فاصلة: (إذا لم تستطع بناء مدينة فابنِ قلباً) - حكمة عالمية - أقترح أن يسمىّ تكريم الأدباء بتكريم أهل الراحلين، ذلك لأنّ الأموات كما نعرف لا يصلهم هذا التكريم، وإنما هو بمثابة تخلص من شعورنا بالذنب لتقصيرنا تجاه المبدع الذي كان بيننا ولم نلتفت لإبداعه، وتطييب لخاطر أهله الذين عاصروا إبداعه مع إهمالنا لتقديره. هكذا رأيتُ المشهد لمّا قرأتُ خبرَ تكريم وزير الثقافة والإعلام للممثلين الفنانين الراحلين عن دنيانا «محمد العلي وعبد العزيز الحماد وبكر الشدي» - رحمهم الله -، وقد تسلّم درع التكريم أبناؤهم: حسام الحماد، معتز الشدي، عبدالإله ونايف العلي السالم. وأخذ كل ابن درع والده ربما ليضعه فوق مكتبه ليتذكّر كم نحن أوفياء ولكن متأخرين كثيراً. حتى في تكريمنا للراحلين نكون بخلاء، حيث يُختزل التكريم في درع، مجرّد درع. إذا كنا بالفعل نؤمن بأنّ من رحلوا قد قدموا شيئاً للمسرح الذي بدأ الآن يشتم أنفاسه بعدما كاد يحتضر، فمن الأولى أن يكون تكريمنا لهم إبراز دورهم من حلال توثيق أعمالهم الفنية ومسيرتهم بشكل رسمي من خلال الوزارة. ربما قدمت الوزارة لهؤلاء الراحلين شيئاً من الوفاء أكبر من مجرّد درع تذكاري يقدّم لأبنائهم لكننا لا نعرف، كل الذي نعرفه أنّ الأحياء بيننا ونحن مشغولون عنهم والأموات بعيدون عنا ونحن مشغولون بهم. ربما نحتاج أن نفكر بالفعل في مفهوم تكريم الفنان في حياته، متجاوزين التقليدية إلى حفظ حقوقه، وتوفير بيئة مناسبة لإبداعه وهو حيٌّ. رحم الله الفنانين تحت الثرى، وكل العزاء للأحياء الذين ينتظرون دورهم في صفوف التكريم الطويلة.