تعتبر المملكة العربية السعودية من بين عدد قليل من دول العالم التي يجري فيها حاليا معالجة البهاق الجراحية بزرع الخلايا الصباغية، حيث تجري بنجاح حاليا في عيادات «لايت» بالرياض. حول هذا العمليات وغيرها من الموضوعات التي تتعلق بالبهاق وعلاجاته المختلفة ونسب نجاحها دارت مناقشات المؤتمر العلمي الذي نظمه الأسبوع الماضي المركز الوطني لعالج البهاق والصدفية «عيادات لايت» بمشاركة ثلاثة من الأطباء المتخصصين في طب وجراحة الجلد ومعالجة البهاق، وبحضور أكثر من خمسين طبيباً وطبيبة مختصين بأمراض وجراحة الجلد. في بداية المؤتمر قدم الدكتور أحمد العيسى استشاري طب وجراحة الجلد والليزر في عيادات لايت، شرحاً مستفيضاً عن البهاق وعلاجاته المختلفة، ونسبة نجاحها، مركزا على المعالجة الجراحية للبهاق بزرع الخلايا الصباغية وهي معالجة حديثة ولا تجرى إلا في عدد محدود من دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية في عيادات لايت. ثم تحدث الدكتور عبدالله العيسى استشاري طب وجراحة الجلد والليزر في عيادات ديرما عن تطور العلاج الجراحي للبهاق بزرع الخلايا الصباغية، إلى أن أصبحت هذه العملية تجرى في المملكة من قبل أطباء سعوديين. بعد ذلك تم تقديم حالة حية من غرفة العلميات عن زرع الخلايا الصباغية أجريت من قبل الدكتور سانجيف موليكر، شرح من خلاله كيفية إجراء العلاج الجراحي للبهاق. كما تطرق إلى مرضى البهاق وعن تأثيراته النفسية والاجتماعية وعن نتائج العلاح الجراحي من خلال خبرته الخاصة في علاج البهاق الجراحي حيث انه أجرى أكثر من 1000 عملية وهو رقم لم يصل إليه أي طبيب آخر في العالم، واستعرض صوراً لبعض المرضى قبل وبعد العمل الجراحي.وعلى جانب المؤتمر، كان لنا لقاءات عدة مع الأطباء الثلاثة دارت حول مرض البهاق وعن عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية وغيرها من القضايا. * نود أن نتعرف بداية على ماهية البهاق؟ د. أحمد العيسى: البهاق عبارة عن بقع جلدية بيضاء «فاقدة اللون» وحدودها واضحة عادة، ويكون الجلد فيها سليماً ما عدا فقدان اللون بسبب فقدان الخلايا الصباغية المسؤولة عن إفراز الصباغ الذي يعطي الجلد لونه. * ما طبيعة الحالات التي يستقبلها المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية «عيادات لايت»؟ د. أحمد العيسى: نعالج في هذا المركز البهاق والصدفية فقط، وأعتقد أنه المركز الوحيد في الشرق الأوسط المتخصص في علاج البهاق والصدفية فقط، حيث نقوم بفحص المريض وتقييم حالته وإجراء التحاليل اللازمة ومن ثم نضع الخطة العلاجية المناسبة، وذلك تحت إشراف أطباء اختصاصين وطاقم تمريضي متمرس. * ما العلاجات التي تقدمونها لمرضى البهاق في هذا المركز؟ د. أحمد العيسى: هناك العديد من العلاجات لمرض البهاق وتختلف باختلاف شكل المرض وحالة المريض، وتقسم إلى علاجات محافظة وعلاج جراحي. أما العلاجات المحافظة فمنها العلاجات الموضعية باستخدام الكريمات الكورتيزونية أو المركبات المضادة للأكسدة، وهناك العلاج الضوئي بمختلف أشكاله، ولدينا أجهزة متطورة من ضمنها جهاز ليزر الإكزايمر، فضلا عن العلاج الجراحي بزرع الخلايا الصباغية حيث اننا أول من أجرى هذه العملية في المملكة. بعد ذلك تأتي العلاجات المتممة مثل الماكياج والذي يجرى لدينا بأيدٍ خبيرة بحيث تخفي البقع البيضاء، وهناك العلاج بإزالة اللون عن طريق نوع معين من الكريمات والذي نصفه عادة للمرضى الذين لديهم البهاق منتشر بمساحة كبيرة من الجسم أو لدى المرضى المصابين بأشكال معينة من البهاق والتي لا تستجيب عادة لباقي العلاجات بما فيها العلاج الجراحي. * ما الجديد في العلاج الجراحي للبهاق؟ د. أحمد العيسى: هناك عدة أشكال للعلاج الجراحي للبهاق أذكر منها علاج البهاق بالطعم الجادي المأخوذ بالشفط، والطعم الجلدي الرقيق، والطعوم الصغيرة، وزرع الخلايا الصباغية التي يتم تكثيرها في المختبر وأخيرا زرع الخلايا الصباغية الذاتية المأخوذة من المريض مباشرة وهي الطريقة المتبعة لدينا وتعتبر الأفضل حسب الدراسات العالمية. * هل كل أشكال البهاق قابلة للعلاج جراحياً؟ د. أحمد العيسى: بالطبع لا، فهناك عدة شروط لذلك منها أن يكون البهاق ثابتا غير نشط لدى المريض، أي أن تكون بقع البهاق ثابتة الحجم لمدة لا تقل عن سنة ويفضل سنتين، وعدم محرض ظهور أي بقعة جديدة منذ أكثر من سنة. كما يجب أن يكون البهاق لدى المريض غير محرض بالرض، فهناك بعض المرضى تظهر لديهم بقع جديدة في أماكن الجروح، كما أننا لا نلجأ للجراحة إلا إذا كانت البقع معتمدة على الأشكال المحافظة من العلاج، كما يجب أن يكون الجلد في بقع البهاق سليماً. * ما هي نسبة تحسن العلاج الجراحي للمناطق الطرفية مثل اليدين والرجلين؟ هي نسبة ضعيفة وعادة لا ننصح مرضى بهاق اليدين والرجلين بعمل هذه العملية لأن نسبة النجاح في مثل هذه الحالات ضعيفة كما ذكرنا. * وكيف تتم عملية إجراء العلاج الجراحي للبهاق؟ د. أحمد العيسى: تجرى العملية داخل العيادة وتستغرق حوالي الساعتين، يكون المريض خلالها واعياً حيث تجرى تحت التخدير العام إلا في بعض الحالات كما عند بعض الأطفال. ويبدأ الطبيب بشرح هذه العملية للمريض والإجابة عن كافة الأسئلة من شرح مرحلة ما بعد العملية، ثم يحدد مكاناً من مناطق الجلد السليم التي يراد أخذ الطعم «الشريحة» منها وتكون عادة في أعلى الفخذ، وتؤخذ هذه الشريحة بوساطة آلة خاصة لضمان الحصول على طبقة رقيقة جداً، يتم وضعها فوراً في محلول خاص ثم في حاضنة بدرجة حرارة معينة لمدة 45 دقيقة، ثم تغسل وتوضع في محلول آخر بحيث يسهل فصل الخلايا الصبغية عن غيرها، ثم توضع في محلول آخر لتسهيل زرعها داخل مناطق البهاق، وخلال هذه المرحلة ينصرف الطبيب إلى مناطق الجلد المصابة بالبهاق حيث يستعمل الليزر أو جهازاً خاصاً لتقشير هذه المناطق لتصبح جاهزة لتلقي الخلايا الصبغية. وبعد وضع الخلايا الصبغية بطريقة خاصة يتم تغطية هذه المناطق بمواد تمنع دخول الماء والهواء لمنع التلوث ثم يعود المريض إلى المنزل، وليس هناك لزوم للراحة التامة، ما عدا عدم التحريك العنيف للمناطق المزروعة خاصة في الثلاثة أيام الأولى، ويتم متابعة المريض كل أسبوع ثم كل شهرين بعد الشهر الأول من العملية. * متى تبدأ بقع البهاق بالتصبغ بعد العملية؟ د. أحمد العيسى: يبدأ عادة بعد 3-4 أسابيع ويستمر كذلك بإذن الله لمدة أشهر إلى حين التصبغ الكامل. * نود أن نتعرف على بعض النتائج لديكم في عيادات لايت؟ أجرينا دراسة شملت حوالي 55 مريضاً بالبهاق عولجوا في عيادات لايت بالمعالجة الجراحية بزرع الخلايا الصباغية، وقد استطعنا متابعة 19 منهم دورياً لمدة كافية تزيد على ثلاثة أشهر للحكم على نجاح العملية. كان هؤلاء المرضى مصابين بأشكال مختلفة من البهاق، وكان البهاق القطعي هو الأكثر شيوعاً، ثم الموضعي ومن ثم المنتشر وأخيرا بهاق الأطراف، كما حددنا في هذه الدراسة انتشار البهاق وفقاً للعمر والجنس وحددنا نسبة التحسن من ممتازة، إلى جيدة، ثم متوسطة، ثم ضعيفة، وكانت النتائج متوسطة إلى ممتازة لدى 80% من المرضى وضعيفة لدى 20% من المرضى. ولكن علينا أن نذكر أن هذه النتائج ترتبط بنوع البهاق المعالج، حيث ان البهاق الموجود في مركز الجسم، أو في مناطق فيها شعر تكون استجابته للعلاج الجراحي أفضل بكثير من البهاق الموجود في الأطراف البعيدة من الجسم، أو في المناطق غير الحاوية على شعر. وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى عن معالجة البهاق جراحياً في الشرق الأوسط. ولكنها تحتاج لدراسات أخرى شاملة على عدد مرضى أكبر يتم دعم هذه النتائج وتأكيدها. وعلينا أن نذكر أن مضاعفات هذه العملية نادرة وتكاد تكون معدومة. كان لنا أيضا لقاء مع د. عبدالله العيسى استشاري طب وجراحة الجلد والليزر في عيادات ديرما، حيث سألناه: * نود أن تحدثنا عن تطور معالجة البهاق جراحياً وكيف تم إدخالها إلى المملكة العربية السعودية؟ د. عبدالله العيسى: هذه التقنية بدأها عالم أمريكي في جامعة yale اسمه ليرنر وهو نفس الطبيب الذي تدربت علي يديه عام1995م، ثم قام الدكتور أولسون من السويد والدكتور نايرت من بلجيكا بتطويرها، إلى أن قام طبيب هندي اسمه موليكر «وهو يعمل معنا في عيادات لايت حالياً» بتطوير هذه العملية مجدداً وأجرى أكثر من 1000 عملية من هذا النوع حيث لم يسبق لأي طبيب آخر في العالم أن قام بنفس هذا العدد من العمليات. ويقوم المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية «عيادات لايت» منذ حوالي السنة بإجراء هذه العملية لأول مرة على أيدي أطباء سعوديين وكما قلت قبل فقد انضم إلينا الدكتور موليكر صاحب الخبرة الأوسع في هذا المجال في العالم. * التقينا أيضا د. موليكر وطلبنا منه أن يحدثنا عن التأثيرات النفسية والاجتماعية للبهاق؟ فقال: رغم أن البهاق مرض سليم ليس له أي تأثيرات ضارة للبهاق، إلا أن له تأثيرات سلبية على المصاب به وعلى المجتمع الذي يعيش فيه المريض، لدرجة أنه للأسف قد يمنع الشخص من الزواج، أو الحصول على وظيفة مناسبة، وقد يصاب جراء ذلك بأمراض نفسية متعددة. * بماذا تنصح المرضى المصابين بالبهاق؟ على مرضى البهاق أن يتصرفوا وكأنهم ليسوا مصابين بأي مرض، وعليهم أن يمارسوا نشطاتاتهم بشكل كامل، وأن يقرؤوا عن مرضهم لتزداد ثقافتهم عنه ليستطيعوا مناقشة الآخرين في مجتمعهم، وعليهم أن يتذكروا أن ابواب العلاج مفتوحة فيجب الا ييأسوا، حيث توصل العلم لعلاجات حديثة مثل زرع الخلايا الصباغية الذاتية، كما يجب على المجتمع ألا يتعامل معهم على أنهم مرضى، بل يحاول أن ينسيهم مرضهم لا أن يذكرهم به، كما على مرضى البهاق أن يبنوا جسوراً من الثقة بينهم وبين أطبائهم. * علمنا أنك أجريت أكثر من 1000 عملية زرع للخلايا الصباغية لمعالجة البهاق، حدثنا عن النتائج التي حصلت عليها إلى الآن؟ نعم هذا صحيح، لقد أجريت أكثر من 1000 عملية إلى الآن، وبالطبع تختلف النتائج باختلاف المنطقة المعالجة من الجسم، فالمناطق الطرفية قد لا تتجاوز فيها نسبة النجاح 30%، في حين أن هذه النسبة ترتفع لتفوق ال 90% في المناطق الموجودة في مركز الجسم أو القريبة منه، والمحتوية على شعر، ولكن يمكن زيادة نسبة النجاح حتى في الحالات الطرفية بإعطاء المريض كميات قليلة جداً من الكورتيزون بطريقة خاصة بحيث نحصل على التأثيرات العلاجية المرغوبة ونتجنب ما أمكن التأثيرات الجانبية، وكما ذكر زملائي فيجب متابعة المريض دورياً بعد الجراحة لتقييم وضعه والوقوف على نتائج العملية.