بحسب دراسة للبروفيسور (ريتشارد واتسون) من جامعة (يل) الأميركية فإن متوسط عمر الشركات الكبيرة قد انخفض من حوالي 67 سنة في عام 1920 إلى 15 سنة فقط في 2017!.. وتوقع (واتسون) في دراسته اللافتة بأن 75% من الشركات العالمية التي تتسيد العالم اليوم ستكون مجرد ذكرى بحلول العام 2027!. وتؤكد دراسة بريطانية صحة هذا التناقص الحاد في أعمار الشركات والمؤسسات بكافة أنواعها حين أعلنت أن 24 شركة فقط من بين أهم 100 شركة بريطانية في عام 1984 لاتزال على قيد الحياة بينما تحول الباقي الى تاريخ!. . موت المؤسسات ظاهرة عالمية طبيعية، وهي ليست قصراً -كما ذكرنا- على نوع واحد، بل تشمل كل أنواع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة؛ والشركات العائلية والخاصة والمساهمة، كما أنها تمتد -وهذا ما يهمنا في مقال اليوم- لتصل إلى المؤسسات والإدارات الحكومية التي قد تموت هي الأخرى -وإن بشكل مختلف بعض الشيء- حين تتوقف عن الإنتاجية والعطاء، لتصبح مجرد (عالة) تعيش على إمدادات وإعانات المنظومة الحكومية.. الأمرهنا يشبه الموت السريري الذي يعتمد صاحبه في البقاء حياً على أجهزة الإفاقة والإنعاش!. . أسباب موت الشركات والمؤسسات كثيرة ومتعددة، بعضها مالي والبعض الآخر إداري، وتشير إحصاءات عالمية إلى أن أكثر من 30 ألف مؤسسة تموت سنوياً في العالم بسبب البيروقراطية وحدها، فضلاً عن بقية العلل الادارية الأخرى مثل المركزية وغياب آليات التشاور في القضايا الهامة، استقالة الكفاءات، تجاهل رضا المستفيد، الخلل في نظام ودقة المعلومات، انتشار التملق والتزلف والانزعاج من النقد، الترقي تبعاً للولاء وليس بناءً على الكفاءة، تجاهل مؤشرات انخفاض الأداء، غياب المحاسبة، رفض الأفكار الجديدة، تغييب العناصر الشابة في الطاقم القيادي للمؤسسة، كثرة الصراعات بين عناصر الفريق المسير. . تختلف الشركات والمؤسسات في قدرتها على امتصاص آثار هذه العوامل القاتلة باختلاف حجمها، فالشركات والمؤسسات الصغيرة تسقط وتعلن إفلاسها كونها لا تمتلك الملاءة المالية التي تمكنها من دفع فاتورة هذه العلل الادارية الفادحة.. أما الشركات والمؤسسات الكبيرة والحكومية فقد تستمر لبعض الوقت؛ لأن حجم ميزانياتها يسمح بذلك أو لأن ميزانيتها حكومية.. لكن مالا يمكن تجاوزه هو القصور الفاضح في كفاءة الإنتاج والذي لا تخطئه الأعين. . أكثر ما قد يعجّل بموت وزوال المؤسسات (أياً كان حجمها أو نوعها) هو انتشار الواسطة و (الشللية)، ووجود بطانة فاسدة، تتلاعب بالفرص والمميزات لمصلحتها، بنفس الكيفية التي تتلاعب فيها بالإحصائيات والأرقام، لتزيف الواقع المر، ولذر الرماد في العيون.