عندما فكر الأستاذ عبدالكريم الخطيب بإصدار مجموعته القصصية قبل سنوات كتب الزميل عبدالله جلوي إلى رسالة خاصة إلى الأستاذ الخطيب ومعها رأيه بها.. وإذ ننشر ما كتبه اليوم في آفاق.. نأمل أن نتعرف على رأي الزميل جفري.. فيما كتبه ويكتبه الخطيب بعد تلك المدة الطويلة.. قرأت هذه المجموعة القصصية للصديق الأستاذ (عبدالكريم الخطيب).. والحقيقة أن أول ما بودرت به هو عنوانها (شعلة النار).. إن الشعلة هي ضوء، وضياء.. إن كل شعلة تحيل الظلمة إلى نور.. لك حول لبها ظلال، وزوايا من الظلمة.. واللهب هو لسان الشعلة هو تعبيرها الفصيح الذي يعطي المعاني.. يفضح الظلمة.. يعكس الحقيقة التي حاول الظلام طمسها! وقد أراد الصديق الخطيب أن أقرأ هذه المجموعة القصصية قبل كل القراء.. وهذا تخصص في الاستمتاع.. و.. (تقليد) جاءني من ذيله (!).. تقليد لحالة بعض المؤلفين الذين يرغبون أن يكتب لهم أدباء غيرهم مقدمة، أو توطئة أو استهلالاً، أو استعراضاً لمؤلفهم، أو لإنتاجهم.. قلت إن التقليد جاءني من ذيله.. بمعنى أنني أكتب هذه السطور (مؤخرة) وليست مقدمة.. (قفلة كتاب، وليست قفلة قصة.. ومعنى هذا أنني سأنفركم من الكلمة القائلة (العاقبة في الخواتم) أو الكلمة (الدهن في العتاقي) على اعتبار أن آخر الكتاب يحتوي جذور الموضوع الذي طرحه الكاتب في بحثه، أو قصصه! لا عليكم.. واعتبروا كلامي هذا ضرباً من ضروب الثرثرة.. أو كما ضرب غرائب الإبل.. وغرائبها تستقر هذه الأيام في رؤيتي (!).. وحيث إن ما أكتبه - هنا يعتبر مؤخرة.. لا مقدمة لمجموعة قصصية.. فإن معنى هذا أنكم حين قراءتكم لسطوري هذه قد أنهيتم قراءة القصص كلها.. وخلصتم إلى نتيجة، ورأي ينعكس انطباعاً - في الغالب - عن قصص الزميل الخطيب!.. ولست أريد أن أكون محامياً - في النهاية - أدفع عما قد يلوح لبعض القراء هنا، أو نقداً في المجموعة القصصية.. فكل عمل لا يشترط أن يكون (كامل الأوصاف فتني!).. والدفاع بعد الحكم. مداولة.. والمداولة تنتهي بخبطة مطرقة!.. والمطرقة ليست ملكاً لي.. إنما هي ملك القارئ! ولست أريد أن أكون كما عجائز الأفراح.. يخرجون ألسنتهم قبل أرجلهم في نهاية فرحة (زواج) فإن المجموعة القصصية عندما تروق للقارئ.. وترويه إنسانياً، ووجدانياً، وفكرياً.. فلا داعي - إذن - لمؤخرة لها إطار كما (إطار) المخروق من وسطه! إني في هذه السطور عندما أريد التحدث عن الكاتب القاص (عبدالكريم الخطيب) فكأنما أتحدث عن نفسي.. ذلك أنه وأنا جيل واحد (جديد!) كما يقول دائماً شيوخنا الأدباء.. وهذا الجيل الجديد منذ ولادته وهو (يرفس) كأي مولودٍ جديد يتدحرج من أحشاء أمه إلى سرة الدنيا.. وجيل الأدب الجديد هذا مكابر بعض الشيء.. وقد أتت مكابرته تحت إلحاح وإهمال الجيل السابق له.. وهو جيل يمارس لعبة (نط الحبل) ولا يهم أن يقع بقدر ما يهم أن يجيد على (خيط رفيع!!).. وهذه المجموعة القصصية ليست باكورة أعمال الكاتب الأدبية.. فقد أصدر قبل ذلك.. لكن المجموعة باكورة الكاتب في أدب القصة القصيرة.. والذي يشب عن الطوق في النظرة الإنسانية والتربوية تتجه إليه الأنظار فرحاً بإقدامه على خطوة جديدة، وتطلعاً إلى مراس يرسخ القدم، ويصقل الذهن! إن القصة القصيرة في عالمنا العربي.. حولها بحث، وتنقيب. ونداء..! تكاد القصة القصيرة (تقتصر) فعلاً.. وبعض من يكتب لا يفرق بين قصة قصيرة، أو (حكاية جدات) أو رواية مركاز، أو حدوتة يسمعها الطفل قبل نومه، وأحياناً (يكرمش) وجهه، وينام لئلا يستمع إلى بقيتها! وبعض كتاب القصة القصيرة أصبح يكتب الطويلة.. والطويلة أحياناً كما حلاوة (مطو) أو كما الحلاوة اللبانة التي يعلكها الفتيان!.. إن بحثاً مخلصاً ينبغي أن يستهدف حتمية العثور على أدب أمة، وتاريخها، وفترة من فترات التطور الاجتماعي.. وذلك البحث مستمر، وتائه وأحياناً يصاب البحث بالاحتقان!.. صحيح أن المطابع تقذف بمجموعات قصصية. وروايات طويلة.. لكن أغلبها.. (مقذوف) فعلاً.. ليس في مستوى قضية الحاضر.. وأبعاد المستقبل.. فأما أن تجد كاتبها ناشئاً أصبح مصاباً بشبق الشهرة أو تجده استغلالياً.. مريضاً بنهم المادة.. وضاع الفكر ضاع.. وفي أثره كل الأدب، وكل اللمحة الفنانة الفنية!.. إن (اصطناعاً) للذهن.. نحته البعض ليكون تمثال فكر! ولا نظلم صديقنا مؤلف هذه المجموعة.. فقد استدرجنا النقاش أو تدرجت بنا حقيقة البحث عن أدب.. ووضعنا أصبعنا بين صفحات هذا (الكتاب) توقفاً.. كالذي يشعل سيجارة.. فاشتعل فكره.. وأصبحت هناك حريقة!.. لقد قرأت هذه (الشعلة).. وتمليت بعض القصص فيها، تعشقت في الكاتب استنهامه للنبرة الإنسانية في تعبيره وضمن سطوره، فالمجموعة يغلب عليها التيه في فلاة.. يخب على أديمها ضمير.. يقظ.. يستطلع المدى!.. وموهبة فنية انطلقت لتردد كل شيء!.. والمجموعة القصصية - بعد - هي (زكاة) - ذهن يرتقي مدارج الوعي بإصرار!!..