النُّصح منهج إنساني نصت عليه الأدلة النقلية فقد قال الله تعالى «وأنصح لكم» وقال في موضع آخر «وأنا لكم ناصح أمين»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمسلم على أخيه المسلم ست خصال واجبة، فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقًا واجبًا لأخيه.....» ذكر منها «وإذا استنصحه أن ينصحه»، وتدل هذه النصوص دلالة قطعية على وجوب التناصح بين الناس في كل أمورهم لكي يشعر الجميع بالألفة وتشيع المحبة بينهم، ويتأصل في تعاملهم حُب الخير ودفع الشر. ولكن القيام بهذه المهمة تتطلب توافر مُحددات تضبط إطار تفعيلها وتضمن بقائها في سياقها الطبيعي وإلاّ فإنها سوف تفقد غايتها المنشودة وتتحول من كونها أداة بناء إلى مُعول هدم، ولعل أبرز تلك المُحددات «النصح في الخفاء» فقد دأب بعض الناس بحُسن نيّة وبعكسها في النُصح وسط العامة حتى وصل الأمر في بعض الأحايين للتقريع، الأمر الذي أفضى لقطع صلة الرحم تارة وكُره هذه الشعيرة جرّاء الاستخدام غير المُنضبط لها تارة أخرى؛ وهذا السلوك غير السوّي جعل بعض الآراء الفقهية تؤكد أن الجهر بالنصيحة وإظهارها للعلن دون مصلحة راجحة يُعتبر من الفضح والتعيير لا من النصح والتغيير. لذا فإن الناصح الأمين- كما هو منطوق النص القرآني- يجب أن يتحلّى بسمات تخوّل له ممارسة هذه المهمة دون الإضرار بسمو هدفها ويأتي في مقدمتها العلم بما ينصح به واختيار الوقت والمكان المناسبين لإسدائها وانتهاج اللين والرفق فيها والبعد عن تتبع العثرات والاستشهاد بها ظنًّا منه بأنه يُوّثق لما ينصح له ولم يدرِ أنه بذلك ينشر ما يُرِيد أخوه إخفاءه، وقد قال الشافعي أبياتًا جميلة في كيفية النصيحة أرى أن الاستشهاد بها في هذا المقام واجب إذ قال: قال الشافعي في القناعة: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإنَّ النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه وإنْ خالفتني وعصيتُ قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعه