العيد فرحة تتكرر كل عام يستقبلها الجميع بشوق ولهفة، ففيها تصفوا النفوس وتتقارب في هذا اليوم الجميل، السعادة تكون فيه عارمة وحاضرة للصغير قبل الكبير، فبعد انقضاء شهر الصوم يحل العيد ضيفاً مرتقباً لينشر الفرحة والسرور بعد أن منَّ الله على الجميع بصوم رمضان وقيامه، ما بين زماننا الحاضر وزماننا القريب الفائت طرأ الكثير في استقبال فرحة العيد، فالكثير يظن أن العيد قد فقد بريقه في أيامنا هذه بعد أن تغيرت أحوال المجتمع وتبدلت بما أفرزته الحضارة المعاصرة من تقنيات ورفاهية، وبالتالي لم تعد تدهشهم الملابس الجديدة التي كانت أول اهتمام جيل الأمس لاستقبال العيد، كما أن حلويات العيد وهداياه متوفرة على الدوام في كل المحلات بل حتى في البيوت، وكذلك العيدية التي كانت مصدر فرحة الأطفال ومنتهى سعادتهم باتت هي الأخرى بلا طعم لكثرة ما لدى الأطفال من ألعاب وهدايا ونقود تملأ غرفهم وجيوبهم، هذا الحال جعل الكثيرين من المعاصرين يتساءلون: ما الذي بقي من فرحة العيد في هذا العصر الذي تباعدت فيه القلوب؟، بل ما هو الجديد الذي يجعل هذا اليوم متغيراً عن باقي أيام السنة التي باتت رتيبة بروتينها الممل؟، فقد باتت البسمة مزيفة والفرحة مصطنعة والمجاملة هي سيدة الموقف، اجتماعاتنا صارت كأنها شيئاً مفروضاً ينبع من حس أداء الواجب فقط، فصارت تجتمع الأجسام ولكن القلوب متفرقة ومتباعدة، فالكل على موعد، فمنهم من يريد أداء سلام العيد على الأهل والأقارب من أجل السفر أو الذهاب إلى الاستراحة لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء بعيداً عن الرسميات. في المقابل لا يزال الكثيرون يرون أن فرحة العيد باقية رغم الاختلاف الكبير بين عيد اليوم وعيد الأمس، ويسعون جاهدين إلى إعادة فرحة العيد ورسم البسمة على الوجوه وذلك من خلال العودة والتمسك بالعادات الجميلة التي تبرز بهجة العيد وترسم الفرحة على الجميع ويساعدهم في تحقيق ذلك اللجان الأهلية الاجتماعية والمنظمين للمهرجانات السياحية تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، إضافةً إلى لجان الاحتفالات والمناسبات والتي ساهمت وبشكل كبير في تنفيذ العديد من البرامج والفعاليات في أيام العيد والتي جذبت الكثير من الأسر وصارت ملتقى لراغبي الاجتماع والاحتفال بمناسبة العيد، وقد أسهمت تلك الجهود في إحياء فرحة العيد في القرى والمدن وحدّت من تفرق البعض وبحثهم عن المتعة في السفر إلى الدول المجاورة من أجل قضاء إجازة العيد بعيداً عن الوطن والأهل. ملابس العيد كان الاستعداد لدى جيل الأمس للعيد يبدأ قبل العيد بأيام، حيث يسبق موعده تنظيف الشوارع والطرقات وما بين بيوت الطين حيث يتم كنس الشوارع بمكانس "السعف" المصنوعة من جريد النخيل، ويتم اقتلاع الشجيرات وتسوية الأرض التي سيتم اجتماع كل أفراد حي في الصباح لتناول وجبة العيد بعد أداء الصلاة في المصلى، أمّا ملابس العيد فيتم تفصيل الثياب الجديدة في البيوت قبل انتشار الخياطين وورود مكائن الخياطة الحديثة، فيتم تفصيل ثياب البنات والبنين من قبل أمهاتهم أو بعض النساء اللواتي امتهن هذه المهنة سداً لحاجة العوز والفقر، كما كانت النساء يتولين بأنفسهن خياطة ثيابهن وكذلك ثياب أزواجهن، وقبل العيد بيوم أو يومين تبدأ مراسم التزين فكان تجميل الأولاد يسمى "زين العييل" ويكون قبل العيد بليلة، ويتم فيه تزيين الصبيان بأحلى اللبس، وتحلق رؤوسهم، ومن ثم يخرجون إلى الأزقة والحارات، وهم يلهون ويلعبون والفرحة تغمر قلوبهم، أمّا البنات الصغار فيتم تزيينهن قبل يوم العيد نفسه بيومين أو ثلاثة، حيث تخضع الصغيرات إلى عملية تزيين يسمونها زين البنات، يتم خلالها خضب أيديهن بالحناء، وتسريح شعورهن، وتمشيطها، وتضميخها بالطيب، ومن ثم يلبسن جميل الثياب وجديدها، وفي اليوم الذي يسبق العيد يقوم الأطفال بالدوران حول بيوت القرية أو الحي طالبين العيدية وسط أهازيج يرددونها مثل قولهم: "عطوني عيدي عادت عليكم في حال زينة"، ويكررونها مرتين أو ثلاثاً وعندما لا يجدون ردّاً يقولون "نمشَّي الحميَّر وإلاّ نوقفه" وغالباً ما يأتي الرد وقفوه فتخرج لهم غالباً صاحبة المنزل وتعطيهم "قريض" وهو حب الحمص المجفف أو حلوى، ونادراً جداً ما يحصلون على نقود لقلتها في ذلك الوقت، وإن تم اعطاؤهم فهي من فئة القرش والقرشان أو أربعة قروش على أحسن تقدير، وبعد الحصول على العيدية يقوم الأطفال بالمحافظة عليها لأكلها في يوم العيد ولشراء ما يحتاجون إليه من حلوى أو ألعاب وخصوصاً الألعاب النارية. فرحة العيدية كانت العيدية تعني ولا تزال للأطفال الشيء الكثير، فهي مصدر فرح وسرور يدخل على قلوبهم، ولكن العيدية فيما مضى لها قيمتها حيث كانت بالفعل تعني الكثير لدى الأطفال الذين لم يكونوا يعرفوا الحلوى طوال العام، وذلك لغلاء قيمتها ولندرتها أيضاً، فلم تكن الحلوى تعرف إلاّ في هدايا القادمين من الحج والتي يحضرونها من أسواق مكةالمكرمة مثل "القريض" وهو حب الحمص الصغير المجفف، و"حلاوة مكة" وهي قطع حمراء بطعم السكر تصنع في قالب كبير ثم تكسر إلى قطع على قدر كف اليد أو أصغر، وكان لها مذاق خاص وطعم حلو ورائع، وارتبطت هذه الحلوى بمكة، فعند النظر إليها تعرف أنّها جلبت مع الحجيج، و"حلوى الملبس" أو "المقرطس"، ومن لا يملك الحلوى فإنه يعطي الأطفال بعض القروش، وحالما يستلم الطفل عيديته في نهار العيد من والديه وأقاربه وينطلق مع أقرانه إلى الدكان الوحيد في الحي ويشتري منه ما يشاء من حلويات أو ألعاب البسيطة مثل المسدسات التي تطلق أصوات قوية نتيجة احتراق الفتيل الذي بداخلها، أو البالونات وشيء يسير من الألعاب النارية البسيطة مثل "الشروخة" التي تنفجر محدثة صوتاً مجلجلاً ويسمونها "طراطيع". ومع تقدم الزمن والتطور الذي عاشته البلاد ومع تحسن الحالة المادية والرفاهية التي بات ينعم بها المجتمع تطورت العيدية وباتت تقدم هدايا جميلة وغالية الثمن كساعة أو مبلغ نقدي كبير يستطيع الطفل أن يشتري به ما يشاء من ألعاب وهدايا، وفي الوقت ذاته فقد صار كل شيء مهيأ ومتوافر على طول الوقت وصارت الحلويات والألعاب معروضة طوال العام في محلات خاصة بها كمحلات الألعاب أو الهدايا والحلويات، وبذلك فقدت العيدية بريقها الذي كان بالأمس لامعاً، فقد باتت تقدم غالباً كمبلغ مالي من جميع ذوي الطفل وأقاربه. وجبة العيد من عادات العيد الجميلة الباقية إلى يومنا هذا هي وجبة العيد التي يجتمع حول موائدها أفراد الحي الواحد، حيث جرت العادة منذ القدم على أن يخرج كل صاحب بيت صحناً يقدم فيه أكلة العيد والتي كانت فيما مضى من الأكلات الشعبية، فكل بيت يخرج صنفاً من هذه الطبخات مثل "الجريش" أو "المرقوق" أو "القرصان" وغيرها من الأكلات الشعبية اللذيذة، وبعد أن يكتمل إخراج وجبة العيد وبعد السلام والعناق الحار وتبادل التهاني بالعيد يقول أكبرهم سناً: "تفضلوا الله يحييكم على حلالكم"، فيتحلقون على هذه السفر، ويتذوقون الأعياد، ويستمرون في حركة مكوكية بين الصحون متذوقين طبخ كل بيت، والكل منهم ينتظر كيل المديح من متذوقي طعامه، مما يدخل البهجة على نفسه، وهو يقول بكلمة عامية دارجة: "كلوا جعله بالعافية، الله مير يحييكم"، وبعد الانتهاء من تناول وجبة العيد يبقى البعض في المعيد يتجاذب أطراف الحديث مع جاره أو صديقه، ولا زالت هذه العادة الجميلة ولله الحمد مستمرة إلى يومنا هذا رغم ما طرأ عليها من تغيير حيث استبدلت الأكلات الشعبية بصنف واحد في أغلب المعايدات حيث باتت "الكبسة" التي يقدم معها اللحم -مفطح- هي الحاضرة الوحيدة في موائد العيد، بل إن طبخ أكلة العيد بات في أغلب المعايدات من طبخ المطابخ بعد أن كانت تطبخ في البيوت، مما جعل الطعم واحداً. فأصبح لا حاجة للحضور للدوران على الصحون، وتجد أن الصحون القليلة التي لا زالت تطبخ في البيوت هي محل إقبال الحضور وتزاحمهم عليها، وفي سبيل مطالبة البعض للعودة إلى ما كان الناس عليه منذ زمن قريب من إخراج الطبخات الشعبية التي تتميز بالبساطة وعدم التكلف، فقد شهدت موائد العيد في السنوات الأخيرة عودة الأكلات الشعبية التي تطبخ داخل البيوت. إقامة العرضة من الفعاليات التي كان يقصدها الناس في يوم العيد هي الاحتفال به، وكان أكثر شيء يعبر عن الفرحة به هو إقامة العرضة، حيث يجتمع أهل كل بلدة في مكان عام بها ويحضر الجميع من أجل الاحتفال بالعيد من بعد صلاة العصر، فيخرج الرجال والشباب إلى أطراف البلدة وبجوار النخيل، ويجتمعون في أرض متسعة ويؤدون العرضة السعودية، ضاربين على الطبول ولاعبين بين الصفوف بالسيوف، وربما كانت معهم بعض الأسلحة ك"المقمع" و"الفتيل"، فيطلقون النار أثناء العرضة فرحاً وابتهاجاً بالعيد، ويستمر الناس في أداء العرضة، والسامري بحضور معظم أهالي القرية حتى غروب الشمس، وذلك قبل انتشار الكهرباء، أما بعد انتشار الكهرباء فقد بات أداء العرضة بعد صلاة العشاء وفي أماكن للاحتفال مهيأة من قبل أمانات المدن والبلديات في مختلف البلدان، أما النساء فيجتمعن في عدد من المنازل، عند كبيرات السن من العائلة أو الجدة، بحضور القريبات، ويعبرن عن فرحتهن بالعيد على طريقتهن الخاصة. سلام العيد من أهم مظاهر العيد في الماضي القريب لبس كل جديد، حيث كان الجميع مع صبيحة العيد يلبسون أجمل الثياب وأحسنها، لذا لم يكن الناس فيما مضى يعرفون لبس الثوب الجديد إلاّ في أيام الأعياد فقط، أمّا في زماننا الحاضر فإن الجميع يرتدي الجديد في كل وقت وحين مثل المناسبات وغيرها من الأيام، فما عاد العيد كما كان سابقاً، فقد كان الاجتماع بالأحبة والأقارب هو سمة العيد التي لا زالت باقية إلى اليوم رغم تغير الظروف والإمكانات، أما فرحة العيد في وقتنا الحاضر فهي أيضاً ليست مثل ما كانت عليه في الماضي فقد تجد أن الجار لا يعايد جاره ولا أقربائه وأصحابه إلاّ عن طريق الهاتف ورسائل الجوال وأجهزة التواصل الاجتماعي، وما شابه ذلك من وسائل العصر الحديث المتطورة التي أذهبت فرحتنا بالعيد واجتماعنا وتزاورنا بعيداً عن الحميمية والمحبة والأخوة والألفة والترابط، بينما كان الناس فيما مضى يبادر إلى السلام على كبار السن ممن لم يستطيعوا الخروج لكبر سنهم، أو مرضهم، أو لذي صاحب علم وتقى، أو صاحب يد طولى في الخير وذي جاه، ومنهم من يذهب للسلام على أقربائه من النساء كالأمهات، والعمات، وذوات النسب من صلة رحم في عيد البهجة والفرحة، التي تتضاعف فيها فرحة الكبير والمريض عندما يرى قريبه أو جاره أو صديقه قد حرص على أن يهنئه بالعيد، فقد تتسلل من عينيه دموع الفرح من غير أن يشعر من حوله بذلك، ويستمر الناس على هذا الحال إلى صلاة الظهر، بينما في أيامنا هذه تجد الأغلبية من الناس والجيران والأقارب نائمين وكل ما ذهبت لتزور صديق أو جار أو قريب وجدت أنه نائم، وهكذا صار الجميع ما بين نائم ومستيقظ واختلفت الناس وذهبت أيام العيد والبعض من الناس لم يعايد حتى جيرانه وأحبابه وأقاربه واضطر إلى رسائل الجوال، وأمام هذا الوضع الذي نعيشه في أعيادنا في كل عام فما أحوجنا إلى العودة إلى سابق عهدنا من المحبة والتآلف والحرص على الاجتماع والتزاور المبني على المحبة في الله، وتعويد النشء على ذلك منذ نعومة أظفارهم وذلك باصطحابهم إلى الصلاة ومن ثم إلى اجتماع العيد عند تناول وجبة العيد ومن ثم الزيارات والاجتماعات المسائية بعد ذلك التي تجمع الأهل والأحبة والأصدقاء. فرحة العيد في وجوه الأطفال لا تعدلها فرحة إعداد وجبة العيد في المنزل قديماً دكان الحارة يستقبل الأطفال يوم العيد لشراء الحلوى صلاة العيد في مساجد القرية قديماً بسطات الأطفال تنتشر في الحارة أيام العيد بساطة ألعاب العيد زمان رسمت البهجة في قلوب الأطفال التشارك في وجبة العيد عادة متوارثة عبر الأجيال