. كنت صديقًا لقصائده، وعند عاصم عرفته حقيقة.. وأحب أن أصدّق أني أصبحت صديقًا صغيرًا له.. ليتني أكون.
في مجلس عاصم تعرفت أيضًا على عمد حارات مكة، ورجالها الأوفياء، وعلى شيوخ المدينة، وشبابها، وحكايات حاراتها التي سكنت روح عاصم وقلبه.. فلم يغادرها أبدًا.
****
أشعر الآن بضعف شديد.. بشوق لجلساتنا الخاصة في بيته ومكتبته، نقضي الساعات نتحدث عن الكتب، عن الأدب، عن الثقافة، وفي ساعات العمل، أشمّر.. أضع غترتي.. وأجلس على الرخام، فيبتسم.. يعرف أني جاهز، مع مرور الوقت دخل شيخي عاصم خريف العمر، وعم الهدوء والخفوت المكان.. آخر مرة التقيته قبل شهرين تقريبًا.. طلب مني أن أزوره.. كنت مشغولاً.. فألحّ.. (5 دقائق فقط)، وافقتُ طبعًا حين وصلت.. كان قد أعد مسجله العتيق، والشاي المغربي المعتق، وجلسنا نستمع سويًا لقصيدة شاعر عراقي، بعد ساعتين، خرجت متخمًا بالشعر.. والصحبة.
****
قبل شهر من اتصال شادي، اتصل بي دكتوري عاصم نفسه.. ذكرى هذا الاتصال بالذات تهجم علي بوحشية، لم يكن الاتصال الأخير، قبل وفاته بأيام اتصل بي، وكلمني بذات الطريقة الدافئة.. لكن ذلك الاتصال يرنّ في القلب، كالرصاص.. كان يطلب حضوري.. يريد أن يراني كعادته، يتصل ولا يفصح عما يريد.. يقول: (ما رأيك في فنجان مغربي على الطاير..)، أو (عندي لك مقال، أو كتاب يحبه قلبك)... هذه المرة أيضًا ألح علي بالحضور.. راوغته في البداية، ثم صارحته أن خوفي على صحته تمنعني، رجوته أن يعتزل الناس هذه الفترة، صدره مريض لا يحتمل أي جديد.. وافقني غير مقتنع.. أنهى المكالمة بعبارته الأثيرة.. (نبغى نشوف وجهك الصبوح يا قمر)، العبرة الآن تخنقني، وتقول:
كان يريد أن يراكَ.. حيًا
لكنك -يا لبؤسك- رأيتَه ميتًا..
كتب عني أستاذي مقاليْن.. وكتبتُ عنه وعن أعماله مرات كثيرة.. في كل مرة، كان يتصل بي ليشكرني بامتنانِ المرة الأولى.. هذه المرة، بعد أن قبّلتُ جبينَه للمرة الأخيرة قبل ساعات، أكتبُ عنه.. وأعلم أنه لن يتصل.. وليته يفعل..!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.