تبدو المناسبة طوع يدينا ان فكرنا باصدار مطبوع يجمع نماذج من القصص أو القصائد لكاتبات عربيات مشهورات، في حين لن تسنح لنا الفرصة بسهولة ان اردنا ان نفعل هذا مع المشاهير من المؤلفين العرب، ذاك ان المرأة بحد ذاتها، تبدو لمن يفضل أن ينظر اليها ضمن مجراتها النسوية، مناسبة اجتماعية، أو هي ان شئنا قضية أو اشكالية. أي أننا ببساطة نستطيع أن نعرّفها ونتعرف عليها بموضوعها، لا بتحققه في اطار أدبيته، بمعنى: هي تنتمي الى موضوعها وتتواشج معه في شمولية اشكاليته كظاهرة تستوجب الفحص بحسب متعارفات الوعي الأدبي العربي الجديد. ولكي لا نمضي بعيداً في تعثرنا بالموجبات التي تجعل من المناسبات مناسبات! ينبغي أن نتذكر ان تقليد اصدار المجاميع المشتركة للنساء، وتكريس الصفحات في المجلات والصحف لمثلها، تقليد غربي في الأصل، خفّت حدته في السنوات الأخيرة لنفور الجيل الأدبي النسوي الجديد من ذلك التكريس. ويبدو أن هذا التقليد في منطقتنا لم يستكمل مهماته بعد، فما زالت الصحف والمجلات ودور النشر تأخذ به، رغبة منها في مساعدة الكتابة النسوية على الحضور في ذهن القارىء العربي. هذا الدافع كان من بين مقاصد مشروع كتاب في جريدة الذي يشرف عليه الشاعر العراقي شوقي عبدالامير وتموله منظمة الثقافة العالمية اليونسكو، حيث أفرد صفحاته في العدد الأخير للقصة القصيرة النسوية، فاختارت نماذجها الناقدة اللبنانية يمنى العيد وقدمت لها بأسطر مقتضبة. ويمنى العيد من بين الهيئة الاستشارية للمطبوع الذي يسير على نهج يتكرر في المجلات الثقافية هذه السنوات، ويؤكد على وضع الأسماء الأدبية الهامة على الغلاف كمشاركين معنويين، ومع ان هذا الاصدار استثمر البعض منهم في أمر اختيار المواد. غير أن تقليد الترويج والدعاية هذا غدا عادة تثقل طلاقة المشاريع، مثلما تسيء الى الإسم الثقافي الكبير الذي يتكرر في مجلات مختلفة الاتجاه والأمزجة. وجدت يمنى العيد في العدد الأخير أن الأسباب التي دعتها لقبول هذا التكليف باعتزاز، ان المشروع "لم يكن من منطلق الأخذ بمقولة الأدب النسوي، أو بدافع الدخول في الخلاف حول هذه المقولة، بل بغية أن يفسح هذا المشروع مجالاً خاصاً - تعديلياً - لوضع كتابات المرأة العربية أمام جمهور واسع من القراء". أي أنها وضعت شرطاً ينفي صفة الأدب النسوي عن هذه المجموعة، ويجعل منا كقراء، نبحث عن موجبات أخرى لهذا اللقاء، وفي المقدمة منها "مجالاً خاصاً تعديلياً". وفي الجملة بعض غموض، فالتعديل يعني اصلاح خطأ ما في أمر انتشار هذا الأدب، وليس في موجبات قضيته. ولكي نوضح موقف العيد الأصلي من قضية الأدب النسوي سنستعين بمقولتها في مكان آخر، التي ترى أن: خصوصية أدب المرأة "ليست خصوصية ثابتة، بل هي ظاهرة تجد أساسها في الواقع الاجتماعي التاريخي الذي عاشته المرأة"، أي ان المهمة التي تستوجب الشراكة بين النساء في هذا الحد من مطبوع كتاب في جريدة هي ذات المهمة التي يذكرها شوقي عبدالامير في مقدمته عن مشروعه: "ابتكار وسائل جديدة للتواصل الثقافي بين أبناء اللغة والثقافة الواحدة" وهؤلاء كما يصفهم "الملايين الصامتة من القارئين التي لا تعرف منابر النقد ولا الكتابة ولا المحافل الثقافية، والتي تحتاج الى زمن أطول والى أشكال جديدة للتعبير عن ردود أفعالها"، وسنجد وفق تلك الاعتبارات، ان المطبوع سيوصل هذا الأدب - النسوي - الى تلك الملايين الصامتة، وان فعل، فأنه يذكرنا بالمشاريع التبشيرية الكبيرة، مع أن توزيع المشروع مجاناً يجري عبر المنابر اياها التي تصل الى الناس الذين يدفعون ثمنها، وتنشر هذا الأدب وغيره كل يوم. والحال ينبغي قبل كل شيء أن نؤكد أهمية هذا المسعى وجديته، وهو يُحسب لصاحبه، غير ان علينا ونحن بصدد العدد الأخير، ان نتمعن في غاياته التي وضع تصورها المحرر والمشرفة على هذا العدد. وسنجد ان معظم القصص المنشورة لكاتبات مشهورات في بلدانهن وفي البلدان العربية، أي أن الشهرة والانتشار لا تعوز بعضهن. أما نماذج الكتابة الشابة فالمشاركات كن من البلدان التي تكاد تجربة الكتابة القصصية النسوية فيها شبه غائبة. والتمثيل هنا تمثيل وطني - نموذج أو نموذجان من كل بلد - اذن سنبحث عن دواعي اخرى تدلنا عليها النصوص ذاتها وقواسمها المشتركة، وسنرى ان 75 في المئة من القصص تتحدث عن مشكلة تخص وضع المرأة العربية، وان النسبة الأكبر تعبّر عنها عن طريق النثر الرومانسي. الرجل في حضوره وغيابه محور المواضيع، وهو ظالماً كان أو معشوقاً يمثل الحالة المعكوسة في الأدب الذي يكتبه الرجال حيث تكمن المرأة خلف ستارة الوعي الذي يوجه عاطفته الإنسانية. ومع أن معظم النماذج من اختيار الكاتبات أنفسهن. غير أن تلك القصص كما يخيل الينا، لا تعبر عن مستوى القصة القصيرة المكتوبة من قبل النساء اليوم، ولا تساعد طبيعة المطبوع على خيارات أفضل كما توضح مقدمة يمنى العيد، فهي محكومة بحجم معين وضمان مشاركة عربية مختلفة. ويبقى القاسم المشترك بين تلك القصص موضوعها النسوي، لا خصوصية أساليبها، الأمر الذي يجعل من الأسباب التي ترد في ملاحظات يمنى العيد حول غاية ذلك المنشور محض تصور غير متحقق. فهي تعنى هنا بالأدب النسوي صاحب القضية الاجتماعية، والمتوجه الى الجماهير بقضيته. ولكن القراءة تجعلنا في حومة استعادة قيمة تلك النتاجات والمقارنة بينها في المستويات، وهي فائدة ليست قليلة الأهمية، فهناك تنوع في زوايا النظر وفي طريقة التعبير عن الذات الأنثوية فيها، ولا نجد قصة واحدة بينها لا يشغلها أمر موقع المرأة من المجتمع. هذا اللقاء بين الكاتبات، أتاح لنا الفرصة لكي نعاين الأهمية القصوى للشغل على العاطفة في أدب المرأة، لأن أفضل النماذج بين تلك المجموعة لكاتبات وصفن تلك العاطفة ولم يتماهين معها. فهناك ثلاث قصص في هذا المنحى تحقق فيها الكاتبات قناعة محايدة بنموذج البطلة التي لا تحل في روح الساردة، وقصة المفتتح للكاتبة العراقية ديزي الأمير "عمة رفيق" من بين تلك النماذج، فهي بسيطة ومسترسلة دون شعر وبلاغة فائضة، بل دون تفصيل مأساوي، مع أن موضوعها يستبطن موقف امرأة في غاية التعاسة، فهي تضيء مساحة معتمة في حياة أخت نذرت نفسها لخدمة أخيها وقضيته السياسية. وعبر هذا التكريس أصبحت حسب المتعارفات الاجتماعية أخت الرجال، تخاف أنوثتها وضعفها الإنساني، وتشعر برهاب من العالم المفتوح على احتمالات لم تتعرف عليها عبر شخصية الأخ وكتبه السياسية. أهم أمتياز لهذه القصة ان حكايتها لم تكن من بين التجارب التي تستهوي القص النسائي العربي، فللنضال قيمة تعادل الحب الشخصي في عاطفة الكاتبة، والخيبة فيه تعادل الفشل العاطفي الذي يستدعي الشعور بالضياع والاحباط الشخصي، كما الحال في قصص الأدب الستيني. أما الجزائرية زهور ونيس التي تقارب جيل ديزي الأمير فكانت قصتها نهايات متشابهة تثير الاهتمام بموضوعيتها، عاطفتها الأنثوية وقضيتها موصوفة دون انفعال وتضخيم، مع أنها حكاية حزينة لفتاة تشتغل بالشعر والصحافة، ماتت منتحرة لأنها لم تستطع مواجهة استحقاقات ماضيها الاجتماعي حيث عاشت في مدينة مغلقة حملت بعض ملامحها في جسدها وروحها. ولم تستطع أن تدخل بجد في لعبة الحرية التي يوفرها حاضر معطوب في عاصمة مثل العاصمة الجزائرية. القاصة تقدم اشارات في غاية البساطة والعفوية لترسم شخصية بطلتها، ولكنها تدلل في النهاية على معرفة عميقة بالمنطق الذي يحكم زمام بناء الشخصية وفق المنحى الكلاسيكي في القص. بيد أن حكاية المرأة وأسلوب كتابتها كانت محور قصة رضوي عاشور "تقرير السيدة راء عن اليوم الأخير في الأسبوع"، وتعاين فيها أمر الكتابة النسوية من حيث هي مادة محيّرة، تنبثق ميلودراميتها من دون ارادة الكاتبة. على هذا تختار عاشور أكثر من مشهد لمتابعة حركة البطلة، التي تنتظر رجلها الذي لن يأتي. وفي المشهد الكاريكاتيري الذي يتشبه بأفلام شابلن الصامتة، تجد المؤلفة المفترضة الحل الأمثل في التلاعب بالزمن وأفعال البطلة معاً، وهي فكرة تجعل للقصة أكثر من طيف، فهناك معاينة لفعل الكتابة في تشكل ملامحه المحتملة، أي أن الكاتبة تشرك قارئها في مادتها الأولية بأبطال سحر الاستغراق والتماهي في فعل المحاكاة، وهناك مجهود للايحاء بمزحة ما في منطق المرأة المأساوي، وهي بالتالي تشتغل على الحال ونقيضها في مسألة المرأة كموضوع وكحالة أدبية. * كاتبة عراقية