السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد اطَّلعتُ على صحيفة الجزيرة العدد (2271) الصادرة في يوم الخميس الموافق 6 - 4 - 1427 ه في الصفحة (34) (عزيزتي الجزيرة) ووجدت تعقيباً للمهندس عبدالمحسن بن عبدالله الماضي على مقال الدكتورة خيرية بنت إبراهيم السقاف التي أجادت في مقالها المذكور. والدكتورة خيرية من أبرز كاتبات صحيفة الجزيرة وقد عقب المهندس على مقالها بأن جملة أوردتها في المقال هي جملة مخيفة إن كانت تعنيها فإذا كانت الدنيا سجناً للمؤمن فإن ما بين المؤمن والخروج من السجن هو فقط خروج الروح وهذه دعوة للانتحار ما أظنها قد خطرت على بال (الدكتورة خيرية) ذلك الاسم الكبير في ثقافتنا السعودية، ثم قال مفنداً: إن تلك الجملة يدحضها أن كثيراً من البشر في البلدان المتقدمة والمتخلفة على حد سواء يرون أن الدنيا جنة بوجود الأبناء والأحفاد والصحة والنجاح هل هؤلاء ليسوا بمؤمنين؟ وتكلم عن المقطع الأخير من السؤال هل الدنيا جنة الكافر؟ فقال فهي أيضاً مقولة مدحوضة في ذاتها وإلا لكفر كُلُّ مَنْ في الأرض إذا كان هذا مهر لجنة الدنيا فالنفس كما خلقها الله مولعة بحب العاجل. ثم ذكر عن تشاؤم الدكتورة خيرية كما يزعم في الحكمة التي أطلقها شاعره العظيم أبوالطيب المتنبي قبل ألف عام: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم وختم تعقيبه بدعوة الكاتبة الكبيرة إلى أن تكون صوتاً للتفاؤل وأن تعمل بدعوة الرسول الكريم في العمل للدنيا كأننا نعيش أبداً وأن نبشر ولا ننفر. انتهى تعقيبه. فأقول بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم: إن الكاتب - وفقه الله - تكلم في شيء لا يحسنه فالجملة التي عقب عليها ودحضها حسب فهمه هي حديث صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد روى مسلم في صحيحه في كتاب الزهد، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) رواه الترمذي في كتاب الزهد - باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر - قال النووي - رحمه الله - عند شرح هذا الحديث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر معناه: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلفٌ بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح منها وانقلب إلى ما أَعَدَّ الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان. وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء في الأبد). انظر شرح النووي على مسلم ج5 ص 814 وقال شارح الترمذي في التحفة: (قال المناوي: لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة، وقيل كالسجن للمؤمن في جنب ما أُعِدَّ له في الآخرة من الثواب والنعيم المقيم وكالجنة للكافر في جنب ما أُعد له في الآخرة من العقوبة والعذاب الأليم). انظر تحفة الأحوذي ج 3 ص 262 طبعة دار الكتاب العربي بيروت. ونَسَبَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القول في العمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً وهو ليس من قوله - صلى الله عليه وسلم -؛ وفي ختام تعقيبي فإني أحسنُ الظنَّ بالمهندس عبدالمحسن الماضي - الذي عَقَّبَ على الدكتورة خيرية - كُلَّ خير وأنه لا يعلم بأن ما أوردته الكاتبة - وفقها الله - هو حديث نبوي صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا عَلِمَ هذا لم يحتج إلى المعنى والتفسير الذي قاله في تعقيبه ولا إعمال عقله في ذلك، سائلاً الله لنا وله التوفيق والسداد والفقه في الدين؛ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. محمد بن عبدالله العمار المفتش القضائي بوزارة العدل