يجول بنظره على كل زوايا مكتبه، ويقف عند هذا الدولاب الكبير المليء بكل أنواع شهادات التكريم والثناء التي حرص على أن يضعها في إطارات جذابة، ويتأمل بالكثير من الحسرة والألم دروعا تذكارية تسلمها أثناء مسيرته العملية بعد كل جهد غير عادي يبذله أو فكرة خلاقة يقدمها لمصلحة العمل، ويتذكر مسيرته العملية ومقدار ما بذله من جهد وحجم ما أظهره من كفاءة في مسيرته العملية التي قالت عنها هذه الشهادات والدروع التذكارية أنها كانت حياة عملية حافلة بالعطاء، وبالتميز وبكل ما يتمناه المرء. بدأ يتفحص هذه التذكارات الواحد تلو الآخر، ويتذكر المناسبات السعيدة التي تسلمها فيها، وكيف كان يشعر وقتها بسعادة لم يكن يحلم بأكثر منها، وكيف شعر بحجم الأمل في مستقبل عملي أكثر إشراقاً وجذباً لتحقيق الدروع وشهادات التكريم، كان يقيس نجاحه في عمله على هذا الأساس، ويؤمن أنه كلما كثرت شهادات التقدير، وازدادت دروع التكريم الموجودة في دولاب مكتبه كلما كان هذا تأكيداً على أنه نجح في مسعاه وقدم الجهد المطلوب الذي سيبقيه علامة واضحة في تاريخ عمله. في هذه اللحظة فقط، تأكد بما لا يدع مجالاً للشك في نفسه، وهو يقف متأملاً لهذه الدروع والشهادات قبل أن يجمعها في صندوق أحضره معه بعد أن تسلم خطاباً بطريقة مهينة من إدارته تبلغه فيه أنه تم الاستغناء عن خدماته، وتطلب منه إخلاء المكتب من كل موجوداته الشخصية لبديل قادم حل محله دون حتى أن تكلف نفسها بشرح مبررات الاستغناء عنه، أو تضع ما يعتبره تاريخاً وظيفياً مجيداً في حسبانها، إن مسألة التكريم ومنح الشهادات التقديرية والدروع وغيرها لا تتعدى كونها شكليات إدارية لتمتلىء بها دواليب أمثاله، لا تعطي حقوقاً أو تميزاً لمن حصل عليها، وأنها مهما كثرت أو قلت أو كبر مقام مانحيها أو صغر ما هي الا تذكارات توضع في الدواليب، أو تعلق على حوائط المكاتب لتزيينها وكماليات تتطلبها حفلات التكريم والشكليات الإدارية ليس إلا.. والله المستعان..