القارئون والمستمعون والمتأملون في حوار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله مع بلومبيرغ يحللونه من زوايا مختلفة واتجاهات متعددة، اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، بيْد أن هناك نظرة أخرى قد تغيب عن الكثيرين، وهي النظرة التخصصية في مجال الحوار: أهدافًا وآدابًا وموضوعًا وقواعد ومبادئ وأسساً. فاللقاء يحمل في تصوري عنوانًا عريضًا: (حوار القوة والعزة) ويتجاوزه إلى عناوين أخرى تنوعت بتنوع أسئلة الحوار، من أبرزها: (الثوابت والمنطلقات) (فنّ إدارة الحوار) (الإجابات المسكتة) (فضاء معرفة بلا حدود) (حوار الصدق والصراحة) (عمق النظرة واستشراف المستقبل). وبالرغم من تنوع مضامين الأسئلة ومجالاتها إلا أن تميز شخصية سموه الكريم أثمرت حوارًا حقق أهدافه، وأبان عن مقدرته الفائقة في فن الحوار وتوجيهه. وأحد فنون الحوار التي لا يجيدها إلا المحاور المتمرس هي مواطن (التفصيل والإيجاز) وهو ما تميز به حوار سمو وليّ العهد، إذْ اتسم بعضها بالبيان والتفصيل، وتضمن بعضها إشارات سريعة وعبارات موجزة مع الدقة والوضوح. ويتفق الباحثون في مجال الحوار على أن نجاحه يعتمد على شخصية المحاور من حيث الهدوء وإعطاء الفرصة للمحاور أن يُتم حديثه ويبين فكرته مع حسن الاستماع وعدم المقاطعة وهو ما انعكس جليًا في حوار سموه. وحددت الدراسات في الحوار عددًا من سمات المحاور المتميز منها: حُسن العرض وقوة الألفاظ وجودة العبارات ووضوحها إضافة إلى حسن ترتيب الأفكار. ومن يتأمل الحوار يجد تلك السمات جلية في حديث سموه، ولاسيما عندما تحدث عن الخصخصة والإنفاق الإضافي والتغييرات والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والحد الأدنى لنمط الحياة الجيد. (الثوابت والأسس) كانت محددًا أساسيًا في منطلقات حوار سموه، ثوابت المملكة العربية السعودية: الدينية والوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأسس استشراف المستقبل المبنية على الرؤية والتخطيط، والعمل والتنفيذ. وهو حوار (الصدق والصراحة) ينطلق من تخطيط وليس من عشوائية، ومن قول يُصَدّقُه الفعل، وتُثبته الأدلة. وهذا لا يتأتى إلا إذا كان المحاور معتقدًا ومقتنعًا بما يدعو إليه وعاملاً به وله. واللقاء يمثل صورة من صور الحوار الإيجابي الواقعي المباشر، وهذا النوع من الحوار يركز على الإيجابيات ولا يُغفل السلبيات، ولا يقف عند ذكر التحديات بل يتعداها إلى بيان سبل تجاوزها؛ لذلك فإنه يُصنف من الحوارات المتفائلة التي تتسم بالعمق وصدق الأفكار والعبارات، وهو أيضاً حوار واقعي؛ لأنه يتصل إيجابياً بالواقع المعاش، ولكنه ليس اتصال رضوخ بل اتصال تَفهُّمٍ وتغيير وإصلاح. مصطفى عمر حلبي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة