الدمام حبيب محمود باحثة اجتماعية ترصد نظرة التربويين للمشكلة وتستخلص 24 حلاً في أطروحة ماجستير. خبرات الدول المجاورة قابلة للإحلال بعد مواءمتها مع تقاليد المجتمع. بإمكان مدارس البنات بناء بيئة رياضية في محيطها بعد تجهيزها. «الخصوصية» هي العائق الأكبر.. ومفتاح الاستغلال التجاري في المشاغل والفنادق. 8 % فقط من النساء يمارسن الرياضة.. والسبب عدم وجود بيئة مناسبة. 94 % يؤيدون رياضة البنات و83% يطالبون بحصص خاصة في المدارس. يتذكّر السعوديون، جيداً، سُقوط لاعبة رياضة الجودو السعودية وجدان شهرخاني في أولمبياد لندن 2012. رغم هزيمتها؛ ركزت وجدان شهرخاني على حجابها حين سقطت في الملعب (أرشيف الشرق) يتذكّرون أنه كان سُقوط هزيمة. لكنهم يتذكّرون، أكثر، تركيز الرياضية المهزومة على شيء واحد بمجرد ارتطام جسدها بالأرض.. كانت مهتمّة، إلى أقصى مدى، بأن لا يسقط حجابها وينكشف شعرها أمام ملايين من متابعي الأولمبياد الدوليّ. كان مشهداً درامياً لرياضية كانت تطمح إلى عملٍ عالمي يرتبط باسمها واسم بلدها. والأكثر درامية وتأثيراً هو أن تُحافظ على صورة الفتاة السعودية. ويُمكن إسقاط ذلك المشهد الذي انتبه إليه الملايين على صورة الرياضة النسائية في المملكة العربية السعودية على وجه عام. فالمجتمع السعودي كان مندهشاً بوصول سعوديات إلى منافسات دولية. وفي الوقت نفسه؛ كان متحفظاً وقلقاً على «الصورة» التي يُمكن أن تظهر عليها أي سعودية في محفل دولي مفتوح على كاميرات التصوير والبث والتوثيق..! صورة الداخل في جدة تمارس النساء رياضة المشي (تصوير: سعود المولد) في الداخل السعودي تنطبق الصورة نفسها تقريباً. يندهش الناس من امرأة تُمارس الرياضة، ويتساءَل أيضاً كيف يبدو شكلها؟ وأين تمارس الرياضة؟ وكيف؟ وكيف ستكون نظرة الآخرين إليها..؟ هذه الأسئلة يسألها الأب والأخ والزوج والابن.. وتسألها المرأة نفسها التي تتوق إلى ممارسة رياضة وتُحاصر بهذه الأسيجة الاجتماعية المتوارثة. وفي شهر جمادى الآخرة الماضي؛ خلصت أطروحة ماجستير في علم الاجتماع إلى هذه الحقيقة، عبر باحثة سعودية هي مريم دجين الكعبيّ. الأطروحة خرجت من كلية الآداب في جامعة الملك سعود، وناقشها ثلاثة من أكاديميي قسم الدراسات الاجتماعية. وبقدر ما قدّمت الأطروحة إجابات من ميدان البحث؛ فإنها أثارت أسئلة عميقة جداً حول معضلة الرياضة النسائية في المملكة، بوصفها «حاجة ملحّة» من جهة، و«شكلاً غريباً» في النظرة الاجتماعية من جهة أخرى. 24 توصية خلُصت الأطروحة إلى تحديد 24 توصية تمثّل الأدوار المطلوبة لتحويل الرياضة النسائية إلى حقيقة واقعة على الأرض، وضمنَ صورة مقبولة اجتماعياً. سبع من التوصيات موجهة إلى المجتمع ومؤسساته. وعشر منها موجهة إلى وزارة التربية والتعليم. وسبع أخرى موجهة إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب. وعبر هذه المنظومة من التوصيات يمكن حسب الباحثة بناء صورة إيجابية عن رياضة النساء، بحيث يحصلن على هذا الحق الطبيعي من دون ترك آثارٍ سلبية على صعيد النظرة الاجتماعية. الجمهور يقرّر سارة عطار رفعت علم وطنها في المونديال ميدانياً؛ اعتمدت الدراسة على 312 فرداً من العاملين في سلك التربية والتعليم، نسبة الذكور منهم 52.3%، و75.4% من الإجمالي دون سن الأربعين، و81.9% منهم متزوجون ومتزوجات. وغالبيتهم يحصلون على دخول شهرية تُراوح بين 6 و 12 ألف ريال. ومن الناحية التعليمية يحمل 83.5% شهادة البكالوريوس، في حين إن غالبية أفراد عينة الدراسة يعملون ويعملن في المرحلة الابتدائية إذ مثلوا ما نسبته (34.6%). هذه القاعدة الميدانية ذات الغالبية الذكورية والمتعلمة والمنتمية إلى الطبقة الوسطى؛ قرّرت نتائج إيجابية جداً لصالح تأييد ممارسة المرأة للرياضة، فهناك 73.5% من كل المشمولين باستطلاع الرأي يؤيدون ممارسة المرأة للرياضة، وقالوا «نعم»، في حين قال 20.6% منهم «نعم إلى حدّ ما»، وهذا ما يعني أن 94% يؤيدون، مقابل 5% يعترضون. وتبقّى من الإجمالي 1% قالت الباحثة إن بياناتهم مفقودة. وجاء هذا التأييد على الرغم من أن 44.9% منهم قالوا إنهم يمارسون الرياضة «إلى حدّ ما». وقال 35.2% منهم إنهم يمارسونها ثلاثة أيام في الأسبوع. لكن النتيجة الغريبة تركزت في النساء التي رصدت الدراسة الميدانية أن نسبة من يمارسن الرياضة لا تتجاوز 8% فقط. صورة اجتماعية هذه النتائج الإجمالية تتجه إلى البحث في التفاصيل الصغيرة، وترى الباحثة أن «بعض العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع تؤثر في ممارسة المرأة للرياضة»، وحسب معطيات الميدان فإن هناك حالة من عدم التوافق بين ممارسة المرأة للرياضة والعادات والتقاليد، ولا تتناسب مع خصوصية المجتمع السعودي»، بل إن هناك من يرى «الرياضة النسائية من الأمور الدخيلة على المجتمع، بوصفه سلوكاً يخدش الحياء أو سلوكاً رجولياً». ومنبع ذلك هو أن القيم الدينية مثلت أبرز القيم الثقافية المؤثرة في ممارسة المرأة للرياضة، على الرغم من أن غالبية عينة الدراسة يرون أن ممارسة الرياضة حق للمرأة، ولكنهم يختلفون في إن كان منع المرأة من هذا الحق يعد تمييزاً ضد المرأة أم لا. كما أن لقيم الصحة والجمال والرشاقة تأثيراً. هذه النظرة موجودة بسبب «المظهر العام»، لأن الباحثة رصدت عناصر في التنشئة الاجتماعية، من بينها أن الأسرة يظهر تأثيرها في ممارسة المرأة من خلال توفير اشتراكات في أندية نسائية رياضية» وهذا يعني أن الأندية النسائية الخاصة أماكن مناسبة. ومع ذلك فإن القيود الاجتماعية وزيادة عدد الأطفال وانخفاض المستوى التعليمي والالتزامات المادية للأسرة.. جميعها محددات اجتماعية أثرت بشكل سلبي في ممارسة المرأة للرياضة في المجتمع السعودي. حصة رياضة العدّاءة سارة عطار شاركت أيضاً في أولمبياد 2012 وللخروج من مشكلة المظهر العام؛ لابدّ من بناء صورة عامة على مدى سنوات. المجتمع حتى الآن يتوقع من المرأة تلبية احتياجات الأسرة، وهذا التوقع يؤثر في ممارستها الرياضة. وبناء الصورة يبدأ بسلسلة من الإجراءات من بينها استحداث حصص لرياضة البنات، وهذا ما قالته غالبية أفراد عينة الدراسة مؤيدة استحداث حصة لرياضة البنات. وقالت الدراسة إن «غياب حصة الرياضة البدنية، وعدم وجود سلوك واقعي لممارسة الرياضة، وعدم الاهتمام بالنشاط الرياضي، وتكريس بعض المواد الدراسية للدور التقليدي للمرأة داخل المدارس.. جميعها محددات اجتماعية أثرت بشكل سلبي في الموضوع». إحصائياً؛ يرى ذلك 83.2%، ويعترض 11.3%، و5.6% قالوا إنهم لا يدرون. علاوة على ذلك يقرر 81% ضرورة لدعم الرياضة النسائية رسمياً وشعبياً، ويقابلهم 11.2% لا يرون ذلك، و7.8% قالوا «لا ندري». في الوقت ذاته تخوّفت الدراسة حسب عيناتها من المستلزمات الرياضية كالملابس والأحذية التي قد تفرضها المدارس، واعتبروها معوقات مادية لبعض الطالبات، وقد تؤثر في استحداث حصة لرياضة البنات. كما أن الأعباء الوظيفية لبعض المعلمات، والمقولة المنتشرة حول عدم أهمية حصة الرياضة في مدارس البنين، وعدم الحاجة لممارسة الطالبات للرياضة داخل المدارس، جميعها محددات اجتماعية لها تأثيرات سلبية في ذلك أيضاً. خذلان رسمي وشعبي ومن البديهي أن تُبرز الدراسة أهمية الرياضة لحياة المرأة، صحياً ونفسياً. وحسب عينة الدراسة فإن 90.9% أكدوا ذلك، مقابل 6.5% نفوا، و 2.5% امتنعوا عن إبداء الرأي. يُضاف إلى ذلك 94.4% يرون أن «الرياضة مهمة للمرأة»، مقابل4.9% يرون عكس ذلك. وتُشرك الباحثة الجانبين الرسمي والشعبي في مسؤولية انتشار مشكلة عدم وجود رياضات نسائية. وترى أن «قلة الدعم الرسمي والمجتمعي، وأسلوب الحياة اليومي، ونظرة أفراد المجتمع السلبية للمرأة الرياضية، وعدم فعالية المشاركات الدولية، وغياب الاهتمام الرسمي من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وعدم اهتمام أفراد المجتمع بالإنجازات الرياضية للمرأة السعودية.. جميعها محددات اجتماعية للواقع الفعلي للرياضة النسائية في المجتمع وهو ما يؤثر بشكل سلبي في ممارسة المرأة للرياضة». وترى أن «توفير الدولة لأندية نسائية سوف يُسهم في إقبال النساء على ممارسة الرياضة، وأن توفر المال والمواصلات، وزيادة الإعلانات الدعائية للمنتجات الرياضية، جميعها محددات اجتماعية قد تؤثر (في حال توفرها) بشكل إيجابي على ممارسة المرأة للرياضة في المجتمع السعودي». ولكن الدراسة ترصد شروطاً اجتماعية على ذلك، إذ إن 94.4% يرون أن من الواجب أن تمارس المرأة الرياضة وفقاً للضوابط الشرعية، مقابل 2.5% يرفضون، و1.3% لا يدرون. توصيات عامة: * إجراء مزيد من الدراسات حول المحددات الثقافية والاجتماعية المؤثرة في ممارسة المرأة للرياضة في المجتمع السعودي. نشر الوعي الرياضي بين فتيات وسيدات المجتمع، عن طريق الإذاعة والتليفزيون والرسائل النصية، وبرامج التواصل الاجتماعي. * الحد من انتشار المراكز الرياضية الملحقة بالمشاغل النسائية والمستوصفات الأهلية، التي غالباً ما يكون هدفها الكسب المادي فقط على حساب نوعية الخدمة التي تقدمها. * دعم الإنجازات الرياضية للمرأة السعودية من خلال إجراء المقابلات الرسمية للرياضيات السعوديات في القنوات السعودية الرسمية. * إعداد أماكن في الحدائق العامة وعلى الشواطئ، بها أجهزة رياضية ومعدات وأدوات ترويحية. * فتح أقسام للتربية البدنية في جامعات المملكة للفتيات. * تعاون القطاعات والشركات الكبرى في المجتمع، للمساهمة مع القطاعات الحكومية ذات العلاقة، في الدعم المادي (المباني، المعدات، التجهيزيات)، والمعنوي (تكثيف التوعية بأهمية الرياضة النسائية). شعار وزارة التربية والتعليم وزارة التربية والتعليم: * إقرار حصة الرياضة داخل مدارس التعليم العام بنات. * توفير ملاعب للطالبات داخل المدارس الحكومية. * تضمين مادة التربية البدنية في المنهج الدراسي في كافة المراحل التعليمية. * اعتماد نشاط رياضي غير صفي في المدارس. * توفير ميزانية كافية للنشاط الرياضي في مراحل التعليم. * إعداد المدارس لتكون بيئة محيطة تمكن الفتيات والسيدات من ممارسة النشاط الرياضي دون أي تكلفة بعد الدوام مع توفير المشرفات المتخصصات. * استقطاب كوادر نسائية وطنية مؤهلة لتدريس مادة التربية البدنية، وتدريب غير المؤهلات. * التعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب بإنشاء أندية تربوية رياضية. * التعاون مع وزارة الصحة لنشر الوعي الصحي حول أهمية الرياضة. * تعزيز القيم التربوية للرياضة. شعار رعاية الشباب رئاسة رعاية الشباب: * فتح أقسام نسائية في مكاتب الرئاسة في مناطق المملكة. * الاستفادة من تجارب الدول المجاورة فيما يخص تدعيم دور المرأة في المجال الرياضي. * الاستفادة من بعض المنشآت الرياضية الموجودة لدى الرئاسة، وتخصيصها لممارسة المرأة للرياضة، إلى أن يتم إنشاء أندية وملاعب خاصة بالمرأة. * إنشاء أندية رياضية نسائية متكاملة الخدمات، تحفظ الخصوصية للمرأة السعودية. * دعم الأندية بكوادر نسائية وطنية منوط بها الإشراف العام على هذه الأندية وتلبية كافة الخدمات للعضوات. * توفير ملاعب متكاملة التجهيزات للفتيات والسيدات، تخضع لرقابة الرئاسة، وبأسعار رمزية. * دعم المرأة الرياضية السعودية، وتوفير التسهيلات للمشاركات الفعلية، وفقاً للضوابط الشرعية. مريم الكعبي: * مرشدة طلابية في المرحلة الابتدائية حالياً. * اختصاصية اجتماعية في وزارة الصحة سابقاً. * ماجستير في الاجتماع جامعة الملك سعود 1434. * بكالوريوس في الاجتماع جامعة الملك عبدالعزيز 1420. * عضوة في الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية وجمعية الطفولة السعودية واللجان الإرشادية المدرسية.