حال المسُتهلك لدينا يدعو للشفقة حقاً فهو يظل يترنح ما بين ليلٍ داج ونهارٍ ساج وتجارٍ يخططون لبناء القصور والأبراج . وحتى عندما يئن ويشتكي فإن شكواه لا تبارح مقالاً يقرأ ويُنسى ، أو حملة تبدأ كبيرة ولا تلبث أن تتضاءل حتى تصبح نكتة يفرج بها عن همه . تعريف المستهلك عند التجار : هو الدجاجة التي تبيض ذهباً ولا تشيخ .. لذلك تجدهم يخططون طوال العام لمص دمه بشتى الطرق ، والميزة التي يتصف بها مصاصو الدماء من التجار هي أنهم لا ييأسون من حبك الألاعيب المتنوعة للوصول لجيب هذا المُستهلك ومن أقصر الطرق . والمصيبة أن هذه الألاعيب تنطلي حتى على الوزارة المعنية بإقصاء مثل هذا الوباء وحماية المستضعفين . المواطن الذي بات مُستهلكا بعد أن كان مٌستهلِكا يمر في مثل هذه الأيام بدورة فلكية يتحول خلالها إلى جسد بلا روح .. مزاج صعب ، و سوداوية تغشى بصره ، و كوابيس مستمرة ، والكثير من التقلبات المستعصية على كل ذي فهم . فهو ما أن ينتهي الموسم الدراسي ويعيد ترتيب نفسه بعد عام شاق مليء بالطلبات المدرسية التي تصب فوق رأسه صباً حتى يدخل في ( حدوتة صيفك معنا أحلى ) ليشد رحاله في رحلة داخلية تنفض جيبه نفضاً وتعيده تحت خط يا مولاي كما خلقتني . وتستمر الدورة بدخول شهر رمضان المبارك والغلاء المبالغ فيه الذي يصيب المواد الاستهلاكية دون غيرها وعلى عينك يا وزارة التجارة ولا حياة لمن يسمعك تنوح . أخونا المُستهلك الكحيان عين على رمضان وما تبقى منه وعين على العيد وقائمة الطلبات .. وفي العيد يحلو كل جديد ولكم تخيل أية سعادة سترتسم على وجهه وهو يشتم الحال والمحال وقلة الحيلة . مر العيد وانتهت دورته لتطل المدارس مجدداً بطلباتها ( ومن وين بتجيب يا مٌستهلك ) والمرتب قد ودعك منذ عشر العتق من النار . وإلى عيد الأضحى نمضي مع مسيرة ( الراس عمران والجيب خاوي ) وارتفاع أسعار المواشي التي قلما نشاهد لها مثيلاً حتى في أسهم الداو جونز . هكذا هي حياة المواطن المُستهلك الذي لم يعد مُستهلِكا إلا للهموم وأدوية الضغط والسكر والنكد ، والتفكير في الغد الذي لم تبن له شمس حتى باتت البيوت عبارة عن قنابل قابلة للانفجار في أي وقت والسبب كلمة ( منين أجيب .. اسرق يعني ) .. الله معك يا مُستهلك .