لابد وأن فطنة قارئ كتاب «هذا البلد» لمؤلفه الدكتور بكري عسّاس، ستدفعه إلى الوقوف هنيهة عند غلاف الكتاب، قبل السفر في محتوى صفحاته، ليدرك بحسه الواعي أن اختيار اللونين الأبيض والأسود لتشكيل لوحة بانورامية لمدينة مكةالمكرمة، يشي بأن الكتاب سيغوص عميقًا في التاريخ، وسيكون ذاخرًا بالذكريات المصاغة بمداد الحنين، والنوستالجيا لزمن سالف، يستدعيه الوفاء، ويكتبه واجب التوثيق.. ولن يخيب ظن القارئ في ذلك، فطي هذا الكتاب تنداح الذكريات وتنساب بلغة باذخة في أربعة فصول، ستجد لها إضاءة هادية في «تقديم» الكتاب الذي سطّره يراع إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الأستاذ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، فانظره يقول: «.. اطلعت على ما رقمه معالي الدكتور بكري بن معتوق عساس في كتابه الموسوم «هذا البلد» فوجدته سطّر فيه عصارة حياة الرجل المكي بكل ما تعنيه من معنى، حيث صاغ بحروفه وكلماته مشاهد طفولته وشبابه وكهولته، بأسلوب من يريد إيصال الفكرة بأليف العبارة لا بوحشيّها، وبمعناها لا بمبناها، فكان كتابه أطيافًا لحياة المكي الذي يفخر بمكّيته -وحقّ له أن يفخر- فهو أشبه ما يكون بطير يتنقّل مغرّدًا من فنن إلى فنن، فما تنتهي من قراءة كتابه، إلا اجتمع في ذهنك صورة مهذّبة للبلد الأمين بين الأمس واليوم؛ جغرافية وثقافية وتربوية واجتماعية». ادخل إلى فصول الكتاب الأربعة، ستجد أن الدكتور عسّاس قد استهل الفصل الأول بسياحة في «مكة: جغرافيا التراث»، واصفًا لك أبواب المسجد الحرام قديمًا، وشوارعها في سالف الزمن، والمساجد التي شهدت أحداث السيرة النبوية، وقبائلها ومكتباتها، وأفرانها وجبالها، وغير ذلك مما يرسم لك صورة البلد الأمين قديمًا، لتنتقل من ذلك إلى الفصل الثاني وطيه رحلة مع «القيم التربوية في الثقافة المكية»، لتتعرف على المدارس التربوية في البيوت المكية ابتداء، و»تحول عمّال النظافة إلى مهندسين» في ختام الفصل، وبين الموضوعين 17 عنوانًا حرية بالمطالعة والدرس. أما الفصل الثالث فيخصصه المؤلف لاختصاص مكةالمكرمة دون غيرها بالحج والعمرة، ومظاهر أداء هذه الشعيرة قديمًا وحديثًا، وما قدمه المجتمع المكي للحجاج والمعتمرين وزوّار بيت الله الحرام على مر الحقب. وفي الفصل الأخير يقلّب الدكتور عساس سطور «مكةالمكرمة في رحلات الحج»، مستجليًا صورة الحج في كتب بعض الرحالة مثل ابن بطوطة، والبتنوني، والبرعي، ومحمد أسد، وغيرهم. صفوة القول؛ هذا كتاب يعزّ تلخيصه في عجالة، وإنما هي إيماءة باتجاهه لا أكثر، ستتفق حين تفرغ منه مع مؤلفه فيما طرحه من رؤى وأفكار.