تأتيني -بحكم عملي كمستشار قانوني- العديد من الاستفسارات، بخصوص رغبة بعض الآباء في تخصيص بعض أبنائهم بعطية من مال أو عقار، أو إشراك أبنائهم الذكور دون الإناث في شركات تجاريَّة. والواقع أنَّ تبريرات الآباء لذلك -عند سؤالهم عن السبب- مختلفة، فمنهم من لا يريد أن ينتقل ماله بعد وفاته لزوج البنت، أو أبنائها (بحكم أنَّهم الغرباء حسب ظنهم الخاطئ، متناسين أنَّ ابن أخت القوم منهم)، ومنهم مَن يبرر رغبته بأنَّ الابن، أو البنت غير الداخلين في التخصيص ليسا في حاجة للمال؛ بسبب أنَّ الابن لديه أموال تكفيه، أو أن البنت زوجها مسؤول عن الإنفاق عليها. ودائمًا ما يكون ردي على مثل هذه الاستفسارات بنصح عملائي بتقوى الله في أبنائهم، والعدل، وعدم التفريق بينهم في العطيَّة عملاً بقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: «اعدلوا بين أبنائكم»، قالها ثلاثًا. والتوضيح لهم بأن تطبيق قاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين» يكون في حال الإرث فقط، (بدليل الحديث الشريف السابق)، ولا يصحُّ تطبيقها على عطايا الأبناء أثناء حياة الوالدين، فالمساواة والعدل بين الأبناء فيه مصلحة شرعيَّة معتبرة، وهي نشر الألفة والمحبة بينهم، وأينما كانت المصلحة فثمَّ شرع الله. ولنا أسوة حسنة في رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلم الذي رفض الشهادة على عطيَّة والد سيدنا النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- له، حيث سأله رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «أكُل ولدك نحلته مثله (أي هل وهبت كل أبنائك مثله)؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور». كما أن لنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام خير شاهد، فإخوته قد كادوا له كيدًا عظيمًا، وفعلوا فعلتهم؛ بسبب اعتقادهم أن سيدنا يوسف أحب إلى أبيهم منهم، وهذا مع مجرد اعتقادهم أنَّ أخوهم مفضل عند أبيهم، فما بالكم بمن يرى إخوته يفضلون عليه فعلاً بهبات وعطايا من الوالدين! ومن خلال معاصرة العديد من المشكلات الأسريَّة في أروقة المحاكم وخارجها، فإنّي على يقين أن تفضيل أحد الأبناء بميزة أو عطية من مال أو عقار أو أية منفعة أخرى، يسبب الحقد وينشر العداوة والبغضاء بين الأشقاء، وإن لم يظهر ذلك للوالدين جليًّا، فنتائج هذا الجور -كما سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم- لا تظهر في الغالب إلاَّ بعد وفاة الأب أو الأم، فتراهم «يتعاركون» في المحاكم كأنَّهم ألدُّ الأعداء؛ وعلى العكس فإنَّ العدل بين الأبناء يؤدِّي إلى توادّهم وتعاطفهم والألفة بينهم، حتى بعد وفاة الوالدين. إلاَّ أن بعض الحالات الاستثنائيَّة قد تقتضي أن يخص الأبوين أحد الأبناء بعطيَّة دون غيره، كدفع مصاريف التعليم، أو سداد مصاريف علاج، أو المساعدة على مصاريف الزواج، أو غير ذلك من الضروريات الملحَّة، فهذا النوع من العطايا ليس من باب تفضيل أحد الأبناء على آخر، وإنما تقتضيه الضرورة والحاجة، ولا يؤدِّي في الغالب إلى ضغينة بين الأشقاء، شريطة أن يعطي الوالدان باقي الأبناء عند حاجتهم مثل ذلك.