أكتب إليك من الرياض العاصمة التي جمعت أطياف سكان المملكة.. الرياض التي أحبها بلا سبب وبلا تفسير!.. أكتب إليك وأعرف إنك تتضايق بالألقاب.. لكن سأكون معك على سجيتي (فالبساط أحمدي) ! أعرف أن الكثيرين يودون قتلك.. ويكرهونك.. لكن ابن آدم جاهل ما علم.. ولو أنه يفهم لتذكر أنه خلق في كبد.. وأنه لو أوتي ملك الدنيا فإن حياته سيصيبها النكد بفقد عزيز أو مرض أو هرم.. لكنه الإنسان ما أجهله! عزيزي الفقر... أكتب إليك عن الفقر في بلادي.. لم تسمع عنه.. ولن تشاهد مثله.. فنحن أيضاً لدينا خصوصيتنا في الفقر.. هل تصدق ذلك؟! الفقر لدينا سببه اثنان... التجار.. والمواطنون على حد سواء! أعلم ذلك.. ستقول إن التجار يسعون إلى تعظيم مكاسبهم دون النظر إلى من دونهم - إلا من رحم الله - فما الجديد في ذلك؟! الجديد يا عزيزي أن المواطن الغلبان هو بإرادته من يساعد التاجر على أن يستغله ؟ ستقول لي كيف؟ ألا ترى الشركات الجديدة التي تطرح نسبة 30% من أسهمها للاكتتاب وهي تضيف بذلك ضعف رأسمالها الأساسي... ومن جيب من؟ طبعاً من جيب المواطن؟ نعم المواطن الذي يهاجم التاجر بسبب وبلا سبب.. يساعده باختياره وطوعه ويدفع من جيبه لجيب التاجر.. لم يجبره أحد على ذلك.. هو برغبته المطلقة وبكامل قواه العقلية قام بذلك مسروراً! ألا ترى أن المواطن وهو (كحيان) عفواً للتعبير الشعبي - لزوم التبسط معك - يقسط سيارة فارهة لا تتساوى مع إمكانياته المادية.. ولكنه حب المظاهر.. رغم أن الخيارات واسعة في سوق السيارات؟ ألا ترى أن المواطن يسافر وهو لا يزال مكبل بديون.. ويسافر أيضا بديون إضافية... هل رأيت شعباً مثلنا... يسافر بالدين والأقساط؟ ألا ترى المواطن وهو يسب ويلعن في البنوك ليل نهار... ثم يقرر بطوعه واختياره الاقتراض من البنك لأشياء كمالية يستطيع العيش بدونها... ستضحك.. نعم ستضحك.. لكن راجع إحصائيات مؤسسة النقد العزيزة أيضاً لترى أرقاماً مخيفة عن نسبة الاقتراض المباشر أو عن طريق بطاقات الائتمان للعام الماضي ستجدها تجاوزت المليار ريال... لماذا ؟ لا أعلم يا عزيزي.. فحالة التناقضات في مجتمعنا غريبة حتى لتكاد من غرابتها أن تصل لحد الجنون الذي لا يقبل معه أي تفسير أو تقدير للموقف! عزيزي الفقر... هل سمعت بمواطن يصنع الفقر بيديه...!.. نعم في بلادي يحدث ذلك وبخصوصية لا مثيل لها! الجميع يتحدث عن غلاء الأسعار وعن جشع التجار.. لكن لا أحد يفكر كيف يمكن أن أكسر حالة هذا الغلاء بالامتناع عن الشراء في السلع التي لا تقوم بها حياتي كإنسان... لكن المشكلة أننا أصبحنا كمجتمع استهلاكي وغير منتج لأي شيء غير قادرين العيش بالاستغناء حتى عن أتفه الأشياء البسيطة! عزيزي الفقر... كل يوم يمر يضاف إلى حسابك المكشوف قائمة جديدة من الأعزاء.. . لكن هل فكرت بنا ولو للحظة واحدة: ما الذي غير حياتنا هكذا وأصبحنا نستهلك الذي نحتاجه أو لا نحتاجه؟ نحن لا نشبه الفقراء في أي مكان بالعالم أو في أي بقعة في الكون! لا يمكن فهم الفقر في بلادي عن طريق النظريات الاقتصادية.. لأن خصوصيتنا تمنعنا عن فهم أو إدراك ما حدث من تغيرات صعبة على الطبقة الوسطى.. فبعد أن كانت طبقة متوازنة تحافظ على توازن المجتمع.. اندفعت للحاق بالطبقة الأعلى بدأت حمى اللحاق بعد أزمة الخليج الأولى - ثم وجدت نفسها بأسباب لا تفسر أبداً تتقهقر إلى الأسفل.. و لا تسألني لم؟ لأنني مثلي غيري (عايش ومستور) وخليها على الله.