يجاورهم سكن تحيطه الأسوار والأسلاك الشائكة، عند زواياه تقف عربات عسكرية للحماية، سور قديم يعلو كل أسوار البيوت التي حوله، أثر الرطوبة ينهش أجزاء متفرقة منه، إقامة موقعه في قلب الحي تشي بدقة الاختيار. ثلاثة شبان تجمعهم شقة في الطابق السادس من البناية، تفتح نوافذهم على الجهة الشرقية المطلة على السكن، عبثت بهم الظروف إلى أن قذفتهم هنا للدراسة في الجامعة البعيدة. جاؤوا من القرى الساحلية النائية، يخرجون النصف من مكافآتهم الجامعية للسكن ولمصروفاتهم.. ولأن مواصلات الجامعة لا تغطي الحي الذي يقطنونه تعاونوا على شراء سيارة متعطلة وقاموا بإصلاحها على عدد من الأشهر المقطرة حتى استوت بهم متثاقلة تقلهم وتقضي لهم جزءًا من الحاجة. منقطعون للدراسة، وبفارغ صبرٍ يتحينون نهاية الأسبوع، يخرجون كالسجناء إلى قُراهم ومرابع طفولتهم، القرى ذاكرة لا تشيخ، وموطن للحقبة التي تنتخبها بنفسك ولنفسك، أيديهم تحمل أكياسًا متنوعة من الملبوسات والأطعمة يدلفون بها على أهلهم، يعرضون لهم ما تجد به المدينة ليفرحوا بها. شقتهم المكدسة بروائح بقايا الأطعمة وما يحرقونه من السجائر لا تختلف كثيرًا عن الخارج من فوائح الشارع المزدحم بأجناس متباينة من البشر، 1 فارقة متعرقين يجتمعون على حفر بئرٍ تتجمع فيها منافع البيوت، إندونيسيون يستظلون بقطع من الأقمشة أمام سفارتهم منتظرين فرصة الترحيل، ينبعث من خيامهم مزيج من مطهيات تشوبها روائح البصل والثوم. يحد شقتهم من الشمال مجمع لسوق شعبي يقطن سطوحه عدد من قبائل البنجاب مقيمين من «صنادق» من زوائد الأخشاب، ينشرون ملابسهم على حبل غسيل عالق بين نافذتين، تزداد عجمتهم حول لعبة ال(بلوت) غير آبهين لرفيقهم الذي حال بكاؤه دون إتمام المكالمة البعيدة. في ليلة مختلفة، كانت الشوارع حولهم تتخفف من نزف شموع السيارات المدبرة، مزيج الأجناس لا تبرح بيوتها، المرور يزرع رجاله على الإشارات، ويصرف المارة عن الدخول لهذه المربع. ثلاثة من الطابق السادس، يسمعون معزوفات هادئة تنبعث من جوارهم، بدافع الاستكشاف يفتحون النافذة المطلة على السكن. شبان حمر يخاصرون غنج شقراوات، يرقصون ويقبلون بعضًا مشعلين الليل بقناديل صغيرة تنعكس أضواؤها على وجوههم، يجرعون الكؤوس بتمهل. في نهاية الاحتفال يصطفون حاملين في أيديهم هدايا متنوعة يقدمونها إلى امرأة تجلس على كرسي نقش عليه الرقم 40. يهتفون لها مقدمين الهدايا والقبلات بانتظام، تبادرهم بالسلام والحب، يفرغون جميعًا تاركين لها عبق الورود، وأغلفة الهدايا والبالونات الملونة، يتوادعون يلوحون لبعضهم إلى أن يعودوا لغرفهم. يلوح ثلاثة من الطابق السادس لغرباء أرض لا تمانع أحدًا سيقيم عليها شريعة للفرح، ويقرع لها طبلاً للسلام.