أكتب لكم اليوم عن جلسات النم والإحباط والتحقير والتشويه.. جلسات لا تعرف شيئا تفعله سوى تصدير السذاجة للجيل القادم.. أفراد من البؤساء ارتفع لديهم سعر أدوية الغياب عن الواقع.. تستعمل السيوف والألسن «لتلطيخ سمعة المسؤول والناجح» ويهدر دم الإنسان الغائب فيها ويؤكل لحمه وتطحن عظامه في طواحين تبلغ الكرامة والشرف ولا تحصد إلا الهواء، بل وتصل القسوة فيها على عباد الله إلى حد استعمال الأظافر والسكاكين والأحذية!! هذه الجلسات أقرب تصوير لها أنها أصبحت «كالحاويات الفولاذية» الكبيرة التي يتركها السائقون في عرض الطريق تفرغ بضائعها في منتصف الشارع فتعرقل السير وتدق الأعناق.. كتبت كثيرا عن هذه الجلسات والأعضاء المشاركين فيها ممن يضربون على الدف والقتيل لم يدفن بعد، وأنا أكتب دائما عنهم لا خوفا عليهم، ولكن خوفا منهم فالجرعات العالية من الإحباط التي يذيبونها في وريد الوطن أصبحت تصل إلى أبنائنا وأحفادنا جيل المستقبل وبشكل عشوائي ومكثف ممزوجا بالكذب والتجلط الإنساني والذي لا ينتج عنه في النهاية سوى اعتلال هذا النشء والتأثير السلبي عليه، فالنقد مادة حساسة جدا وقاتلة كأفلام التصوير لا بد وأن نطبع عليها تفاصيل حياتنا الحقيقية.. فان كنا صادقين مؤمنين بما نقول كانت الصور المعلقة على جدران حجرات أبنائنا صورا ناطقة مشرقة تبث فيهم الحياة والروح والعزيمة على العمل ومواجهة الحياة وحب الأرض، وإذا كنا غير ذلك احترقت الصورة.. ولا شك أنه من حق الأجيال القادمة أن نلتقط لها صورا جميلة عن هذه الأيام.. صور قابلة للتكبير فالإضاءة جيدة والرؤية واسعة والعدسات نظيفة لامعة ومن في عينه قذى فله حق العلاج، وحتى لا يساء الفهم فإنني لا أدعو هنا إلى تعلم السحر واخراج العصافير من القبعة وتحويل النحاس إلى ذهب وإنما أحاول فقط أن أذكر أننا قد نكون من الشعوب التي ضنت بكلمة الشكر والتقدير وإظهار الحقيقة وأسرفت في الانتقاد وتناست أن النقد الدائم كالحمام الزاجل يعود دائما الى مصدره.. فحبة العنب في الأساس تكوينها حلوة المذاق وكل الحموضة فيها هي حموضة الانسان الذي لم يتعلم فن الغرس وأصول الري.. أتحدث هنا عن ظاهرة سلوكية صبيانية دفنتها شعوب عديدة وتعلمت عوضا عنها معنى الحضارة.. كيف تنقد ومتى تنقد وكيف تشكر ومتى تشكر.. ومكثت هذه المجالس والمجموعات واستمرت في البحث عن الثقوب الصغيرة في ثياب الآخرين بحيث أصبح شبابنا الذين يزرعون الطرقات في عرباتهم الفارهة يطارد كل منهم الآخر يبحثون عن معنى للنهار أن يصدقوا حكاوي وأقاويل هذه المجالس بل وفوضوا القرن الواحد والعشرين ليكون زمن التقدم لغيرهم.. فلا جدوى مع المستحيل.. اليس هذا ما يردده الكبار!!.. يحدث كل هذا العبث في الوقت الذي تعلن فيه الأمم لأجيالها ضرورة امتلاك الشاب بناصية المهارات المتعددة ليجد لنفسه فرصة التنفس في هواء هذا الزمن الصعب.. فدعونا يا سادة نصنع الابتسامة على شفاه كل من يحمل فوق جبينه حبة عرق.. دعونا نعط لأطفالنا أزهارا وفراشات وأكواز ذرة وفطائر محشوة بعسل المستقبل.. دعونا نعلم الجيل القادم كيف يشكر وكيف يحمد وكيف يحب وطنه وكيف يختار.. فقد نسينا في زحمة النقد المكثف اننا قد نساهم في خلق جيل يمارس وببراعة يحسد عليها فن احتقار الحياة.. تعالوا نؤكد لهذا الشاب أن المستقبل لا يعتدل لإنسان دون أن يطهو المستقبل على نار الاصرار والترصد والثقة ودراسة الظروف المحيطة به وبالمجتمع، ومعرفة ماذا يحتاج العالم من مواهب ثم التقدم الى الامام برمح التحدي والثقة بالنفس.. فالمواطن الحقيقي يا سادة ليس من يحمل بطاقة الاحوال بل هو الذي يسافر في اتجاه الانسان السعودي ويذوب في رمال الوطن، لقد أطلق البعض على هذه الجلسات المريضة التي لا تستطيع أن تتقبل نجاح الآخرين بهدوء والتعامل مع الناجحين باحترام.. مسمى «سارقو الطاقة»، آخرون أطلقوا عليهم «لصوص هذا الزمن»، والاثنان محقون في التسمية لأن اللص ليس فقط من يسلب عابر السبيل أو ينهب بنكا أو بيتا، بل هو أيضا من يقتل حلمك ويحبطك ويسرق منك الأمل !!.