جيف بيزوس مؤسّس ورئيس مجلس إدارة شركة أمازون دوت كوم، وصف نهجه الإداري في أحد خطاباته السابقة الموجهة إلى المساهمين كالتالي «أذكّر موظفينا باستمرار بأن يكونوا خائفين وأن يستيقظوا كل صباح مرعوبين»! كيف سيكون أداء الموظفين الذين يُذكّرهم رئيسهم دوماً بالخوف؟ وهل يوجد مجال للإبداع والابتكار في منظومة عمل يُسيطر الخوف على منسوبيها بشكلٍ دائم؟ وكيف يُبدع ويَبتكر من يخاف بشكلٍ دائم؟ وهل الخوف الذي يريده بيزوس هو خوف الموظّف من عدم النجاح والوقوع في الفشل أم الخوف من عدم التقدّم أم من شيءٍ آخر؟ وللمعلوميّة فإن متوسّط مدة بقاء الموظّف في شركة أمازون دوت كوم هو عام واحد فقط. يهدف البعض إلى خلق صراع من أجل البقاء بين الموظّفين لرفع مستوى أدائهم، ويُسمّى ذلك النهج ب «الداروينية الهادفة». على الرغم من أن ذلك النهج قد يُحقق «نتائج» على المدى القصير إلّا أنّه لا يُسهم في نجاح منظومة العمل على المدى البعيد لأنّه يقود إلى ظهور «منافسة داخليّة مدمّرة» بين زملاء العمل، حيث يحرص كل موظّف على تحقيق مصلحته الشخصيّة بالدرجة الأولى، وليس مصلحة المنظومة، وقد يكون ذلك بالسعي إلى إظهار ضعف، أو فشل، الزملاء. وذلك بطبيعة الحال يُهدّد أساسيّات التعاون بين الزملاء ويُضعف كثيراً من تشارك الخبرات والمعلومات فيما بينهم وبالتالي فإنّه يُؤثّر سلبياً على مقوّمات التعلّم وتبادل المعلومات داخل منظومة العمل. يُمكن اعتبار نهج الإدارة بالخوف «موضة» إداريّة عابرة لأنه لا تتوافر فيه مُقوّمات الاستدامة ولا يتوافق مع المُسلّمات المُثبتة في الإدارات الناجعة والفالحة قديماً وحديثاً، بدايةً من التوجيه الإلهي {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. وقد أثبت التاريخ البشري الحضاري، والأساليب الإداريّة الناجحة عبر الزمن، أنّ السيطرة بالخوف لا تبني الازدهار وإنما تُورِث الدمار. فقد جلبت الأنظمة الديكتاتورية الخراب للبشريّة عندما حاولت السيطرة بالخوف، بينما أخرج نظام الإدارة والحُكم في الإسلام أرقى ما في البشر عندما ملك قلوبهم بالمحبة، وليس بالخوف. وتجدر الإشارة إلى أنّ بيزوس نفسه قال في خطابٍ آخر موجه أيضاً للمساهمين «لتبتكر يجب عليك أن تجرّب، وإذا كنت تعرف مسبقاً أنّ تجربتك ستنجح فإنّها ليست تجربة» وذكر كذلك «أنّ الفشل والابتكار توأمان لا ينفصلان». مما قد يُفهم منه بأنّه لا يهدف من رسالته التخويفيّة الدائمة إلى موظفّيه بأن يخافوا من خوض غِمار التجربة أثناء سعيهم نحو الابتكار! وإلّا فكيف سيُبدع ويبتكر ذلك الموظّف الذي يُذكّره رئيسه يومياً بأن يكون خائفاً ومرعوباً (والابتكار توأم الفشل)!. فإذا لم يكن المقصود تخويف الموظّفين من عواقب الفشل، رُبّما يكون المقصود تخويفهم من عدم التطوّر وعدم المثابرة على محاولة التقدّم إلى الأمام، ليستمر الموظّف في محاولة دائمة وجادّة للتقدّم وتفادي السكون والوقوف في مكانه دون حِراك. وللحديث بقيّة.. وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون نقل الحجاج والمعتمرين