العناوين المقترحة لمقاربة هذا الموضوع تتطلب أولاً توصيف واقع العالم الإسلامي والذي يطبع صورته في مرآة الغرب في العصر الحاضر من خلال المواضيع المقترحة. - أهمية أن يكون هناك حوار مستمر بين الأديان. - أهمية أسباب الاحتقان في علاقات الغرب والإسلام. - دور الأزهر المنتظر لإزالة تلك الأسباب. - القيم المشتركة بين الأديان كأساس للعلاقات الإنسانية العالمية. - مجالات الحوار المستمر ومجالات الجدل العقيم. - مسارات ممكنة لتصحيح النظرة المشوهة للإسلام. - الحضارة الإسلامية والتعايش بين الأديان. وتمس هذه العناوين المشكلة في أعراضها التي نشعر بها نحن كمسلمين أكثر مما تمثل مشكلة في ذهن المجتمع الغربي. وتبقى القضية في عمقها تحت عنوان «الأزهر والغرب» ما يطرح أزمة الحضارة الغربية في قيادة العالم ودور الأزهر في بناء حضوره كمحاور لمصلحة رسالته. هذا الجانب يتطلب تحديداً يتصل بدور الأزهر في بناء وتحديد الأداء الاجتماعي والفكري المؤثر في المدى العالمي الذي يمثله خريجوه في العالم الإسلامي. وحينما نضيف إلى مرجعية الأزهر الشريف الجامعة المصرية فلأنها رجع الصدى لواقع الثقافة الأزهرية وكيفية اتصالها بالغرب وحركة الاستشراق. فمشكلتنا الراهنة تحت عنوان الأزهر والغرب هي إحدى تداعيات ذلك الحدث الهام الذي بدأ به القرن التاسع عشر مع غزوة نابليون والحركة الطهطاوية. من هنا فلكي نتحدث عن الأزهر والغرب لا بد أن ننطلق أساساً من مفهوم الغرب. الحضارة الغربية والسؤال الإسلامي المزدوج الغرب إذاً تراث مشترك قسم أوروبا بين شرقها وغربها وهو تراث بني على العلاقة بين اليهودية والمسيحية ثم الوثنية اليونانية والقوة الرومانية وقد تم هذا الترابط مع عصر النهضة عندما رأى توما الأكويني كما يقول برتراند راسل في كتابه «حكمة الغرب» إن العقل والوحي يمكن أن يتلاقيا لكن ذلك أدى في النهاية إلى تحرير الفلسفة حين انطلقت العقلانية في مدى لا حدود له. ويرى الدارسون لحركة الاستشراق وعلى رأسهم إدوارد سعيد بأن الاستشراق تعبير عن قوة الغرب ومركزيته. فالهدف من جميع الدراسات يشير من الوجهة النفسية إلى الغرب باعتباره حركة هيمنة الحداثة وهي في عمقها خطاب عقائدي أيديولوجي منذ أن سرى في مصادر الغرب مصطلح كل من «الحضارة» و «الثقافة». وهكذا بدت فكرة الغرب فكرة أيديولوجية متضامنة تبنى في أساسها مفاهيم ثلاثة: الحضارة المسيطرة والحضارة المتجسدة في التاريخ الأوروبي والحضارة المبشرة بالتقدم التي سوغت فكرة الاستعمار. هذا التطور والإتقان المطلق للطاقة الفكرية والمعنوية للفرد المرتبط بالمجتمع هي التجسيد التاريخي لمفهوم الحضارة وهي وحدها تستحق هذا المفهوم. وهكذا اتجه مفهوم الحضارة نحو المادية والآلية السببية الميكانيكية في تطور المجتمع لكن مفهوم الثقافة في ألمانيا رفض الآلية الديكارتية لأن الثقافة تبنى على المنهج وليس على الإنتاج الحضاري الذي هو خليط مشوش من الأساليب. هذا التحليل الذي ساقه نيتشه أضاف إلى الثقافة أساساً لفاعليتها، فلم تعد مجرد مسار تاريخي بل أضحت روحاً جامعة بحزام النمط الذي يفرز إنتاجه، وهكذا توحد مفهوما الثقافة والحضارة، وأعطيت لعصر الأنوار دفعة جديدة مع الفيلسوف الألماني كانت حينما أخذ على عاتقه إنقاذ العقل والعلم والأخلاق والمطلق. وهكذا سيطرت أيديولوجية التقدم المبني على سرعة انتشار السيطرة السياسية الأوروبية من ناحية ومن ناحية أخرى سرعة الاكتشافات العلمية التي فاقت كل معدلات الانتقال من مرحلة إلى مرحلة تالية في العصور السابقة كافة. وعلى الضفة الأخرى كان الشرق الحضاري والعالم الإسلامي قد تطورت فيه الحياة الفكرية والثقافية في جو مختلف يمكن أن يوصف بأنه رد فعل استراتيجي للتوغل الغربي الذي أخذ شكل الطوفان. من هنا بدأت الأسئلة الحائرة في بداية القرن العشرين حين كان التعامل مع القادم إلينا من معطيات الحضارة الغربية يطرح سؤالاً مزدوجاً. السؤال الأول: لماذا انحدر المجتمع الإسلامي منذ القرن الخامس عشر وأخلى مواقعه للحضارة الغربية استناداً لحتمية الدورة الحضارية الخلدونية؟ السؤال الثاني: ما السبيل إلى استعادة النهضة مجدداً. الأزهر والغرب هو أحد مظاهر السؤال المزدوج. إن الجواب على السؤال المزدوج هذا يرتبط بموضوعنا لأنه يؤسس للجواب على الأسئلة التي يطرحها دور الأزهر المنتظر لإزالة أسباب الاحتقان في علاقات الغرب والإسلام كنتيجة تاريخية. إذا وضعنا مهمة الجامع الأزهر في المعيار الأكاديمي العلمي أو في معيار الدعوة للإسلام استناداً لمقولة قسمة العالم بين أهل الاستجابة وهم المسلمون وأهل الدعوة وهم العالم الغربي، فثمة ترابط جدلي بين المعيارين. فبمقدار ما يكون لأهل الاستجابة من وقع في المدى العالمي يرتقي حوار الأزهر أو أي مرجع إسلامي مع الغرب إلى مستوى الحوار المثمر حين يتحقق التوازن المطلوب بين المتحاورين الأزهر والمرجعيات الغربية. فالغرب انطلق في الأساس من أيديولوجية مبنية على الثقة بأصوله إلى درجة العنصرية والثقة بمنطقه العقلي إلى درجة الحتمية التطورية التي عبرت عنها الآلية الديكارتية والسببية المفضية إلى ما لا نهاية. لكن العالم الإسلامي الذي هو السند التاريخي لأصالة الإسلام كان وما يزال حائراً في إعطاء جواب على السؤال المزدوج الذي أشرنا إليه بتأثير قوة المرجعية الغربية التي لا تزال تصنفنا ولأسباب مختلفة في مرحلة الأسئلة التي لا جواب عليها في الواقع العملي. فهناك جهود ودراسات حول ما يسمى إسلامية المعرفة وأخرى حول مشكلة العقل الإسلامي تجاه مفاهيم الحضارة الغربية لكنها تنطلق كلها من خلفية واحدة أملت الأسئلة المطروحة منذ بداية القرن العشرين ولم تجد الجواب حتى الآن. من هنا، فإن دور الأزهر الشريف في صعيد التطورات الراهنة هو أن يواجه المشكلة في عمقها داخلياً وخارجياً. داخلياً بأن يعيد النظر في استراتيجية الخروج من المفهوم الكمي إلى المفهوم النوعي في الدراسات والاختصاصات من أجل بناء مرجعية تستقطب -كما هو دوره التاريخي- الثقة بمعاييره في الجواب على السؤال المزدوج الذي هو هاجس النهضة الثقافية والحضارية لمعنى الإسلام في العصر الحديث. خارجياً في اتخاذ المبادرة في الإطار العالمي وذلك في طرح المشكلات والجواب عليها من خلال خلفية منطلقات النموذج الأصلي للإسلام وليس المساهمة في المبادرات التي تخطط لها الأجهزة الغربية من خلال مصطلحاتها الغربية في الحوار بين الأديان. فالمطلوب هو نوع من الأيديولوجية ذات المفهوم الاستعادي كما يطرح S.Sayed في نقطة جديرة بالتوقف عندها في معيار العلاقة بين أهل الاستجابة وأهل الدعوة فيقول: «تأتي وحدة المجتمع المسلم من تشكيل هويته بشكل استعادي وذلك في استخدام الإسلام كنقطة عقيدية. بالنسبة إلى المسلمين، يبرز الإسلام أكثر الدلالات تجريداً وهذا سيسمح له بالعمل بأكثر الطرق عمومية. وليس السبب أن الإسلام ملتبس أو غامض... بل هو أرق الفقرات في المجموعة النهائية كمفردات لدى المسلمين وهذه الرقة هي ما يجعل الإسلام يصعب على التحدي، ففي نهاية المطاف يعتبر المسلمون الإسلام مرادفاً لكلمة « الخير» إذ تشير كلمة إسلامي إلى تجسيد «الخير» فالنقطة العقيدية في الإسلام مقولة وظيفية. ونضيف بأن رسالة الإسلام طبق هذا المفهوم تتجدد على مدى الزمن، وهي معيار الفرق بين أصالتها وتخلف المجتمع الإسلامي. من خلال هذا التوصيف الأساسي، فإن الغرب بالمقابل يطرح حضوره بمعيار مختلف تمثله أصالة المرجعية الأساسية لتطور الحضارة الغربية. والفرق بيننا وبينه أن الأصالة الإسلامية كأساس لأي حركة نهضوية لا تزال تفتقد وسائلها، وهو الجواب على السؤال المزدوج الذي وضعناه. بينما الغرب فاقت وسائله أصوله في السيطرة على العالم عبر الحداثة وما بعد الحداثة وفوضى العدمية المطلقة. ومن أجل توضيح هذه الرؤية نرى المفكر الجزائري مالك بن نبي يطرح بعض الإضاءات في رؤية تأسيس مائدة التواصل والحوار بين الإسلام والحضارة الغربية. معيار الحوار حول هذا السؤال المزدوج يحدد بن نبي معالم الجواب على هذا السؤال المزدوج من خلال تحليله النموذج الحضاري والأفكار المتولدة عنه، فالنموذج الأصلي المؤثر في حركة التاريخ ينشئ جواً من الأفكار المولدة. وهذه الأفكار تتوالد بتأثير الترابط النفسي والاجتماعي والفني حول النموذج الأصلي يعبر عنها هيغل بالعبارة التالية: هناك مستقبل فلسفي للعالم ومستقبل لعالم الفلسفة. ففي الحالة الأولى يتعلق الأمر بفلسفة النموذج الأصيل وفي الحالة الثانية يتعلق بمستقبل عالم تلك الفلسفة في طريقة تطبيقها على أرض الواقع من خلال الأفكار المولدة من الأصل والأفعال المولدة بالتالي للأفكار العملية في تتابع وتواصل. فهناك في عالم الأفكار داخل المجتمع تراتب بين الأفكار التي تغير الإنسان والأفكار التي تغير الأشياء. فالأفكار الأولى تضع في المرحلة الأولى تكييف الطاقة الحيوية على عتبة حضارة أما الافكار الثانية فإنها في المرحلة الثانية من دورتها تطوع المادة لحاجات تلك الحضارة وتعتمد قدرة الأفكار الأولى على درجة التحول ومدة انتمائها إلى المصدر الروحي المقدس أو الزمني للعالم الثقافي الذي ولد في المجتمع الجديد. فالحضارة الغربية اكتملت فلسفة رؤيتها للعالم كما أشرنا، وذلك انطلاقاً من نموذجها الأصلي، من هنا تطرح حضورها كمستقبل لعالم فلسفتها العملي. ومن هنا فالحضارة الغربية المسيطرة تنظر لمستقبل فلسفتها في إطاره التطبيقي من خلال قوة حضورها في سائر مظاهر ما حفلت به الحضارة الغربية وهي تنطلق من محورية تراثها. وهي تتعامل مع العالم كله في جانبها العملي طبق مفهوم امتداد استعماري اتخذ مكانه في سائر الأفكار والمصطلحات التي يجري التعامل بها في الإطار الفكري والسياسي في المدى العالمي التي انطلقت فيه، فضلاً عن الاستراتيجيات المختلفة، فالرئيس أوباما في خطابه على منبر الثقافة الأزهرية لا يطرح مشكلة حول معطيات التراث الغربي كمقدمة للحوار بل كنتيجة عملية لمستقبل هذا التراث الذي تمثله أميركا. والأمر نفسه في سائر مبادرات الحوار الفكري أو الديبلوماسي الذي يشغل الأوساط الغربية في تعاملها اليوم مع أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، إذ الحوار في هذا الإطار عبر الأزهر يفقد معايير التوازن بين النموذج الأصلي للإسلام الذي تعبر عنه فلسطين والقدس الشريف والنموذج الأصلي لتراث الغرب الذي تعبر عنه إسرائيل وطرد الفلسطينيين من أرضهم بحيث لا يمكن الجمع بين هذين النقيضين عبر الحوار في إطار التعددية والسلام وفق المعيار الغربي. فالفيلسوف الفرنسي رينان حينما يعبر عن صورة الاحتقان ضد الإسلام إلى درجة الكراهية العنصرية التلمودية، فهو يعبر عن طبيعة مستقبل لعالم فلسفة الغرب نفسه في أصالته المسيحية التلمودية، وهو في هذا يتساوى مع سائر الامتدادات الاستعمارية التي عبرت عنها الحضارة الغربية بمختلف صيغها من الخداع التاريخي وهذا يتجلى في عباراته في خطابه عام 1862 أمام الكوليج دي فرانس حيث يقول: «إن الشرط الأساسي لانتشار الحضارة الأوروبية هو تدمير العنصر السامي عن بكرة أبيه وتدمير السلطة الثيوقراطية للإسلام، وبالتالي تدمير الدين الإسلامي، فالإسلام ليس ديناً ودولة فقط كما كانت الكاثوليكية في فرنسا في عهد الملك لويس الرابع عشر أو كما هي الآن في فرنسا أو كما هي الآن في إسبانيا، وهنا بالذات يكمن سر الحرب الأبدية التي لا تتوقف ما لم يتم القضاء على آخر أبناء إسماعيل». فهذه الصورة المغالية في الاحتقان والكراهية تتساوى مع الصورة المعتدلة من حيث الهدف المشترك المتمثل بانتشار الحضارة الأوروبية كنهاية لمسيرة الإنسانية طالما أن العالم الإسلامي قد خرج من إطار المنافسة من خلال هزيمته في الدورة الحضارية الخلدونية. لذا، فإن فلسطين وإسرائيل والسياسة الدولية الراهنة تقوم كلها على سياسة الخداع حين غابت عن أفق العالم الحديث استراتيجية عالم إسلامي بدأ يفقد في نهاية القرن العشرين حضوره مع العصر الإسرائيلي حتى في الهند والصين وكلاهما جاورا الإسلام في امتداده الحضاري. لذا يتجلى عدم جدوى هذا الحوار في فقدان التوازن في النطاق العملي حين لا يقف المحاور المسلم على سدة المجابهة المتوازنة في ميدان القوة والحضور ويصبح كل جهد أو مبادرة في إطار مفهوم السلام العالمي بكافة معاييره الراهنة هو هروب إلى الإمام في كلا المرجعين الغرب والإسلام. الحوار المثمر حول القيم المشتركة والحوار العقيم من أجل حوار مثمر مع الغرب لابد أن توضع مكونات الأصالة الإسلامية البادية في رواسب خصائصها التاريخية في المجتمع الإسلامي في إطار من إيديولوجية ترتبط بالأصالة التي تمكن من الحوار ضمن معايير ثابتة في أيديولوجية الموقف الإسلامي والأيديولوجية ليست شعاراً بل منهج، فهي في صورتها العملية تنقسم إلى قسمين: وعد أعلى، ووعد أدنى. فالوعد الأعلى يتميز عن الوعد الأدنى بالاستمرارية باعتباره النموذج الأصلي. والوعد الأدنى يحمل معنى التغيير إذ يجب أن يتغير دائماً لمصلحة استمرارية الوعد الأعلى. فالوعد الأدنى إذا ما تغير فمعناه أن خطوة حققنا نتائجها في الإطار السياسي أو الاقتصادي أما الوعد الأعلى إذا تغير فمعناه نهاية المجتمع. كما يقول مالك بن نبي. الذي يهيمن على الحوار مع الغرب هو آلية أيديولوجية الغرب في التعاطي مع المشكلات الأساسية المشتركة، أعني آلية الجانب التطبيقي الفني لمرجعية النموذج الغربي وحدها، من دون أن يكون المحاور المسلم واقفاً على سطح نموذجه الأصلي، وهو الإسلام، وهذا يتجلى في تلك الواقعية المستعارة من إغراء النتائج القريبة في قضية فلسطين كما في سواها من المشكلات، فالمحاور المسلم بالرغم من وضوح نموذجه الأصلي في عقله إلا أن الحبل السري الذي يصله بنموذج تتولد منه الأفكار التي تولد الأفعال قد انقطع نهائياً منذ القرن الخامس عشر فهو يتحرك فردياً وجماعياً بانفعال ومن غير تخطيط على مستوى الأمة وهنا يبقى السؤال الثاني مطروحاً حول إعادة صياغة النموذج وهو الإسلام الأصلي كدالة تنتج مدلولاتها في قوة الفعل المنهجي وفي حركة استعادة النهضة التاريخية في مواجهة العصر الحديث كما أشار الباحث سيد في كتابه المشار إليه. إن المشكلات المطروحة اليوم ترتهن حلولها في قضايانا الأساسية لمعايير المنطق التطبيقي الغربي الاستعماري المسيطر وحده أما النموذج الأساسي لثقافتنا الإسلامية فقد بدا يضع في زحمة التعدديات والقيم المشتركة ومشكلة قبول الآخر أو رفضها وهي مصطلحات يلقي بها الغرب عناوين لا معنى لها في شمولية الإسلام الذي هو النداء الأخير لاستقامة الإنسانية. وهنا ينشأ مفهوم القيم المشتركة بين الأديان نتيجة التعددية الثقافية كمعطل لشمولية الإسلام. إن مشكلة التعدديات بين الأديان من صنع حضارة الغرب أساساً، وهي لا تجد لها في حضارتنا الإسلامية معنى، لأن الأديان الثلاثة التي ابتدأت مع الإبراهيمية وهي حصاد وحدة المسيرة الثقافية ووحدة الأمة التي انطلقت تجمع بين السماء والأرض وهي تختلف عن اليونانية والهلينية والرومانية التي انطلقت من ثقافة أرضية هي شرخ في المسيرة الإبراهيمية كما يرى الفيلسوف محمد إقبال. وعلى هذا الأساس الإبراهيمي كانت الحضارة الإسلامية في مداها الجامع بين المساجد والكنائس والبنية الاجتماعية ترتبط بالزمان والأرض في كيمياء التاريخ. فحضارتنا ابتدأت بالإبراهيمية وقد جاء الإسلام كلمتها الأخيرة وهي كلمة باقية إلى يوم القيامة، والقرآن الكريم أشار إلى هذه الأصول بعبارة واحدة «إن إبراهيم كان أمة». الحضارة بدأت من حوار إبراهيم عليه السلام مع الوجود الكوني توصلاً للهداية إلى الله الواحد. من هنا، فإن مفهوم التعددية مفهوم غربي إقصائي من خلال رؤية الآخر الذي ينظر إليه بمعيار مركزية الأنا والآخر. ابتدأ مصطلح الحضارة في أوروبا القرن التاسع عشر منطلق توصيف لمركزية الأنا الجنسية التي تعزل الآخر، وهذا هو المجرى الأساسي لمفاهيم المصطلحات جميعاً بما فيه مصطلح الحرية الفردية في إطار بيئة الحضارة الغربية المركزية. فالآخر هو الجحيم مع سارتر والوجودية، والعالم قد انقسم بتأثير ثقافة الغرب إلى مجتمع يصنع الحضارة ومجتمع على هامشها يأكل من إنتاجها. من هذه المرجعية انطلقت فكرة الحريات العامة ونظريات العنصرية كوجهين لعملة واحدة وكمصطلح متداول من زيتها غمست شرعة حقوق الإنسان باعتبارها شرعة الضعفاء في ضمان الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية أي عالم الثنائية على هذا الكوكب كحقيقة واقعية ونهائية في قسمة العالم بين المتحضر الغربي والمتخلف وهذا ما يتجلى في الخطاب السياسي الأميركي والأوروبي حين يتحدثون عن الديموقراطية والحرية كمسوغ لتأكيد هيمنة الغرب وسلطته من منبر أمن الكبار في هيئة الأممالمتحدة وهكذا تصبح التعددية مرجع تفتيت لوحدة التاريخ في العالم الإسلامي كما جرى في العراق ويجري في آسيا وأفريقيا ليتسع المدى الجغرافي للعنصرية الإسرائيلية باعتبارها الأقوى (...) (جزء من بحث مقدم إلى مؤتمر خريجي الأزهر الشريف 2009) * وزير سابق ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في لبنان.