بورك أي جهدٍ يعمل صادقاً مخلصاً على توطيد عرى الأخوة بين بلدين شقيقين يجمعهما الدين والتاريخ واللغة والبيئة والتقاليد. ونحن نعيش في عالم يسعى إلى تشكيل تجمعات وتكتلات تبحث لنفسها عن أي صفة تجمعها، وتعمل على إنشاء كيانات كبيرة قادرة على تحقيق قوتها الذاتية، وقدرتها على الدفاع عن نفسها، وفي الوقت نفسه تقوية نظامها الاقتصادي، وتوفير علاقة معقولة بين ميزان صادراتها ووارداتها، ولن يتحقق ذلك في الكيانات الصغيرة والضعيفة. ولعل المحاولات المشبوهة التي تجري وتحاك لنا كأمة إسلامية عربية من أعداء الحياة المتربصين بنا غدراً، ما هي إلا محاولات لتفكيك وتقسيم دولنا إلى دويلات صغيرة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام الغزو العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي، ليسهل استعمارها والاستيلاء على ثرواتها، والأمثلة أمامنا في فلسطين والعراق وغيرها واضحة. إن الاستعدادات الكبيرة والجادة التي جرت قبيل بدء أعمال مجلس التنسيق السعودي اليمني ال17 الذي تقرر أن يقام في مدينة المكلا في اليمن، ومستوى التمثيل لكلا البلدين، فقد رأس الوفد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ويضم الوفد المرافق لسموه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، إضافة إلى عدد من الوزراء من ذوي الاختصاص ونخبة من رجال الأعمال، ورأس الجانب اليمني دولة الأستاذ عبد القادر با جمال رئيس مجلس الوزراء ونخبة من الوزراء والمديرين ورجال أعمال، إضافة إلى أعضاء مجلس التنسيق السعودي اليمني، وقد أتيحت لي المشاركة في تغطية ذلك الحدث الكبير حيث تواجدت في مدينة المكلا لأتابع عن قرب تلكم الاتفاقات التي ستحقق المزيد من الاستقرار والرخاء للشعبين الشقيقين. إن حجم الوفود المشاركة وتنوع تخصصاتهم، وجدول الأعمال الزاخر بكثير من الطموحات، وعلى كل المستويات تقريباً، شاهد على الاهتمام والحرص على الخروج بنتائج إيجابية لابد أن تعود بالخير ليس على البلدين فقط، ولكن على دول المنطقة. ويصرح العارفون بأن المجلس يناقش قضايا كثيرة ومتشعبة في المجالات الاقتصادية والتجارية والخدمية والسياسية، بما في ذلك إبرام اتفاقيات لمساعدة اليمن على تنفيذ مشاريعه الانمائية، كتمويل مشروع إنشاء طرقات، ومشاريع في قطاع الكهرباء بقروض سعودية تتجاوز ال400 مليون ريال، وتمويل مشاريع تخص الشأن الصحي، وإنشاء محطة غازية، وبناء ميناء في جزيرة سقطري، والمرحلة الثانية من إزالة الألغام، وإعادة إعمار الأضرار التي خلفتها أحداث (صعدة) الأخيرة. واتفاقيات تعاون أيضاً في مجالات التعليم، والبحث العلمي، والتدريب المهني، والشأن الاجتماعي، والعمل، وحقوق الإنسان، والبيئة، والصحة، والإعلام، بما في ذلك تطوير التعاون الصناعي والتجاري، وإقامة ندوات تدريبية علمية ومهنية، ومعارض مختلفة في كلا البلدين الشقيقين. وكذلك اتفاقيات اقتصادية واستثمارية في عدد من المجالات الحيوية، وبخاصة ما يتعلق بالثروة السمكية، والنقل، والتعاون الجمركي، والزراعي، والثقافي، والمياه، والبريد، وغيرها من المجالات، ولابد هنا أن يأتي دور رجال الأعمال أمام هذه التسهيلات للاستفادة من التمويل السعودي والخبرات المهنية والمعرفية في إقامة اتفاقات ومشاريع استثمارية جانبية مما يعزز مصداقية المأمول من تلك الاتفاقيات وهذه الجهود. ومؤكد أن الشأن الأمني كان حاضراً على طاولة البحث لإقامة اتفاقيات تعاون أمني متكامل لرفع سوية التصدي لظاهرة الإرهاب التي تمس كلا البلدين بالضرر. لقد ساهمت تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمناسبة احتفالات الجمهورية اليمنية بالعيد الوطني السادس عشر، وتصريحاته بمناسبات مختلفة التي أكدت على الأخوة بين الشعبين، وعن أصالة كدولة إسلامية منها خرجت أصول العرب، وضرورة انضمام اليمن إلى مجلس التعاون لدول الخليج كواقع تاريخي وجغرافي وحضاري لابد منه في تجاوز كثير من المشاكل الجانبية، وتحقيق روح الثقة والصدق، وكانت دافعاً لاستمرار تدفق هذا التعاون الرشيد. إن المواطنين في كلا البلدين يتطلعون بكثير من الأمل لنجاح هذا الحضور الكبير، ونحن بدورنا نسأل الله أن يوفق الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح والتقدم والرفعة، إنه سميع قادر. [email protected]