المدرسة هي المؤسسة التعليمية والتربوية التي تبني شخصية الطالب، وتهيئه للانخراط في الحياة الاجتماعية، ومواصلة حياته العملية والتعليمية، ومن خلالها يتم الحفاظ على هوية المجتمع، كما أنها تعبر من أكبر مؤسسات الدولة لاحتوائها على أعداد هائلة من الطلاب والعاملين في حقلها، وكل مجتمع باستطاعتك الحكم عليه من خلال مخرجات المدرسة فيه، وهذا ما جعل الدول المتقدمة تولي المدرسة جل اهتماماتها وتنفق الأموال الهائلة لتطويرها لمواكبتها للعصر، والتجديد المستمر لها، وتجعل من المدرسة موقع انطلاق للتجديد والصلاح. ولا يشك أحد أن المدرسة مرت بمراحل متعددة وقامت بدورها وسدت احتياجات الدولة من خلال مخرجاتها أثناء الفترة الماضية، وهذه الأيام يعيش العالم انفجار معلوماتي متسارع، وأصبح هناك احتياجات خاصة لسوق العمل اختلفت عن الماضي مما زاد من مسؤولية المدرسة، فكان من الضروري التأكد من جودة مخرجاتها لسد احتياجات الواقع، وسيرها في الاتجاه الصحيح، وهذا لا يتم إلا باعادة النظر الجاد في كيفية تقويمها وأدائها ومدى مواكبتها للعصر الراهن ومتطلباته، ومدى نجاح تلك التجارب التعليمية التي من أهدافها الرفع من مستوى التعليم، وتهيئة الطلاب لمتطلبات سوق العمل، واحتياحات الدولة الجديدة، فكم من تجربة سمعنا عنها خلال السنوات الماضية منها ما عمم على جميع المدارس، ومنها ما تم تخصيصه ببعض المدارس وإلى الآن لم تتضح نتائجها أنجحت فتعمم وتعتمد؟ أم اخفقت فيعرف السبب؟ إن الجهود المبذولة على التجارب للنهوض بالمدرسة والتجديد فيها لابد أن تتركز على محاور العملية التعليمية - الطالب، المعلم، المنهج، البيئة - والمجتمعة في مكان واحد المدرسة) لكي لا تذهب الجهود سدى، وتكون النتيجة ضياعاً للأوقات وهدرا للأموال، فمعظم القائمين على التجارب الاصلاحية والتطويرية للمدارس سواء ما يخص المعلم أو الطالب أو المنهج أو البيئة يعملون من خارج محيطها، بعيدين عن جوها وروحها كمن أحب أن يكرم ضيفه فأعد له وليمة وعند تقديمها لهما له اتضح أن صاحبه معتل لا يستطيع الأكل ولا يناسبه شيء مما أعده له) وهذا ما جعل تطوير مدارسنا يسير ببطء ملموس لعدم معرفة واقع المدارس الحقيقي وما هم بحاجة إليه، وما المشكلات التي تواجهها؟ وما الذي يناسبهم ويوفي بمتطلباتهم؟ فكلما كان التطوير والاصلاح نابعا من المدرسة كان ذلك دعى للنجاح، فالمدرسة هي القاعدة للتعليم التي يفترض أن ينطلق منها كل تجديد، وينطلق منها التطوير والاصلاح، وبمعنى آخر لابد لأي تجربة - لأجل التطوير - يراد لها النجاح أن يوجد جميع القائمين عليها داخل المدرسة كفريق عمل، ولا يكتفون بالجلوس على المكاتب لحين وصول النتائج لهم، لكي لا تندثر التجربة بذهاب أحد المسؤولين، فالميدان التعليمي هو المحك الحقيقي لنجاح التجارب إذا كان القائمون عليها داخل محيط المدرسة، فكل من يتبنى تجربة في احدى محاور التعليم عليه أن يتواجد في المدرسة يسبر ويرصد النتائج، فيعالج ويطوّر ويقوّم ويقوّم كي تتم الفائدة المرجوة من لاتجربة ويستفاد منها ويرى نتائجها وفائدتها على أرض الواقع. فإن طالب اليوم يختلف عن طالب الأمس من ناحية الاحتياجات والمتطلبات التي توافق عصر المعلومة عصر السرعة عصر الانفتاح عصر استخدام التقنية الحديثة، كما أن احتياجات الدولة هذه الأيام اختلفت عن السابق، إن ما نحاول أن نصل إليه هو قدرة الطالب على التعلم الذاتي، والبحث عن المعلومة باستخدام لأساليب التفكير المنطقية، وإعداده لمتطلبات واحتياجات سوق العمل، واعتماده على نفسه وتحمله للمسؤولية، كما نريد أن نصل إلى أن يحب الطالب المدرسة، ويتعرف على ميوله ورغباته، وهذا لا يكون إلا بالتجديد والتطوير المتواصل للمدرسة، والمركز على محاور العملية التعليمية، وبالتجارب المدروسة ذات الأهداف الواضحة والتي تخدم المصلحة العامة، وتراعي الظروف المحيطة والاحتياجات، وتراعي الفروق الفردية فليس الطلاب على مستوى واحد؛ فكل منطقة لها خصوصياتها ويناسبها مالا يناسب المنطقة الأخرى فإذا كانت الأحياء بمدينة واحدة يختلف طلابها فيما بينهم فما بالك بالمناطق، وما ينجح في مكان ربما لا ينجح في مكان آخر، فالتعليم ليس تعليباً. [email protected]