يرى علماء النَّفس أنَّه لكي يكون الإنسان سويًّا في حياته لابدَّ من شرط هام، وهو أن ينشأ محاطًا بمشاعر الحب، والاهتمام، والاحترام، والتقدير، والقبول، أمَّا الطفل الذي ينشأ في بيئة تشعره بالنبذ، والرفض، وبأنَّه غير مقبول، أو محبوب، فهذا الطفل يتصرَّف إمَّا بالعدوانيَّة والعنف، أو بالانطواء والعزلة عن غيره من الأطفال. يقول الدكتور صلاح الراشد: يصعب تخيُّل أمَّة منتجة وهي مليئة بالمشكلات، والاضطرابات النفسيَّة، الشخصيَّة السويَّة وحدها الشخصيَّة المستمرة بالإنتاج والإبداع. أكيد أنَّنا لا نستطيع أن نغيِّر الأحداث التي وقعت في الماضي، وكذلك لن نستطيع أن نغير من ردود أفعال الناس من حولنا في العمل، أو في البيئة، أو في أي مكان نتعامل فيه مع بشر، لكن المؤكَّد أنَّنا نستطيع أن نختار الطريقة المناسبة التي نعيش بها بين الناس، وكذلك نستطيع أن نختار اتجاه تفكيرنا، ونتحكَّم فيه. فالعلاقة السويَّة تتميَّز بأنها علاقة دينامكيَّة حركيَّة وليست استايتكيَّة جامدة، بمعنى أن كلَّ طرف يراعي ويحترم احتياجات الطرف الآخر في الأوقات المختلفة، ويكون جاهزًا للتعامل معها بالقدر المطلوب، وبشكل يقظ ونشط. فكثير من الناس يخطئون حين يحاولون إقامة العلاقات مع الآخرين بشكل ثابت، أو بأسلوب لا يتغيَّر. يقول الله تعالى، في وصف العلاقة السويَّة بين الزوجين (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، فالسكن إليها يعني أنَّه كانت هناك حركة سابقة بعيدة عنها، والمودة تعبِّر عن كلِّ معاني الحب والقرب في حالة الرضا. والرحمة، والتسامح، والتغاضي في حالة الاختلاف.. وتيقن أنَّ كلَّ مَن تعاملهم من أخٍ، أو ابنٍ، أو زوجةٍ، أو قريبٍ، أو صديقٍ، أو زميلٍ لا يخلونَّ من العيوب، فأقبل الناس على ما هم عليه، وسامح ما يبدر منهم، وأعلم أنَّ هذه سُنَّة اللهِ في الناس، وفي الحياة. أن أكثر الأخطاء شيوعًا في تعاملنا مع الآخرين، والسبب الأوَّل في فشل الكثير منَّا في إقامة علاقة طيِّبة مع الغير، هو في مطالبتنا الآخر أن يكون كما نحب نحن، لا كما هو.. ومن الأهميَّة أن ندرك أن للآخر كيانًا مستقلاً، له الحق في الاحتفاظ به، ومن حقِّه كذلك أن نعامله كما هو دون أن نحاول تغييره، أو المساس بذاته. فعلينا تبادل وجهات النظر، ومواجهة مشكلاتنا مع الآخرين، وعدم تحقير الغير، ونستمع أكثر ممَّا نتكلَّم، ونبتسم أكثر ممَّا نتجهَّم، ونضحك مع الآخرين، ولا نخرج عن حدود اللياقة والأدب العام. وأخيرًا تقبّل النقد ولا نتأثر سلبيًّا، فالنقد النافع يعلِّم العطاء والسخاء، ولا نحمل كل نقد يوجه إلينا على أنَّه عداوة، بل نستفد منه بغض النظر عن مقصد صاحبه، فإنَّنا إلى التقويم أحوج منه للمدح. [email protected]