يمر الإنسان خلال دورات نومه بمرحلة «النوم الحالم» بشكل مُتكرر، وتصبح تلك المرحلة أكثر كثافة وامتداداً في النصف الثاني من الليل، وتعرِض على الإنسان خلالها أحلاماً تتميّز بالوضوح وتسلسل الأحداث التي يتذكّر معظمها عند الاستيقاظ من النوم. ولا يزال كثير من الغموض يُحيط بماهية الأحلام ومعانيها وأسبابها ومظاهرها، على الرغم من تناول كثير من الباحثين - على اختلاف مرجعياتهم - لها بالتفصيل والتدقيق، ومن ضمنهم «سيجموند فرويد» الذى رأى أن «الأحلام وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة في الواقع»، إلا أن معظم تلك الآراء لايلبّي شغف كثير من الناس ونهَمهم لتفسير هذه الظاهرة العجيبة المُثيرة للجدل. لكن من الناحية العِلْمية المُثبتة، فالأحلام ترتبط بنشاطٍ ذهني لا يهدأ خلال النوم، وبخاصة خلال مرحلة النوم الحالم التي يتعرّض فيها الإنسان لصورٍ وخيالاتٍ تتعلق بحوادث ومواقف سابقة، ورغبات كامنة ومشاعر مُحتقنة تتراكم خلال ساعات اليقظة، لتظهر للنائم على هيئة أشكالٍ وصور قد يكون بعضها مُخيفاً ومزعجاً، كما في اضطراب الكوابيس الليلية، أو مُمتعاً سعيداً كما في الرؤى، ويُعتقد أن المرور بمرحلة النوم الحالم يساعد على تعزيز الذاكرة وآلية التعلّم، والتعامل السليم مع المشاعر والذكريات المُؤلمة والحسّاسة، وهذا من الرّحمات الإلهية لتفريغ شُحنات نفسية سلبية. من الواضح في نظري ارتباط الأحلام وتفسيرها بالثقافة الشخصية والمرجعيات التربوية الاجتماعية والاضطرابات النفسية والمشاعر الكامنة وخيالات اليقظة، وتظهر نتيجة تحرّر العقل الباطن خلال النوم من تحكّم العقل الواعي خلال اليقظة، وهي -أي الأحلام- لا تستدعي كثيراً من الاهتمام الشخصي، فمعظمها أضغاثٌ لا تحتمل تفسيراتٍ أو تأويلات، ولا تستدعي تسابق بعض الناس لمحاولة تعبيرها، بل إن بعض الأحلام قد يظهر نتيجة تناول علاجات دوائية أو مواد معينة، أو المعاناة من أمراض عضوية ونفسية معروفة، أو المرور بصراعات فكرية وتجارب اجتماعية طارئة، فكان من غير المنطقي ولا الحكمة الاعتماد على ما يراه الشخص في أحلامه للتخطيط لمستقبله أو اختياراته، أو الهَوس باللجوء لتأويلها من مدعي تفسير الأحلام كنوع من الهروب من الواقع، والاحتماء بالأوهام كنوع من العزاء والسلوى، وهو ديدنٌ بِدائي ساذج، لا يضاهيه سذاجة وجهلاً، إلا من يتخذ من الأحلام شريعةً ومنهاجاً لمعتقداته وحياته، أو استشرافاً لمستقبله.