تشتكي كثير من الفتيات من التعامل الراجح في صف الفتية من جانب الآباء والأمهات للأولاد الذكور على الإناث، ومن التفضيل المادي والمعنوي لهم، بل قد ينسحب التفضيل لبعض الذكور أو لبعض الإناث على بعض، مع أن الأوامر النبوية أتت بوجوب العدل بين الأولاد، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الهبة، باب: الهبة للولد، وإذا أعطى بعض ولده شيئاً لم يجزْ حتى يعدل بينهم، ويعطي الآخر مثله، ولا يشهد عليه عن النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ «قال: لا. قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» قال: فرجع فرد عطيته. وعند مسلم: «فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور». وفي رواية: «فأشهد على هذا غيري» ثم قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء» قال: بلى. قال: «فلا إذا». وذهب إلى وجوب التسوية بين الأولاد في العطية والمعاملة جمع من الفقهاء. يقول ابن القيم: «ومن العجب أن يحمل قوله (اعدلوا بين أولادكم) على غير الوجوب، وهو أمر مطلق مؤكد ثلاث مرات، وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور، وأنه لا يصلح، وأنه ليس بحق وما بعد الحق إلا الباطل، هذا والعدل واجب في كل حال، فلو كان الأمر به مطلقاً لوجب حمله على الوجوب، فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه فتأملها في القصة». وقال ابن قدامة: «.. .. وهو دليل (أي عدم العدل) على التحريم، لأنه سماه جوراً، وأمر برده، وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها». واختلفوا في صفة التسوية:- فذهب الثوري، وابن المبارك، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي إلى التسوية بين الأولاد، فيعطى الذكر مثل الأنثى تماماً، قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل. وذهب آخرون إلى أن للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا أن القول الأول هو الراجح، لقوة أدلته التي منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم» ولفظ الولد يشمل الذكور والإناث. ولم يذكر المترجمون لبشير والد النعمان ولداً غير النعمان، وذكروا له بنتاً أسمها أبية بالموحدة تصغير أبي، مما يؤكد وجوب العدل بين البنت والولد في العطية، حيث رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عطية بشير حين أعطى ابنه النعمان ولم يعط أبية مثلها. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم علّل العدل بين الأولاد بقوله: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء» فقال: فسو بينهم، والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها. ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة. ويروى عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحدًا لفضلت النساء».إن المتأمل لأحوال بعض الأولياء يرى الظلم الواقع على البنات، فالعقار والسيارات وكثيراً من الأرصدة والأموال يُسجل بأسماء الأبناء في تغييب لحق البنات. أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن أنس بن مالك أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له، فأخذه فقبله، واجلسه في حجره، ثم جاءت بنية له، فأخذها فأجلسها إلى جنبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فما عدلت بينهم» فانظر إلى روعة الدين حين أمر رسول الله الرجل بالعدل في القبل لأطفال لم يميزوا بعد، فكيف بمن ميز وأدرك. * داعية وأكاديمية سعودية. [email protected]