بحضور كبير من المثقفين والفنانين والإعلاميين، أقام ملتقى (جسور) والذي ينظمه فرع جمعية الثقافة والفنون بالرياض، بإشراف الأستاذ صالح الخليفة، أمسية ثقافية بعنوان "قال لي طارق"، قدمها الفنان والإعلامي طاهر بخش. واختار بخش الموسيقار الراحل طارق عبدالحكيم -يرحمه الله- للحديث عنه خلال فترة ملازمته له، وعاصر بعض الأسرار الفنية التي حدثت في ذلك الوقت. وبدأت الأمسية باستعراض تقرير مرئي أعّده المخرج بدر بخش، تحدث من خلاله عدد من الفنانين الذي كانت لهم تعاونات فنية مع الراحل الكبير، من أبرزهم الفنانة اللبنانية هيام يونس، والدكتور الفنان عبدالله رشاد، والفنان عابد البلادي، والشاعر ضياء خوجة. تناول بعدها سرد عن مشوار الفنان الموسيقار طارق عبدالحكيم الذي استمر لأكثر من أربعين عامًا، أستعرض من خلالها مرحلة طفولته التي قضاها في المثناة بالطائف، ثم دراسته حتى الصف السادس الابتدائي، ثم التحاقه بالجيش السعودي عام 1356ه ضمن 32 فردًا من أقرانه إلى أن تخرّج عام 1359ه كضابط للمدفعية المضادة للدبابات. وكشف بخش قصة ابتعاثه للدراسة ليتعلم كيفية تأسيس فرقة موسيقى عسكرية تواكب البناء الحديث للجيش السعودي الناهض، وقال نقلاً على لسان طارق عبدالحكيم كيف تم اختياره ليكون أول دارس للموسيقى وليكون المؤسّس الأول لفرق الموسيقى العسكرية للجيش السعودي وواضع أسس أول فرقة موسيقية بالشكل المتعارف عليه حاليًا المصاحبة للمطربين. كنت قد تعرّفت في الكلية الحربية بزملاء كانوا يعزفون العود والكمان في منزل زميلنا حسن سرور الصبان باعتباره من أهل مكة ميسوري الحال، وكان ملمًا بهذه الآلات، فكنا نتناول عنده الغداء والعشاء ونعزف ونغني خلال العطلة الأسبوعية ثم نعود إلى الكلية، وهكذا لمدة طويلة، وبعد أن أصبحت معروفًا في أوساط زملائي أصبحت أقيم في الخفاء بعض الحفلات الخاصة للزملاء، ثم تطوّر الأمر إلى عمل حفلات للأهالي، ومن هنا أصبحت معروفًا للجميع بأنني أعزف العود وأغنّي، ولذلك عندما أرادت وزارة الدفاع أن تبتعث واحدًا من الضباط لدراسة الموسيقى، أجمع الضباط على أن طارق عبدالحكيم هو المؤهل لذلك، فاختاروني لهذه المهمة، وكان ذلك مؤلمًا لي، كيف أكون ضابط مدفعية وقائد برتبة نقيب وأضحي بذلك مقابل أن أدرس الموسيقى، ولن أنسى كلمات الأمير منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع خلال تلك الفترة، حين قال لي: "روح تعلّم الموسيقى لأنه سيأتي يوم تحال فيه على التقاعد ولن تستطيع أن تبيع مدافع الجيش في السوق، وسيكون لك في الموسيقى شأن كبير". عندها لم يكن أمامي فرصة للتراجع، فسافرت إلى مصر والتحقت بموسيقات القوات المسلحة المصرية وكنا قرابة 145 طالبًا من جميع الدول العربية، وكان أغلبهم على علم بالموسيقى العسكرية والنوتة الموسيقية، بينما كنت لا أعرف سوى آلة العود فقط وغير ملم بالنوتة والمارشات العسكرية، فقالوا لي أترك هذا العود على جنب فأنت في حاجة إلى قواعد ونظريات موسيقية لتتعلم كيف تلحن الأناشيد وتؤلف المارشات. يقول طارق عبد الحكيم: "كانت هذه صدمة ثانية بالنسبة لي، فلم أكن راغبًا في الموسيقى العسكرية، ولكن بحكم إنني مبتعث من وزارة الدفاع ويجب أن أتعلّم الموسيقى العسكرية، إضافة إلى أن الصحف المصرية نشرت بأنه قد جاء يوزباشي سعودي لا يفقه شيئًا في الموسيقى عدى عزف العود سماعيًا ولا يعرف من النوتة سوى نوتة الجيب (المفكرة)، فقد تأثرت كثيرًا وأصررت على أن أخلف وجهة نظرهم عني، فبدأت الدراسة بعزم وقوة وأحضرت مدرسين خصوصيين يعلمونني في المنزل، وخلال العام كانت تقديراتي ممتازة في النوتة، وكنت قد اخترت آلة (الاكسليفون)، عملت كل ما أستطيع لأتعلم بالشكل السليم". وهكذا دخل طارق عبدالحكيم ميدان الموسيقى العسكرية الواسع، ولكنه لم يهمل رغبته في الغناء والتلحين، فألتحق بمعهد الموسيقى العربية على حسابه الخاص، فكان يدرس في الجيش صباحًا وفي المعهد مساءً يتعلّم أصول الموسيقى الشرقية، وفي عام 1953م تخرّج طارق عبدالحكيم فكان الأول على مجموعته وكانت تقديراته في العمليات ممتازة وأهليته للتعليم ممتازة، ثم عاد إلى المملكة وُكلف بتأسيس مدرسة موسيقات الجيش. وفي بداية التسعينات الهجرية وعندما كان الفريق محمد الطيب التونسي مديرًا للأمن العام، استعان به في تأسيس معهد موسيقى الأمن العام والإشراف على معهد التربية البدنية، وذلك لكونه مديرًا لنادي ضباط الجيش لمدة ثمانية أعوام، فأسّس معهد موسيقى الأمن العام، مستعينًا بعشرة مدربين من مصر، وعندما ألتحق بالجمعية التي كان يرأسها في ذلك الوقت صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن كُلف بأن يكون مختصًا بإدارة الفنون الشعبية، فأنتقل إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب وأمر الأمير فيصل بن فهد بأن تكون هذه الإدارة مختصة بالمهرجانات والمناسبات، ومن ثم ألحق بها عدد من شباب الأمن العام، وشاركت هذه الإدارة في عشرات المهرجانات الدولية وخرجت الفنون الشعبية إلى العالم الخارجي تحت إشراف الأمير فيصل بن فهد الذي كان يرعى الفنون في المملكة، ثم طلب من الدكتور صالح بن ناصر وكيل الرئيس العام لشئون الشباب أن يسمحوا له بعد هذا الجهد الذي امتد من عام 1356ه بالتقاعد، فأمر سمو الأمير فيصل بأن يكون خبيرًا للفنون الشعبية وتم تعيينه في جدة تقديرًا لظروفه على أن يشارك في المناسبات والمهرجانات والمؤتمرات الفنية. ثم تناول طاهر بخش في ندوته قصة اللقاء الأول الذي جمع الفنان الموسيقار طارق عبدالحكيم بالفنان محمد عبده كما رواها له فقال: كنت في الرياض وجاء إليّ الشاعر إبراهيم خفاجي والشاعر ناصر بن جريد ومعهم شاب قدموه لي باسم محمد عبده، فأمسك بالعود وأسمعني بعض أغنياته فأعجبت به وقلت لناصر بن جريد أكتب كلمات وأنا ألحنها له، فأعطاني "سكة التايهين" وكان قبلها قد أعطاني إبراهيم خفاجي أغنية بعنوان "يا للي ما فكرت في روحي.. يا للي يهناك نوحي" فقلت له إني متنازل عنها لهذا الشاب، وغناها في الإذاعة وكانت أول لحن أعطيته لعبده، وبعدها قررنا أن نقدم "سكة التايهين" في التلفزيون الذي كان يقدم مسارح التليفزيون، فذهبت إلى وزير الإعلام جميل الحجيلان فقلت له لديّ شاب سيكون له مستقبل، فقال الوزير قدمه على مسئوليتك، وقدمناه من خلال هذا اللحن، وبعدها أعطيته "لنا الله، ولا تناظرني بعين" ومجموعة أغنيات أخرى، وبعدها أنطلق. ثم فتح المجال لبعض الفنانين الذي ربطتهم علاقة بالموسيقار الراحل، حيث تحدث كل من الفنانين: سمير مبروك وسعد خضر وناصر الميمون عن بعض المواقف والدور الذي لعبة طارق عبدالحكيم في مسيرتهم الفنية والتي تميزت بالحب والإخلاص والشدة في بعض المواقف والتي أجمع الجميع بأنها كانت سببًا في حبهم للموسيقى والغناء. قدم بعدها الفنان الملحن عبدالعزيز شرف مقطوعة موسيقية على آلة العود إهداء لجمهور الموسيقار الراحل. واختتمت الأمسية بمشاركة كل من الفنانين: عبدالله شرف وخالد عبدالرحيم بعدد من أغاني الراحل الموسيقار طارق عبدالحكيم، بقيادة الفنان والملحن سمير سعيد والذي صاحبهم على آلة الأورج، وقد حظيت هذه المشاركة بتفاعل كبير من الحضور.