لا يزال أهالي الباحة يحافظون على العادات التي توارثوها من الآباء والأجداد أيام العيد، حيث يجتمع أهالي القرية بعد صلاة العيد، ويتناولون وجبة الإفطار. وكانت كل عائلة تنتقل عند أكبرهم سنًّا، ومن ثم يحضرون موائد العيد التي تُعدُّ فرصةً لتبادل الزيارات والتهاني بين الجيران، فيما يشهد الجميع احتفالات العيد التي تقدَّم فيها عدد من ألوان الفنون الشعبيَّة كالعرضة. «المدينة» رصدت بعضًا من مظاهر استقبال العيد في أول يوم له. بداية قال العم عطية بن احمد الزهراني: إنَّ العيد هو من أجمل الأوقات التي تستغل لزرع الألفة والمحبَّة بين الجميع، ولإظهار فرحة الجميع بانقضاء شهر، نسأل الله فيه القبول والمغفرة من الذنوب، وأضاف: نحن في القرى اعتدنا أنْ نحيي بعضًا من تراث الأهالي قبل عشرات السنين كالعرضة الشعبيَّة؛ لتعريف الأجيال الجديدة بتراث الآباء والأجداد، وأقاموا مأدبة طعام دعوا إليها أهل القرية احتفالاً بهذه المناسبة، مشيرًا إلى أنَّ الجميع شارك في التجهيز والإعداد للطعام. وأضاف: بعد أداء صلاة العيد نلتقي في مكان واحد، ثم نتزاور ونهنئ بعضنا بالعيد، وبهذا فإنَّنا نكسب يوم العيد في زرع المحبة والألفة، وتعريف الأجيال القديمة وربطهم بتراث آبائهم وأجدادهم. أجمل المناسبات أمَّا محمد عبدالله الزهراني، فيقول: إنَّ مناسبة العيد من أجمل المناسبات التي يجتمع فيها الأهالي، ويشعرون بالفرح والمحبة والألفة فيما بينهم، قائلاً تنقسم طقوس العيد عندنا إلى قسمين، أحدهما في الصباح بعد صلاة العيد، حيث يجتمع أهالي القرية جميعهم بإعداد وجبة الفطور، ويتميز الفطور بالأكلات الشعبيَّة كالخبزة والعريكة، وغيرها من الأكلات، ويجتمعون فيها، ويسلم بعضهم على بعض، ويهنئ بعضهم بعضًا، وبعدها كل عائلة تجتمع لدى كبير السن لديهم. وأضاف: في المساء تجتمع القرى لإقامة مناسبة كبيرة يتخللها العرضة الشعبية التي يشارك فيها الكبير والصغير، وتعتبر مناسبة جميلة يلتقي فيها الأحبة من أهل وأقرباء وإخوة في مكان واحد، تسوده المحبة والجو الجميل. الأهل والأقارب فيما قال ضيف الله عطية الزهراني: ليس أجمل من مناسبة العيد التي يلتقي فيها الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، فيزرعون الألفة فيما بينهم، والمحبة تسود أجواءهم، ويعيشون ذلك اليوم في أجمل حلة، ويشارك جميع أفراد القرية في مناسبة العيد في أول يوم بعد أداء الصلاة جماعة في (المشهد) وهو ما يعرف حاليًّا بمصلَّى العيد. وذكر أنَّهم بعد ذلك يتناولون طعام الإفطار سويًّا، حيث تشارك بعض الأسر في إعداد الوجبات الشعبيَّة من صنع النساء في المنازل، ثم يلتقون لتناول هذه الوجبات، ومن ثم يزورون كبار السن أولاً، خصوصًا المرضى وذلك في منازلهم لتهنئتهم بالعيد، والاطمئنان على صحتهم، كما يقومون بزيارة بعضهم بعضًا بدخول منازل البعض إن تيسر ذلك. وأكَّد أنَّ هذه المناسبة هي من أجل المناسبات التي يجب أن تستغل في التواصل بين الناس والصلة والقربة والمحبة، وهذا من فضل الله علينا، وعلى الناس أجمعين، مضيفًا لذا تجد الجميع يتفاعل مع هذه المناسبة بغض النظر عن أن يكون هناك شحناء فيما بينهم أو خصام، فهذه الأمور تذوب في هذا اليوم العظيم ويقول سعيد صالح الغامدي خلال السنوات الأخيرة بدأت كثير من العوائل التي تعيش في المدن تقضي أيام العيد في القرى لما له من مذاق خاص حيث يلتقون بالأهالي ويتعرَّفون على عادات القرى. شعور جارف بالحنين وفي مقابل عيد القرية الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من مظاهر زمان، يتحسر العديد من أهالي المدن على تلك الذكريات المفقودة، ويقول علي أبوعلامة: «أشعر بالحنين والشوق، لأعياد الماضي، حيث المظاهر الدينية، والتربوية، والاجتماعية، بل والترفيهية، التي اعتاد عليها السواد الأعظم من أبناء الوطن». وأضاف: «كنا نجهز للعيد من منتصف شهر رمضان تقريبا، بإعداد الملابس الجديدة، ونهيئ البيت، وما حوله من طرق وأماكن، لاستقبال الأهل، والأقارب، صبيحة العيد، ونتجمع حول الوالد عقب الصلاة، ونأخذ منه زكاة الفطر لتوزيعها على مستحقيها، ثم نرتدي ملابس العيد، والفرحة تغلقنا، ونتناول من أيدي والدتنا التمر، قبل أن يصحبنا والدنا، للقاءات الأصدقاء، والأقارب، في زيارات تشمل الجيران أيضا». ويقارن «أبوعلامة»، بين الأيام الماضية، والوقت الحالي فيقول: «أما حاليا، أجد أن الجميع يستبدلون الزيارة بالرسائل النصية، حتى أن الرسالة قد تصلك حاملة اسم شخص لا تعرفه، لتفاجأ بأنها جاءتك من قريب، نقلها إليك بعد أن وصلته هو من أحد أصدقائه، ولم يكلف نفسه عناء تعديلها»، معربا عن أمنياته في أن يستعيد المجتمع بهجته، وفرحته بالمناسبات الطيبة، والأعياد، التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في العام. غياب الترابط ويقول عبدالله الزهراني: «لا شك أن هناك فارقا شاسعا، بين العيد في الماضي، وحاليا، فقديما كانت الاستعدادات للعيد تبدأ في الأيام الأخيرة من رمضان، عبر تحضير الملابس الجديدة، وفي أول أيام العيد، يحرص الجميع على تبادل الزيارات، والتي تستمر حتى المساء». وأضاف: «وكانت تمتد الفرحة بالعيد لثلاثة أيام كاملة، وتقام خلالها الأفراح، والاحتفالات الجماعية، أما الآن فبدأت تلك العادات تتلاشى، وأصبحت الزيارات منحصرة في أقرب الأقارب، وسط غياب تام للترابط الاجتماعي، الذي كان يجمع، الجيران، والأصدقاء، والأهل في الحي، والقرية الواحدة». ويصف علي بن أحمد العمدة، الفارق بين أعياد زمان، وما يجري حاليا بكلمات بسيطة، قائلا: «قديما كانت مراسم العيد تبدأ صبيحة اليوم الأول، بعد أداء الصلاة، وتستمر حتى المساء، يتخللها اجتماع الأهالي، ومن ثم إقامة الولائم، يتخللها أداء الرقصات الشعبية، أما الآن فقد أفسد العصر الحديث كل شيء تقريبا، وصار البريد الإلكتروني، ورسائل الهواتف، هي البديل لكل هذه الطقوس المبهجة القديمة».