أدى المسلمون صباح أمس صلاة عيد الفطر المبارك في مختلف أنحاء المملكة بعد أن مَنَّ الله عليهم بصيام شهر رمضان المبارك وقيامه. وقد توافد المصلون على مصليات العيد والجوامع والمساجد التي هيئت للصلاة في مختلف مدن وقرى ومراكز المملكة منذ الساعات الأولى من صباح أمس لأداء الصلاة. وشهد الحرمان الشريفان في مكةالمكرمة والمدينة المنورة كثافة في عدد المصلين الذين توافدوا اليهما. ففي مكةالمكرمة أدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - صلاة عيد الفطر المبارك مع جموع المصلين الذين اكتظ بهم المسجد الحرام والساحات المحيطة به. وقد أدى الصلاة مع خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. كما أدى الصلاة مع خادم الحرمين الشريفين معالي رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وأصحاب المعالي الوزراء وجموع غفيرة من المسلمين. وقد أم المصلين معالي رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد الذي ألقى خطبتي العيد اوصى المسلمين فيها بتقوى الله عز وجل، فمن اتقاه وقاه ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاه ومن تاب تاب الله عليه وهداه ومن أنظر معسراً إلى ميسرة نظر الله بذنبه ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه عظيم كربه ومن رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار. وقال معاليه إن عيد الفطر عيد أهل الإسلام.. وللصائم فيه فرحتان فرحة الفطر حين فطره وفرحة عند لقاء ربه.. وحق لأهل الإسلام أن يفرحوا بعيدهم ويتزاوروا ويتبادلوا التهاني كما أنه مطلوب منهم أن يسعدوا انفسهم وأهليهم والفقراء والأيتام والمحتاجين حيث أن شهر رمضان شهر الاحسان والجود والبر ومتوج بتقديم زكاة الفطر.. وأن تهنئة العيد لمن جد في أيام شهر رمضان وأحسن الاستقبال وأكرم الوافد وأرى الله من نفسه خيراً فصام وقام وتلا القرآن وتزود من الصالحات، مبيناً أن العيد المبارك لمن عمر الله قلبه بالهدى والتقى في قلب سليم وخلق كريم ومسلك مستقيم، غني محسن وفقير قانع ومحتاج متعفف ومبتلى صابر تعرفهم بسيماهم. وأكد أنه لابد من وقفة تأمل في هذه الأيام للظروف التي تحيط بعيد أهل الإسلام والعيد تتطلع فيه الآمال وقفة حول اصلاح شأن الأمة ومن المعلوم أن حديث الاصلاح ذو شؤون وشجون، مؤكداً أن هذه الوقفة ستكون في مسألة جامعة عن قضية تعيشها الأمة في كثير من أقطارها بل يعيشها ويتحدث عنها كثير من المعنيين بالاصلاح من الساسة وأهل العلم والكتاب والمثقفين وأصحاب القرار وتشتغل بها وتنشغل وسائل الإعلام كافة فهذه القضية قضية الخطاب الديني والخطاب السياسي والخطاب الثقافي والفكري والحوار والنقد والردود والمناقشات. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: حري بأمة الإسلام وهي تتحدث هذه الأيام عن الانفتاح والاصلاح في كتاباتها وقراراتها ونقاشاتها بين ولاة أمرها وقياداتها وشعوبها حري بها وهي تنشد الاصلاح وتطالب به وتكتب فيه وتحاور من أجله أن تفحص نفسها وتفحص نفوس افرادها بصدق واخلاص ونقد هادف ومحاسبة نزيهة.. فالاصلاح والتغيير لا يكونان إلا من الداخل وأول الدواخل داخل النفس منها يبدأ التغيير ومنها يبدأ الاصلاح.. وأن المعيار الذي لا يتخلف في الاصلاح مهما تعددت الوسائل وتنوعت الادوات خطابا كان أو حواراً أو منهجاً وأن المعيار الإسلامى هو معيار النفس. ومضى الشيخ ابن حميد يقول: إن الخطاب والحوار والنقد الهادف والتعايش الواعي وتبادل الآراء بايجابية سلوك حضاري وفعل راقٍ يسعى العقلاء إلى تقريره ونشره وبثه.. بل إن حضارات الدنيا هي نتاج التفاعل الايجابي مع القضايا والعلاقات الفردية والاجتماعية وأن الخطاب والحوار هما قيم إنسانية راقية ووسيلة حضارية لعلاج الخلافات بين الناس والفئات بطريقة سلمية بل ان الحوار هو الوجه الحضارى المضيء في مقابل التعصب والانغلاق والاستبداد والاقصاء. وشدد معاليه يقول إن الخطاب المتزن والحوار الهادئ والنقد الهادف والجدال بالتي هي أحسن تقوم قاعدة الاتصال والتواصل والاحترام الفكري المتبادل وتبرز روح التسامح والقدرة على استيعاب أفكار الآخرين والتعامل معها. وأردف يقول في هذه الاجواء تتولد الوسطية والعدل والبر والقسط وتنشأ كل سجايا الطيية بأبعادها الشرعية والثقافية والفكرية والاجتماعية مع كل الاطراف والاطياف مهما اختلفت القناعات والثقافات.. ومن أجل هذا كله وغيره فإن الخطاب الرقيق والجدال بالتي هي أحسن والحوار الهادف من مكونات ديننا وحضارتنا بل هو ممارسات أنبياء الله ورسله جميعا عليهم صوات الله وسلامه ثم العلماء والصالحين من اتباعهم. وأكد الشيح صالح بن حميد أن القرآن الكريم احتفى بالحوار والمجادلة أيما احتفاء مشيرا إلى تنوع أساليب الخطاب والحوار في القرآن الكريم وانها مثار العجب ومحل لتأمل تخاطبات وحوارات ومجادلات الأنبياء مع اقوامهم وبين الانبياء والملاء المستكبرين وبين المؤمنين والكافرين وبين أهل الملة الواحدة بين الأب وابنه والمرء وزوجه بل بين الملائكة المقربين وربهم عز شأنه وبين الإنسان والشيطان وأن القرآن الكريم نوع ذلك ورسم مناهجه في قصص وامثال ومواعظ توجيهات تشريعية. وقال إن من الجلي البين أن الحوار والمجادلة في القرآن الكريم ليست الغاية فيه مقصورة على الاقناع والغلبة ولكنه حوار هدفه الحق وبيانه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن بل نهى القرآن بأسلوب صريح لا لبس فيه ألا يكون الجدال إلا بالتي هي أحسن. وواصل يقول إن هناك ارتباطا وثيقا بين التفكير السليم والتعبير السليم وبين التفكير السقيم والتعبير السقيم وأن هذا معيار ثابت لا يختلف في مكاشفة ناصحة إن شاء الله فيقال إن عدداً غير قليل من أهل العلم وأصحاب الرأي والمفكرين والمثقفين بحاجة ملحة إلى التخلي عن حالة الفردية والاستبداد الفكري من أجل الوصول إلى اجواء خطاب ونقاش وحوار يستهدف المصلحة العليا للدين والدار والدولة. وأضاف معاليه يقول: لو تأمل المتأمل بنظر فاحص لبعض ما يجري من أحاديث وكتابات وردود ومناقشات لوجد كثيراً من الكتابات النقدية السلبية الهدامة وكأنها تقوم بدور القناص الذي يقتنص الاخطاء، يتخير السلبيات ليضخمها وينفخ فيها غير مراع البتة نسبتها للصواب الحق وانه إذا اختلف مع أحد أو ابغضه لهوى في نفسه أو تبعية جرده من جميع الفضائل ولم ينظر إلا لسيئاته وعثراته وينسى أو يتناسى ايجابياته واثره الطيب في الأمة. واستطرد الشيخ ابن حميد قائلاً: وإن هذا المسلك أدى إلى التنازع والتقاطع ثم البغي والظلم فتفرقت الكلمة واستبيح الحمى وعبث الاعداء في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى الترابط والتآلف والوقوف صفا واحدا إمام التحديات الكبيرة والتهديدات التي تستهدف الجميع وإن الفتن بين الناس لا تنشاء إلا إذا بغوا وظلموا وجانبوا العدل والانصاف. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام إن كثيرا مما يجري ليس انفتاحا ولا حرية رأي ولا رأيا آخر ولكنه تبادل اتهامات وتحريض كل طرف ضد الطرف الآخر بل هو ايقاد للفتن ونفخ في الطروحات حتى يزداد الاحتقان وأن الاحداث الجسام تتوالى على الأمة وتزداد الاطماع في ممتلكاتها الجغرافية والمالية والثقافية. وأضاف فضيلته يقول: وأهل العلم والرأي والفكر والقرار منقسمون ومنشغلون في جدل الذات والجدال العقيم وتبادل التهم وأن كثيراً من الخطابات والكتابات هي تشكي وتلاوم وتخاذل والقاء بالمسؤولية والتبعية على الآخر وتبرئة النفس وما كان هذا اصلاحا ولا انفتاحا ولكنة تلاوم وتقاذف للمسؤولية والهروب من مواجهة النفس وتمكين للاعداء، وبين انه لا يكاد يطرح موضوع من الموضوعات العامة كموضوع المرأة أو التعليم أو الاصلاح أو الحوار مع الآخر إلا وتموج الساحة موجاً ويمور الإعلام موراً بالقذف والتعبير والتجهيل والتسفيه والاتهامات المتبادلة عدا هذا انحراف في المنهج وفساد في المعالجة يجب نبذه بالكلية والانصراف عنه بالجملة والتنزه عنه. وأضاف يقول: إن التعصب والهوى والاقصاء والاستبداد لا يمكن أن يكون من متدين صحيح التدين ولا من مخلص صادق الاخلاص وأن التعصب والتصنيف والاقصاء يكون اكثر ظهوراً وإلحاحاً في الفئات ضعيفة التدين أو منحرفة التدين وفي أصحاب الاتجاهات ذات الاهواء والاغراض وان هذه الفئات وامثالها تحب وتبغض وتقرب وتبعد بناء على أهواء وانتماءات وتعجز أن ترى المصالح الحقيقية وقد أعماها هواها وأظلها تعصبها وصدها انحرافها، وأكد أن الأمة بحاجة إلى نزع الاشواك وتصفية العقول والقلوب من الشوائب الفكرية والاجتماعية وتطهير النفوس وتحرير العقليات من الاستبعاد والاستبداد والتصنيف والاقصاء ونزع روح الاستعلاء الفكري والاجتماعي حتى لا يكون هناك قيد على النفوس والعقول إلا مراقبة الله عز وجل والتزام احكام الشرع ومراعاة ضوابط الدين وثوابته والحفاظ على الجماعة. وقال فضيلته إن هذا الحديث موجه إلى كل من يعلو المنابر الإعلامية في خطب وكتابات وحوارات وندوات وردود ومناقشات فعليهم أن لا يغيروا الحقيقة فباب الاجتهاد مفتوح لأهله وحق ابداء الرأي مبذول من أصحابه ولا ينبغى أن يكون التفكير ضيقاً فأما وجود واما اجتثاث وينبغي التواصي على قبول المخالف والتحاور معه كما ينبغى نشر ثقافة الحوار وتحري الحق وقبوله واحترام الآخر في المجتمع الأسري والوسط المدرسي في المناهج والمقررات ووسائل الإعلام من أجل تغيير النفوس ومن اجل أن ينشأ اجيال تعرف الحق وتنشده وتحسن الحوار وتقدر عليه وتقبله من الآخرين. وتحدث معاليه عن خطوات الاصلاح وتغير النفوس إلى الافضل والاقوم قائلاً: إن من أهم خطوات الاصلاح وتغيير النفوس إلى الافضل والاقوم الاصلاح في الخطاب ولغته الكتابية وطريقة مخاطبة الناس وأسلوب النقد والحذر من توظيف الظروف والبعد عن الاقتيات على الاحداث واستغلال الازمات لتلميع النفس والحط من الآخرين وتعليق المشكلات عليهم بأسبابها وآثارها وان اصلاح الخطاب ولغته الكتابية تمثل القيمة الحقيقية لدعاة الاصلاح والانفتاح والتغيير للأفضل في النفوس وفي الأمة.