خلال دراستي لكلية الطب كنت أعتقد أن مرض البهاق هو بقع بيضاء لا يمكن علاجها بسهولة، وحينما تخصصت في الأمراض الجلدية عرفت أكثر، وتعلمت أنه يمكن علاجها بالكريمات والعلاج الضوئي، وعند معاينتي لمريض البهاق أحاول دائما التركيز على إزالة هذه البقع البيضاء وزيارة مريض البهاق كغيره دقائق معدودة ثم موعد للمتابعة، وكل من تدرب في أوروبا أو أمريكا يعلم أن مرض البهاق ليس من الأمراض المهمة نسبياً مقارنة بسرطانات الجلد لا سيما أن لون جلدهم أبيض فهو قد لا يعني لهم الكثير. لم أكن أتخيل أن هذا المرض قد يكون له انعكاسات نفسية واجتماعية سيئة حتى اطلعت على دراسة عملت في إحدى المجلات العلمية المحكمة أوضحت أن مرضى البهاق يعانون في حياتهم اليومية أشد مما يعانيه البعض من الأمراض المزمنة مثل السكر، والضغط بل وأمراض القلب. وكانت قد عملت بواسطة توزيع استبيان فيه مجموعة كثيرة من الأسئلة تهتم بطبيعة وتوعية حياة المريض قبل وبعد المرض Quality Life index نعم إن بعض مرضى البهاق قد تكون إعاقته النفسية والاجتماعية أكبر من إعاقة من فقد أحد أعضائه الجسمانية لكنه عضو فعال ونشط في المجتمع، وهو على كرسيه المتحرك إذا لم يجد الدعم النفسي والاجتماعي. من ذلك قامت فكرة المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية، كنت أعتقد أنه سوف يكون مشروعا صغيرا يهتم بتكثيف العلاج الطبي لمرضى البهاق، وإذا بي وخلال فترة سنة تقريبا يتضح لي أن هناك مجموعة كبيرة من مجتمعنا لا تقل عن 2% هم معاقون اجتماعيا، وهذه الإعاقة نسبة قد تكون ضيقة صدر فقط كما يحلو للعامة أن يسموها وهي طبياً تسمى اكتئاب وتحتاج إلى متابعة دقيقة، وقد تكون، إعاقة كلية من البعد عن المجتمع والوظيفة بل حتى عن الحياة الزوجية. قد يعتقد البعض أنني أبالغ أقولها بصراحة إن لم نتدارج تلك الشريحة من مجتمعنا وإلا سوف نفقدها وخاصة النساء منهم، لك أن تتخيل أنثى في مقتبل العمر وقد أصيبت بهذا المرض، وتتعامل مع مجتمع يجهل الكثير من هذا المرض فبعضهم يعتقد أنه معدي، والآخر وراثي فهي في المدرسة والمنزل والمجتمع محرجة إن حاولت التداخل معهم ابتعدوا عنها، وإن ابتعدت عنهم أحست بالفراغ والوحشة. قصص واقعية نشاهدها شبه يومية في مجتمعنا ليس هذا مجال ذكرها فهذا بائع يبيع متجره بعد أن أصيب بالبهاق لقلة زبائنه، وآخر يتمنى وفاة ابنته المصابة بالبهاق لأنه بزعمه سوف تحرم إخوانها من الزواج، وطالب موفق في السنة الأخيرة من الثانوية العامة وحاصل على مجموع 98% ينقطع عن الاختبارات بسبب استهزاء زميله، وهذه تمتنع عن الزواج بسبب خشية الطلاق. في الختام يجب أن أقولها- ولله الحمد- بكل فخر أن ما تم إنجازه في المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية لدعم هؤلاء المرضى وتوفير العلاج الطبي الحديث الموضعي والضوئي والليزر بل وعن جراحة زراعة الخلايا الصبغية حيث تم استقطاب د.موليكر الذي يعد من أهم المراجع في العالم لهذه العملية والأهم من ذلك كله هو الدعم النفسي والاجتماعي والتركيز على ذلك من خلال عمل جلسات خاصة عائلية قد تمتد إلى المدرسة والعمل بل إلى أعمق من ذلك حيث كان لمركز له مساهمة للتنسيق في نجاح عدة زواجات لم تكن لتحدث لولا الله ثم المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية. هذه دعوة لكل مجتمعنا أن يتفاعلوا مع مرضى البهاق إيجابياً لكيلا نخسر تلك الشريحة المهمة من المجتمع. يجب أن أذكر أن هناك شريحة كبيرة من مرضى البهاق كان لديننا الإسلامي أثر في تهذيب نفوسهم في التعامل مع هذا المرض فقالوا: إن هذا ابتلاء من الله عز وجل، وهذا قضاء الله وقدره فأخذوا بالأسباب وذهبوا للأطباء، ولكن أيقنوا أن الحول والقوة أولاً وأخيراً هي بيد الله، ورضوا بأن يكونوا من الصابرين فهم نجوم في مجتمعنا، فهذا طبيب والآخر طيّار، وهذه معلمة وأم ناجحة فلم يعقهم هذا المرض ونظرتهم إليه أنه بقع بيضاء يجب ألا تعيقهم عن إكمال نجاحهم في الحياة فتحية لهم جميعاً... * المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية