لم يعد الشأن الرياضي حكراً على دائرته التقليدية الضيقة، بات شأناً عاماً بطول وعرض خارطة الوطن السعودي الطاهر. من دلائل هذه الحقيقة تداول المسألة الرياضية في معظم المجالس والصالونات والأحاديث الاجتماعية، ليس فقط فيما يتعلق بعوالم كرة القدم، وإنما بقيمة وأهمية الرياضة للفرد والمجتمع. باتت هذه الأحاديث تقيم ما تقدمه المؤسسة الرياضية لرياضة المجتمع، وما يجب وما ينتظر وما لم تفعله، تتحدث عن فوائد الرياضة الصحية والنفسية والترويحية، وتستعرض أحوال الرياضة في المدرسة والمنهج المدرسي، وفضائحية لجوء المجتمع إلى الدوران حول سور مستشفى أو ملعب أو دائرة حكومية لممارسة أقل أنواع الر ياضة اشتراطاً في توافر ظروف ممارستها (المشي) وهي تأكيد على غياب المكان الرياضي المناسب ليمارس فيها (المجتمع) حاجاته الرياضية الضرورية. يسأل المجتمع في أحاديثه وحواراته: هل تعود الرياضة المدرسية إلى المدرسة التي وئدت الرياضة فيها في ظل نواميس تيار الوصاية الصحوي المختطف والمهندس للمدرسة السعودية (مع الأسف). هل تدب الحياة والرياضة في المدرسة السعودية في ظل المشروع الإصلاحي الوطني الذي يقوده الملك التاريخي عبدالله بن عبدالعزيز. تسأل المجالس العامة، المملوءة بعلقيات وأفكار ناضجة هي من منتجات ورشة التنمية السعودية التي نشرت ورعت العلم والتعليم والمعارف: ماذا عن رياضة الطفل والكبار والنساء.. في ظل هيمنة رأسمالية التجارة الرياضية الجشعة التي يخشى المجتمع تشكل ديناصورها من قمقم كرة الاحتراف التي يهيمن على مصيرها التجار والأميون والمنتفعون والسماسرة ودكاكين الباحثين عن المال ولا غير المال، ولا دخل لهم برسالة الرياضة ومبادئها وسمو قيمها، أولئك الذين يختزنون الرياضة في كرة تبيض ذهباً وغنائم. تتساءل مجالس السعوديين الرياضية عن الذي تقدمه الكرة المصرية، وكرة الإمارات الشابة، والكرة التي تلعبها أندية الكرة العولمية الراهنة برشلونة والأرسنال وتشلسي، وتصريحات نادي أبها الذي يخطف لاعبوه غصباً ويؤكد مستغيثاً أن الأسماك الكبيرة تأكل السمك الصغير! ويستفسر هؤلاء السعوديون عن القدرات العلمية التخصصية لمن يدير منتخب الكرة أم أن أية مدرس ولاعب وصديق محبوب يمكن أن يدير فريق كرة وطن وأمانة اتحاد رياضي وقناة وصحيفة رياضية وإدارة ناد رياضي اجتماعي ثقافي. طبعاً.. الحديث عن هيئة دوري المحترفين.. هي المادة الدسمة للمتخصصين في علوم الإدارة والمالية والمحاسبة والقانون والتسويق من رواد المجالس العامة.. التي صار فيها للشأن الرياضي حضور لا يمل من الاتساع.. والتوسع. للتأكد من كل ذلك تابع - أيها الرياضي - ما يكتب عن المسألة الرياضية في مقالات الصحف السعودية خارج صفحات الكرة بأقلام الأكاديميين والمثقفين والمفكرين والمهتمين بقضايا المجتمع المدني. إذاً.. على حراس الرياضة التقليدية الاعتراف بحقيقة الراهن، وليشرعوا النوافذ والأبواب والقلوب والعقول.. لكل المجتمع وكفاءاته أن يشاركهم واجب العمل في ميدان هو للجميع أولاً وأخيراً.. بل هو صاحب الحق الأهم في صناعة قراره الرياضي وهندسة واقعه الرياضي.. لأن كينونة الرياضة تعترض ذلك، بل وتوجبه.. كما هو في كل العالم.. العالم كله. بداية خطوات العمل الشروع سريعاً في تأسيس حوار وطني.. يتداول فيه كامل خريطة الوطن السعودي همومهم وأحلامهم الرياضية، ممارسة وترفيها وحفاظاً على حقوقهم وواجباتهم وحماية لثروة وطنية هي ملك للوطن.. وحده. *** سألت طالبة صغيرة في المراحل الأولى من الابتدائية الأمير خالد الفيصل أمير مكة: لماذا الأولاد فقط.. هم من يلعبون، وعندهم ملاعب رياضية، بينما.. نحن البنات.. لا نملك شيئاً من ذلك؟!. حدث ذلك في ورشة العمل الأولى للتنمية الرياضية في منطقة مكة حيث سألت الطالبة الطفلة الأمير المؤسس لرياضة التنمية السعودية الحديثة خالد الفيصل: الأولاد لهم ملاعب في مدارسهم.. وأحنا البنات ما عندنا..! أجابها الأمير الريادي والحاكم الإداري المتميز بأنه.. يتمنى أن يرى ملاعب رياضية للفتيات داخل المدارس الخاصة بتعليم البنات. صحيفة (الحياة) التي نشرت هذا الحدث التاريخي في صدر صفحتها الأولى مشيرة إلى أن الأمير أشار إلى أن هذا الأمر إن تم فيسنفذ بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووفقاً لضوابط وآليات تراعي الخصوصية التي تحظى بها المرأة في هذه البلاد. لافتاً إلى أنه سيسعى إلى تحقيق ذلك. الصحيفة أشارت إلى أن أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل كشف عن أمنيته أن يرى ملاعب رياضية للفتيات داخل مدارس البنات. *** أوضحت نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون الطالبات نورة الفايز لصحيفة (عكاظ) أنها ليست ضد ممارسة الرياضة في مدارس البنات، مشددة على أنها لم تطرح لوسائل الإعلام بتأجيلها. تصحيح الدكتورة الفايز جاء سريعاً، نتيجة ما نشر في إحدى الصحف عما فسر أنه موقف ضدي من قبل المسؤولة عن تعليم البنات والمتعلق ب(ادخال التربية البدنية) لمدارس البنات في المملكة وأن ذلك.. لم يأت آوانه بعد..! العجيب، والمثير للتساؤل.. شيوع مثل هذه المعلومة المغلوطة والمفبركة والمنحازة لموقف تقليدي متزمت يرفض الرياضة جملة وتفصيلاً، للذكور والإناث.. ولا يرى للرياضة أية قيمة للفرد والمجتمع، وليس فيها نفع ولا ضرورة ولا حاجة لبدن وصحة ونفسية ولياقة المخلوق البشري في ظل نمطه الحياتي المعاصر. وهذا الموقف - بالمناسبة - متحمس جداً لتعطيل دخول النشاط الرياضي لمدرسة البنات ويرفض أية ممارسة نسوية للرياضة في طول وعرض المجتمع السعودي، وربما لو كان له من السطوة والسلطة والوصاية لمنع ووأد الرياضة الذكورية التي يرى أنها هدر للجهد والمال وإسقاط لمروءة الراشد المسلم.. وأصحاب هذه الموقف الوصي هي أتباع تيار صحوي وافد يرى أن رأيه هو وحده الرأي الصحيح، فهو مثلاً بالأمس هاج وماج في بث وصايته على المجتمع في تحريم الدش وقبله التلفزيون، والجوال وقبله التلفون.. ويحفظ أرشيف (الكاسيت الوعظي) ما يؤكد أن كثيراً من مواقف الوصاية الأبوية التي تحتكر الرأي الصواب الوحيد.. لم تكن في محلها، ولا تعبر عن رأي الإسلام القرآني المنزل على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إنما هو في كثير من جوانبه إما خوارجي النزعة أو من أدبيات ومناهج أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي والحركي والقبلي المعتمد في كثير من أطروحاته على أحاديث مكذوبة وموضوعة وضعيفة وغريبة، تخالف جوهر القرآن وسنة رسوله وسيرة خلفائه الراشدين، وتستغل عدم دراية وإلمام العامة بالثابت والموثوق من الأحاديث النبوية الشريفة، مستغلة ثقة المسلم بأخيه المسلم أن يحدثه صدقاً، وأن يكون أميناً في علمه ورأيه وبذله لجهد البحث والمعرفة قدر استطاعته. سأعود في حديث قادم، حول هذه المسألة في تفنيد لآراء وأطروحات يروجها كثير من الرافضين للرياضة على أنها (موقف ديني) فيما هي في الحقيقة موقف (عادات وتقاليد).. وإلا فإن الرياضة لم تجد اهتماماً ورعاية وإدراكا لقيمتها وأهميتها للفرد والمجتمع في أية مجتمع في تاريخ الإنسانية.. أكثر مما وجدته في رحاب روضة الإسلام. رحم الله الإمام الشافعي الذي تباهى وتفاخر بممارسته للرياضة حينما جعلها (نعمة) قرنها ب(نعمة).. العلم. ويكفي أن ندرك أن الإمام المرجعي العظيم ابن القيم قد عرّف (الرياضة) كمصطلح قبل أن يعرفها علم الرياضة الحديث بألف عام، بل لعله من أوائل من استخدم كلمة (الرياضة) في مخزون اللغة العربية.. والملم بالسيرة النبوية الشريفة وحياة الخلفاء الراشدين من بعده سيكتشف مدى العناية والاهتمام بالرياضة كقيمة وضرورة لبدن وصحة ونشاط الفرد وعافية وإخاء المجتمع. *** تقول مديرة إدارة النشاط للبنات في وزارة التربية والتعليم: إنها (مصرة) على عدم بحث.. مسألة إدخال التربية البدنية في مدرسة البنات كمنهج وممارسة. المديرة المسؤولة عن النشاط الأنثوي في أكبر قطاع نسائي في البلاد ترى أن (الرياضة.. لا تتناسب مع طبيعة الفتيات) وأيضاً (لا تجد أية أهمية لممارسة الطالبات للرياضة).. وكذلك تنبه إلى (المحاذير التي قد تقع من ممارسة الرياضة البدنية للفتيات متعددة ومختلفة، وأهم تلك المحاذير إنما يقع في الجانب الشرعي بتجاوزات (مؤكدة) في طبيعة ما سترتديه الطالبات من زي رياضي!). مديرة النشاط أكدت (كافة اللوائح والأنظمة والتعاميم لوزارة التربية والتعليم تنص على منع الرياضة البدنية بالنسبة للفتيات!). في نفس هذا التحقيق الصحفي الذي قامت به الصحفية هدى الصالح ورد رأي لمدير الإشراف التربوي بجدة هو رأي مخالف وأكثر إدراكا ووعيا بقيمة النشاط الحركي في مدرسة البنات بما يعود نفعه على صحة وبدن ونفسية الطالبة حيث أشارت إلى (ضرورة إخراج الطالبة لطاقاتها من خلال الرياضة لتفادي سلوكيات منهي عنها شرعاً). (إن اعتماد التربية البدنية في مدارس البنات لن يتضارب مع الشريعة الإسلامية من خلال اعتماد تمارين تراعي الطبيعة الأنثوية للفتاة إلى جانب الحرص على الزي الشرعي الذي يحفظ عورة المرأة أمام المرأة). مدير النشاط التربوي بجدة أكدت على أهمية الرياضة للفتيات في كافة المراحل المدرسية وتخصيص صالات رياضة لذلك.ما قرأتموه في السطور السابقة.. نشر (قبل عامين) في جريدة الشرق الأوسط في عددها رقم 10410 (1428ه). لذا، أسأل: هل ما زال النشاط التربوي للبنات في وزارة التربية والتعليم يدار بمثل هذا (الموقف) و(المنهج) وأخشى أن أقول (المنهاج).. الواضح رفضه للرياضة وعدم إدراكه لما في الرياضة من قيمة وحاجة ثقافية وتربوية وصحية ونفسية ولياقية وقيم ومبادئ منظورة وغير منظورة كشيوع روح الجماعة والتسامح والتعاون والتآلف واحترام الاختلاف واحترام النظام وبذل الجهد في العمل والعطاء وامتلاك صفة الانضباط ونبذ الأنا الفردية... الخ. لدى كثير، ولكن أكتفي بإكمال التساؤل: هل ما زال الحال على ما هو عليه في إدارة النشاط التربوي في وزارة التربية والتعليم؟! أتمنى ألا يكون كذلك.. وبالذات أن وطننا الطاهر يعيش غمرة الفرح من فك التعليم السعودي من كربته التي جثمت على صدره وعقله ونتاجه.. لدرجة الاختطافية. نعم نعيش فرحة مرحلة الإصلاح الوطني الذي يقوده قائدنا التاريخي الإصلاحي عبدالله بن عبدالعزيز الذي نسأل الله أن يوفقه ويعينه وأن تشمل إصلاحاته الشأن الرياضي والشبابي في المملكة في مختلف القطاعات الذي آن أوان تصحيح أوضاعه ومده بدفعة قوية تعينه على تحقيق نهضة رياضية تليق بما تحقق لوطننا السعودي الزاهر من مكانة ورفعة.