لا أحد يستطيع أن ينكر الجهود الكبيرة المبذولة من الدعاة والمؤسسات الدعوية، وجميع العاملين في الحقل الدعوي، في الدعوة إلى الله، من الدعاة ذكورا وإناثاً، وأن الجميع ينشد الثمرة بالاستجابة للدعوة، وكل يجتهد وفق ظروفه وإمكاناته، وهناك من يبذل المزيد من الجهد لتوصيل الدعوة، بالوسائل الحديثة من إنترنت، وإيميلات، وغيرها من الوسائل، وأيضاً لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك معوقات في سبيل العمل الدعوي، وأن هذه المعوقات قد تؤثر على العمل أو على الداعية إلى الله، سواء كانت معوقات في الإمكانات، أو أساليب الدعوة، أو غيرها من المعوقات. والسؤال: ما أبرز المعوقات التي تواجه الداعية؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟! (الجزيرة) طرحت هذا السؤال على عدد من الدعاة والداعيات، لرصد أبرز هذه المعوقات، وكيف يمكن التغلب عليها؟. ******* أساليب دعوية يقول د. إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء بالرياض، مجالات الدعوة إلى الله ليست توقيفية، وإنما هي متجددة حسب ظروف الزمان والمكان، وحال المدعو، وهذا مما يكسبها مرونة، وتنوعا، ويجعل المجال الدعوي أكثر حرية، ويجعل الدعاة أكثر تفاعلاً كل في مجال تخصصه، وحسب قدرته، فالكلمة الطيبة صدقة، (ولئن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم، فلا تحقرن من المعروف شيئاً، فسرور تدخله على أخيك المسلم صدقة). ومما يدل على تجدد المجالات الدعوية، تنوع أساليبها، فلكل حال من يناسبه، ولكل مقام مقال، كما أن حصر الدعوة على مجالات معينة يحد من نشاطها، فهي مما لا يقبل الاحتكار حتى من جانب الدعاة أنفسهم، فالأصل في الداعية أن يجدد نشاطه واهتماماته، وأن يتجدد الدعاة ويتعددون حسب الحاجة، ويتنقلون بين القرى والأمصار، أفراداً وجماعات، تحت إشراف هيئة رسمية منظمة، كما هو الحال فيما تقدمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة الإرشاد، في إيفاد الدعاة، ونشر الدعوة في الداخل والخارج. ويرى د. الحمود أن من أهم ما يساعد على ابتكار أساليب دعوية جديدة، التعرف على حال المدعو، حتى توجه إليه الدعوة بالأسلوب الذي يناسبه، وكذا مواكبة الزمن، فلكل زمن أساليب خاصة، فالعصر الحاضر الذي نعيشه، وما فيه من انفتاح عالمي، وعولمة، يحتاج إلى أساليب جديدة تناسب هذا التطور العلمي والتقني الذي يشهده العالم، فلم تكن الطرق الدعوية القديمة تجدي في الوقت الحاضر؛ نظرا لتغير الثقافات لدى العامة ولاشك أن هذا يحتاج إلى جهد أكبر من ذي قبل. كما أن الفتن في كل مجتمع من المجتمعات تعد من معوقات الدعوة، إذ إن زمن الفتن يحتاج إلى تجنيد الدعاة المتخصصين من ذوي الخبرة الطويلة في المجال الدعوي، وهذا يتطلب دراسة متأنية، وفاحصة قبل البدء في التنفيذ، ولابد من الالتزام بالمنهج الإسلامي في الدعوة، خاصة في عصر الفتن، ذلك بأن تكون الدعوة بالتي هي أحسن، وتتوجها الحكمة والموعظة الحسنة، فإن الرفق واللين لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، ومتى خرجت الدعوة عن هذا الأسلوب إلى أسلوب الغلظة والابتزاز، فإن هذا مما يزيد من الفتنة، ويوقد نارها، ويزيد من الخلاف والفرقة، كما قال تعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. الدعوة مناصحة ومن أهم الطرق والوسائل الدعوية في زمن الفتن كما يقول د. الحمود، عدم التشهير بما عليه المدعو من خطأ أو تقصير، ولتكن الدعوة مناصحة، حتى لا تتحول النصيحة إلى فضيحة، فيزيد الطين بلة، ويتسع باب الفتنة، فمن الحكمة الستر على أهل المعاصي، فإن هذا عون للداعية على القبول وكذلك الكمبيوتر، ووسائل التقنية الحديثة من أهم الوسائل الدعوية التي تناسب العصر الحاضر، لكثرة من يستخدم الإنترنت من الشباب خاصة، ولكن - ومع الأسف الشديد - استغلت هذه الوسيلة لأغراض أخرى تهدم ولا تبني. وهنا يأتي دور المصلحين من الناس، وولاة الأمور في التوجيه إلى كل نافع مفيد، والحذر مما يفسد الدين والأخلاق، فالوسائل الدعوية متعددة ومتنوعة، ولكن يبقى دور الدعاة والمتلقين في سلامة استخدامها، والإفادة منها، والإنترنت خاصة وسيلة دعوية مهمة، لكونه في متناول الجميع، ولا يحتاج تصميمه إلى كلفة، فهو أكثر الوسائل شيوعا وانتشاراً في الوقت الحاضر. وإنه من الواجب على كل داعية أن يخلص لله في دعوته، ويحسن الظن بالآخرين، ويعلم أن كل البشر معرضون للخطأ والتقصير، ولا أحد يدعي الكمال لنفسه، وخير الخطائين التوابون، كما أوصي كل داعية بأن ينوع في أساليب دعوته، ولا يلزم طريقة واحدة، فلكل مقام مقال، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. المنزلة الكبرى وتقول د. نجمة بنت أحمد المالكي عميدة كلية التربية بالطائف: لقد خص الله سبحانه وتعالى دعاة الإسلام بمنزلة كبرى، حيث إنهم خير هذه الأمة على الإطلاق، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، فيكفي الدعاة سمواً وفلاحاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ويكفيهم أجراً ومثوبة، أن أجرهم مستمر، ومثوبتهم دائمة، قال صلى الله عليه وسلم: (من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، ويكفيهم فخراً أن تسببهم في الهداية خير مما طلعت عليه الشمس وغربت، قال صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). وترصد د. نجمة المالكي عدداً من معوقات العمل الدعوي حيث تقول: يعد الكسل والخور من أكبر ما ينافي الرغبة في الدين والجهاد الحقيقي، وأما اليأس من حصول المصالح، ومن دفع المضار، فإنه الهلاك بعينه، وما أخر المسلمين عن غيرهم من الأمم إلا تفرقهم وكسلهم، وجبنهم وخورهم، ويأسهم من القيام بشؤونهم، حتى صاروا بذلك عالة على غيرهم. وقد حذر الدين الإسلامي من هذه الأمور، وأمرهم بأن يكونوا في مقدمة الخلق في القوة، والشجاعة والصبر والملازمة، للسعي في كل أمر نافع، والعزم، والحزم، والرجاء، والثقة بالله في تحقيق المطالب، والدواعي لهم في ذلك متوفرة، فمجرد السعي إلى العمل من أفضل الأعمال المقربة إلى الله عز وجل. وعلاج الكسل يكون كما أمرنا الله تعالى في قوله: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}. فهؤلاء الكفرة يألمون في نصر باطلهم، ونحن المسلمون خامدون كسولون عن نصر الحق الذي يترتب عليه من الخير ما لا يحصى ولا يعد، كذلك انشغال الشباب المسلم بالدنيا، حتى أصبحت أكبر همهم وانغماسهم فيها، أكبر من انغماسهم في دينهم، وذلك بسبب أن الدين أصبح شعارا يكتب فقط في بطاقة الهوية؛ مما أدى إلى الانحلال عن الدين الإسلامي. كما أن هناك معوقات أمام الداعية، ويمكن تقسيمها إلى قسمين: نابع من الشخص نفسه، وهناك ما ينبع مما يحيط به. أيضاً من معوقات الأعمال الدعوية، الأعباء المنزلية، قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، ينبغي أن تبدأ المرأة الدعوة من البيت، وإهمالها للدعوة داخل نطاق بيتها وأسرتها، يعني ذلك فشلها في القيام بدور فعال في المجتمع الكبير، فإذا كانت المرأة تعاني من وجود منكرات في البيت الذي تعيش فيه، كان عليه الصبر والمصابرة، وعدم اليأس، والاستعانة بالله تعالى، والاستمرار في الدعاء، وأن تجيد في التعامل معهم، وعليها أن تعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعليها أن تجتهد في نقلهم من المعاصي إلى المباحات، وعليها أن تغرس احترامهما في نفوسهم، حتى لا يجاهروا بالمعاصي أمامها، كذلك دور رب الأسرة، فقد ترى بعض النساء أن رب الأسرة سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً يمثل عائقا لها في الدعوة، حيث إن كثيرا من الرجال لا يقتنعون بدور المرأة، ومسؤوليتها كراعية، فكثير منهم يهمشون دورها، ولا يرون أنها أهل لهذا العمل، وأن دورها ينحصر في تربية الأبناء، والقيام بشؤون المنزل. وهناك سوء استخدام ولي الأمر للقوامة، فبعضهم لا يفهم معنى القوامة، ويظن أنها تعني التسلط، وظلم المرأة، وعدم إعطائها الحرية في مشاركتهم الرأي، إضافة إلى معوق صعوبة المواصلات، حيث إن المرأة المسلمة تعلم بأن دينها يحرم عليها التبرج والسفور، والخلوة مع الرجل الأجنبي، ويحرم عليها السفر بدون محرم. الحلول الجذرية ويرى الشيخ عبدالله بن صالح الحماد المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة حائل أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال والقربات، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وهي سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، وسبيل أتباعه إلى يوم الدين {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. ولكون الدعوة إلى الله لها هذا الفضل العظيم، فإنه لابد من وجود عوائق تحول دون نشر هذه الدعوة، أو تقلل من استمراريتها، أو انتشارها، والمؤسسات الدعوية والدعاة أنفسهم ينبغي عليهم معرفة هذه المعوقات؛ حتى لا يقعوا فيها، ويبحثوا عن حلول جذرية لها، ومن بين هذه المعوقات التي أذكرها من باب الإشارة لا من باب التقعيد، الجهل، وهو داء عظيم، وعائق كبير، سواء كان جهلاً بأحكام الشريعة ومقاصدها، أو جهلاً بالواقع الذي يريد الداعية أو المؤسسة الدعوية أن تعمل فيه، انظر مثلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب)، فهو صلى الله عليه وسلم أخبر معاذا بحال المخاطبين؛ حتى يكون عالماً بهم، ويشبههم، فعلمه بحالهم، وديانتهم من أكبر الأسباب التي تعينه على نشر الدعوة، وهذا بخلاف لو جاءهم وهو لا يعرف واقعهم، ربما ألقوا عليه شبهاً صدت الناس عن دعوته. ومن معوقات الدعوة أيضاً، التنازع في أمور الدين أو أمور الدنيا، ضرره وخيم على الإسلام ككل، فكيف بالدعوة التي تتطلب الاجتماع والعمل بنظام قال نبينا صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن: (تطاوعا ولا تختلفا) وهذا لأجل مصلحة الدين، قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وهذا قيل في معرض خطاب المجاهدين، والدعوة إلى الله من أعظم أنواع الجهاد، فالتنازع فيها ذريعة للفشل، وذهاب القوة، ولو أن الدعاة في بلاد الغرب استثمروا أوقاتهم في دعوة أهل الكتاب، وتركوا تنازعهم في أمور اجتهادية، أو أخلاقية، لدخل الناس في دين الله أفواجاً. ومن معوقات الدعوة عدم الصبر، والله جل جلاله يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ)، وقال أيضاً: ( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالداعية المستعجل الذي يريد أن يرى أثر دعوته سريعاً، هو في الحقيقة يقتل دعوته في مهدها، والظروف التي تواجه الداعية مختلفة ومتنوعة، فإذا لم يصبر أدى ذلك إلى توقفه، ومن ثم فشلت دعوته. ويؤكد الحماد أن هناك معوقات كثيرة، كعدم وجود من ينفق على الدعوة، وجهل الدعاة بأولويات الدعوة، وعدم التمييز بين المجتمعات المختلفة، ووجود شياطين الإنس والجن الذين يمكرون الليل والنهار للصد عن دين الله، وغير ذلك. ولكن الداعي المتوكل على ربه، الواثق من نصره، لا يلتفت لهذه العوائق، بل يمضي بثقة وعلم، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.