شهدت وزارة الثقافة والإعلام تغييراً وزارياً في التشكيل الجزئي لمجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي، حيث حل الدكتور عبدالعزيز خوجة وزيراً للثقافة والإعلام، وهو صاحب تجربة في الوزارة ذاتها، وفي العمل الدبلوماسي وكذلك وقبل كل شيء في العمل الجامعي.. وقد تولدت لمعاليه خبرات متنوعة تصبح رصيداً جيداً له في التعامل مع الملف الإعلامي.. وبهذه المناسبة أود أن أطرح بعض الأسئلة الأساسية عن الإعلام السعودي، فقد تكون هذه الأسئلة مثار نقاش تندرج منها برامج عمل وخطط تنفيذية تصب في الارتقاء بمستوى إعلامنا على الصعيدين المحلي والدولي. 1- هل الإعلام في بلادنا وسيلة أم غاية..؟ وهناك فرق كبير في كون الإعلام غاية فيصبح لدينا تلفزيون وإذاعة وإعلام خارجي ومطبوعات.. وبين أن يكون الإعلام وسيلة نصل من خلالها إلى تحقيق أهداف كبرى في المجتمع.. وفي ظني الشخصي أن الإعلام في بعض دول العالم، بما فيها المملكة - للأسف -، هو غاية بذاته.. فيكفي أن تكون لدينا وسائل، مثل أن يكون لدينا علم ونشيد وطني ومدارس وجامعات وغير ذلك من وسائل ومظاهر الدولة.. أما أن نوظف الإعلام ليكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية فهذا شأن دول أخرى، يكون الإعلام فيها أداة من أدوات تحقيق المصالح الوطنية العليا وفق دراسات علمية وأسس منهجية.. ويمكن أن نقارن بين مدرسة (الغاية) ومدرسة (الوسيلة) في قدر المسافة التي ينظر إليها الشخص في الطريق الذي أمامه.. فمدرسة الغاية تجعل من الشخص ينظر إلى قدميه، متلمساً طريقه؛ حتى لا يتعثر في الخطوة التالية التي أمامه.. أما مدرسة الوسيلة فهي نظرة إلى نهاية الطريق وليس فقط إلى القدمين.. فهذا الشخص يستطيع أن ينظر إلى كامل الطريق من بدايته إلى نهايته. 2- هل هناك رؤية واضحة للإعلام..؟ وفي إطار السؤال السابق، يقفز أمامنا سؤال آخر عن رؤيتنا للإعلام.. هل لدينا رؤية واضحة للإعلام؟ ونعلم أن بعض مؤسساتنا المجتمعية تفتقد وجود رؤية واضحة ترشدها إلى مسارات المستقبل.. وتنير لمن يعمل في هذه المؤسسات طريقها، بحيث إن كل شخص يعرف إلى أين يذهب، وماذا سيحقق.. ومن سيرافقه، وما العقبات التي قد يجدها في طريقه؟ وإعلامنا في نظري المتواضع أنه قد يفتقد هذه الرؤية.. فليس لديه مسار واضح يتجه إليه.. ولهذا فإني أعتقد أن الإعلام يحتاج إلى خريطة طريق تنير له الطريق، وتوجهه إلى المسارات التي ينبغي أن يتجه إليها.. 3- المضمون أم الوسيلة..؟ بلا شك أن الإعلام هو وسيلة ومضمون، أو أداة ورسالة.. وتركيز جهودنا هو على المطية دون الاكتراث بالراكب.. وعلى الرغم من أهمية تطوير الأداة وتحسين الوسيلة، إلا أن المضمون والرسالة يظلان في حالة من التخبط.. فلا نعرف ما هو المضمون والمحتوى الذي ينبغي أن نكرسه في وسائلنا الإعلامية.. صحيح أن جميع وسائلنا مليئة (متروسة) بمضامين عديدة، وبموضوعات متفرقة، إلا أن هذا المضمون غير مدروس دراسة واعية؛ ففيه الغث والسمين، والجاد والهزلي، والسياسي والرياضي.. وفيه كل شيء تقريباً.. لكن السؤال المهم هو: هل نخطط - فعلاً - لهذا المضمون أم أننا فقط نملأ وسائلنا بأي مضمون كيفما اتفق؟.. المرحلة العاجلة التي نحتاج إليها الآن هي التخطيط للمضمون، ودراسة المحتوى الذي نريده في ضوء أهدافنا الكبرى في المجتمع. 4- غياب المهنية الإعلامية؟ من الأسئلة المستمرة والضاغطة على إعلامنا هو: لماذا تغيب المهنية الإعلامية عنا..؟ ولماذا نجد المهنية الإعلامية في أماكن أخرى حولنا وبعيداً عنا وفي كثير من دول العالم؟ الإعلام هو مهنة بالدرجة الأولى.. وله قواعده ومنهجياته وطقوسه.. أما إعلام الحد الأدنى، وإعلام البيروقراطية، وإعلام ردة الفعل، فلن يثمر في بناء صورة عن مؤسساتنا السياسية والاجتماعية.. وسيظل قابعاً خلف إعلامات الدول الأخرى.. ونظل نلهث خلف إعلام مؤسسات ودول سبقناها في كل شيء، عدا الإعلام، ربما. إعلامنا يحتاج إلى قوة في المهنية الإعلامية، وينبغي أن نتدارك الأمر قبل أن ينجرف بنا التيار إلى أقصى درجات الأداء الإعلامي.. المهنية الإعلامية من شأنها أن ترفع من أدائنا إلى مستويات عليا من النجاح، أما غياب المهنية فمن شأنها أن تهبط بنا - كما هي الحال الآن - إلى مستوى متدن من تحقيق الأهداف الوطنية. 5- ماذا عن خصخصة الإعلام؟ ونعود إلى السؤال المتكرر دائماً، عبر وسائل الإعلام وعبر جلسات الشورى في السنوات الماضية: أين التحول للمؤسسات العامة؟ فقد رأى ولي الأمر من خلال تبني قرارات لجنة الإصلاح الإداري، برئاسة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، أن تحول مؤسساتنا الإعلامية إلى مؤسسات عامة هو محاولة جادة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وسائلنا.. ولهذا صفقنا ورحبنا واستبشرنا خيراً بذلك.. إلا أن هذا التفاؤل وهذا الاستبشار سرعان ما تبخر وذهب أدراج الرياح؛ لأن الوزارة غير مستعدة لهذه النقلة الكبيرة.. وهكذا تقادم الموضوع إلى أن أصبح من غبار الماضي، وأقفل عليه في أدراج مكاتب الوزارة إلى حيث لا رجعة.. وهكذا فإن الوزارة طيلة سنوات وعقود كانت تطالب بتحرير عملها من الروتين الحكومي، ولكن بعد أن أصدر ولي الأمر توجيهه في ذلك، تراجعت الوزارة عن رؤيتها في هذا الشأن. 6- هل نستطيع أن نقنع الآخرين بالرؤية المطلوبة؟ وهنا يجب أن أوضح شيئاً هو مصدر تحجج بعض القائمين على الإعلام في أن المؤسسة السياسية تريد أن يكون الإعلام بهذا القدر وبهذه المساحة. وكلما دخل شخص في حوار مع الأركان الأعلى في الإعلام يقال إن هذا هو الذي يريده (الشيوخ).. ومع مرور الوقت بدأت لا أصدق هذه الرواية وأشكك في مصداقيتها.. لأن الواقع يشير إلى غير ذلك، وسأسوق هنا ثلاثة أمثلة صارخة، أولها موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على النقل التلفزيوني المباشر لوقائع الحوار الوطني.. وللتاريخ يجب أن نوضح أن خلفية هذا القرار انطلقت من جانب مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ولم تأت من جانب أجهزة الإعلام.. وهذا يعكس بقوة رغبة الإرادة السياسية في الارتقاء بالإعلام الوطني في بلادنا.. وثانيها قرارات المقام السامي في تحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأبناء السعودية إلى مؤسسات عامة، ثم تأتي الوزارة وتضع العراقيل أمام هذا التطوير الإداري لهذه الأجهزة.. أما المثال الثالث، فهو لقطات تاريخية لا ينساها المواطن السعودي وهي تفقد الملك عبدالله لمساكن الفقراء في بعض الأحياء، وبثها بدون عمليات منتجة أو ماكياج إعلامي، وعبر وسائل وقنوات إعلامنا الوطني.. فجميع هذه الأمثلة تشير بوضوح أن القيادة العليا هي أول من يدعم تطوير الإعلام الوطني.. فهي تدرك أن الإعلام الوطني هو إعلام لكل مواطن سعودي بالدرجة الأولى، وهو إعلام لكل قضايا المجتمع بدون تفضيلات، وهو إعلام يجب أن يكون صادقاً ومعبراً عن نبض الشارع السعودي.. ولهذا فإن الاحتكام إلى القيادة السياسية سيكون من صالح الإعلام، ولا ينبغي المراهنة على تفسيرات القيادات التنفيذية في الإعلام.. نحتاج إلى رؤية إقناعية ترتكز على قواعد مهنية صرفة، تقودنا إلى الأمام، وليس إلى تفسيرات رجعية تعيدنا إلى الخلف. 7- إحباطات هائلة في الإعلام..؟ آلاف الأشخاص من موظفي الوزارة يعيشون لحظة تفاؤل سريعة عندما يأتي إليهم وزير جديد، ولكن سرعان ما يتبخر هذا التفاؤل تدريجياً، إلى أن يصل إلى مستوى كبير من الإحباطات.. وتتراكم هذه الإحباطات يوماً بعد يوم، وسنةً بعد سنة، إلى أن وصلت إلى حالة مستعصية، قد لا يمكن علاجها.. وهكذا أصبح هذا الإحباط يحتل المرتبة الأولى بين الوزارات المحبطة.. فلم أسمع يوماً أن أحد منسوبي هذه الأجهزة الإعلامية يعيش حالة انتعاش أو تفاؤل في عمله.. ودائماً نسمع عن تردٍّ في المعنويات، التي تؤثر في طبيعة العمل، وتحد من إمكانيات الأداء.. ولم أسمع إلا حالات معدودة لمنسوبي قطاعات حكومية أخرى يعبرون بصراحة عن إحباط كهذا لدى المنسوبين. وأخيراً؛ فهناك أسئلة أخرى تدور بالخاطر، ولكن لا نستطيع أن نسطرها في مثل هذا المكان، أو في مساحة محدودة من هذه الصفحة.. ومع تمنياتنا لمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة بالتوفيق في مهام عمله ومسؤولياته، فنحن نضع هذه الأسئلة الأساسية أمام معاليه، وهي في نظري كمتخصص مفترقات طرق مهمة ينبغي أن تكون حاضرة في التخطيط الإعلامي القادم.. وإجابات هذه الأسئلة ستعكس لنا عن رؤية قادمة منتظرة لإعلامنا الوطني.. المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود [email protected]