قرأتُ مُؤخَّراً أن العلماء توصلوا إلى أنه بالإمكان زراعة شرائح في عقل الإنسان تُمكِّنه من الاتصال والحصول على المعلومات المتوفرة في السحابةCLOUD) ) الإنترنتية، وذلك بشكلٍ مباشر، وكذلك الاتصال مباشرةً بالأجهزة المختلفة، وأنهم يسعون لتطوير استخدام هذه الشرائح (Chips) لتحديد كيفية استخدامها وتقنين ذلك في مستقبل غير بعيد. ومثل هذه التطوُّرات المتسارعة تجعل استخدام تكنولوجيا الاتصالات والأجهزة المرتبطة بها ذات أهمية حيوية في حياة الأمم. وأحدث هذه التطورات التي يدور الجدل حولها هي الجيل الجديد من التكنولوجيا (G5) الهاتفية التي ستنتقل عبرها المعلومات من جهازٍ إلى آخر بسرعةٍ فائقة جداً، وحيث يمكن عبر هذه الشبكة التحكُّم في الاتصالات، وتشغيل محطات وشبكات الكهرباء وتوزيع المياه والأنظمة الصحية والأمنية والعسكرية. وتدور الحرب الكلامية والإجراءات الاقتصادية بعقوباتها بين أمريكا وحلفائها من جانب، والصين من جانب آخر، حول مَن سيكون له السبق وملكية حقوق الجيل الجديد (G5)، وبالتالي يتمكَّن من الهيمنة على العالم بحقوق التكنولوجيا الجديدة. ويجري السباق على تطوير الجيل الجديد هذا فيما بين عدد من الشركات العالمية أبرزها في الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وتتقدَّم الصين على منافساتها الأخريات. وتسعى أوروبا إلى المنافسة بقوةٍ أيضاً في هذا المجال، وأبرزها شركتا (نوكيا وأركسون)، وإن كان الاستثمار المتوفِّر أوروبياً ليس بالقدر الكافي. وتُمثِّل شركة هواوي الصينية رأس الحربة في تطوير الجيل الخامس (G5) عالمياً، وهي شركة اتصالات ناجحة، وتقوم بتصنيع حوالى تسعين بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم، وأعلنت الشركة العام الماضي 2018 أنها تسيطر على 28% من السوق العالمي في أجهزة الاتصالات، وأنها وقَّعت أكثر من (25) عقداً حول العالم لتركيب أجهزتها في شبكات الجيل الجديد (G5) مستقبلاً. لذا تزداد خشية أمريكا وأوروبا من أن تتمكن هواوي، ومعها الصين، من الهيمنة على أسواق العالم مستقبلاً، فيما أطلق عليه مُسمَّى (إنترنت الأشياء)، حيث يكون كل شيء (حتى رأس كل واحد فينا كما يبدو) مرتبطاً بالإنترنت. وأصبحت الشركة جزءًا مهماً من الحرب الاقتصادية القائمة الآن بين أمريكاوالصين. وقامت كندا باعتقال ابنة مؤسس ورئيس الشركة، بصفتها المديرة المالية لهواوي، وذلك بناءً على طلب السلطات الأمريكية، تمهيداً لترحيلها إلى هناك. وحذَّرت مجموعة «العيون الخمسة»، وتُمثِّل رؤساء الأجهزة الاستخبارية في أمريكاوكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، من مخاطر هواوي، ويقول التحذير من استخدام أجهزة هواوي وأنظمتها بأنها قد تكون تحمل باباً خلفياً يتيح للأجهزة الأمنية الصينية معرفة كل أسرار مستخدمي الأجهزة، والشبكات التي تبنيها الشركة. واعتقلت السلطات الكندية المديرة المالية للشركة في أول ديسمبر العام الماضي في فانكوفر، وفي يناير من هذا العام أعلنت بولندا عن اعتقال موظف بشركة هواوي بتهمة التجسُّس. وكعادته في إطلاق التغريدات كتب دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، تغريدة يُلمِّح فيها إلى أنه قد يستخدم ابنة مؤسس هواوي المعتقلة في كندا للمساومة مع الصين حول إطلاق سراحها. بينما علَّق أبوها، مؤسس هواوي، بأن اعتقال ابنته بتهمة التزوير من قبل أمريكا هو أمر طيب: «هذا التحدي سيكون جيداً لابنتي.. فهذه المصاعب سوف تجعلها أقوى وستعدّها لأمورٍ أعظم مستقبلاً.. حيث إنها لم تُواجِه صعوبات كافية في حياتها.. وسأتركها تُواجه ما تُواجهه». وتدور خلف الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام للحرب التجارية بين أمريكاوالصين جهود على مستويات عدة داخل الصين والحزب الحاكم، لتغيير قوانين وقواعد النظام التجاري الداخلي في البلاد، لتكون مشابهة لما هو قائم في أوروبا وأمريكا، حتى تتمكَّن الشركات الصينية من المنافسة خارج بلادها. وسيكون علينا انتظار ما ستُسفر عنه هذه الحرب لمعرفة المستقبل الذي سيُواجهه عالمنا.