الإنسان بطبعه يأنس بالرحلات، والتنقل من مكان إلى آخر وإمتاع ناظريه في كل ما يروقه ويريح خاطره، فهي تبهج النفس، وتجدد النشاط الروحي والبدني معاً، وقد حدا بنا الشوق إلى زيارة بعض المصايف والمناطق السياحية الجنوبية والغربية من بلادنا الحبيبة إلى قلوبنا بدءاً بأبها، وكان من سعادتنا أن مررنا بمدينة الباحة بعد قفولنا من مدينتي أبها والنماص، وبمدينة بلجرشي المجاورة لمدينة الباحة التي تكثر بها أشجار الفواكه مثل الكروم، والرمان، والسفرجل، وأنواع الخضراوات المختلفة، كما أن أشجار اللوز والزيتون والعرار تجلل وتكسو تلك الجبال السمر خضرة وجمالا.. وفي هاتيك الربوع مناحل كثيرة تمج أنقى وأصفى أنواع العسل: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشا قلت ذا قيء الزنابير..! وموقعها الجغرافي يخول لها أن تكون البوابة الثانية بعد مدينة الطائف صوب الجهات الجنوبية، وغيرها من البلدان. ولقد حظيت بالكثير من المشاريع العملاقة الحكومية وتعدد المشافي والمدارس بمختلف المراحل والمستويات، وبالكليات المتعددة مثل كلية المعلمين، وكلية المجتمع للعلوم.. وغير ذلك.. من متطلبات المواطنين.. والواقع أن هذه المدينة مدينة الباحة تعتبر من مدن الجانب الجنوبي الغربي للمملكة العربية السعودية التي وهبها الله جمال الطبيعة وأضفى على جوها الاعتدال والنسائم العليلة في الغدو والآصال مما جعلها منتجعاً وملاذاً جميلا لمن ينشد الهدوء وراحة البال، وخاصة بعد ما امتدت اليها يد الحضارة والتقدم الشامل، وبعد تذليل تلك الجبال الرواسي من فوقها ومن تحتها، بل من كل جانب مع شق الكثير من الأنفاق العملاقة، فبهذا العمل الجبار سهل الوصول إليها ومنها بكل يسر وانسياب مع اختصار المسافات الطويلة.. وهذا من فضل الله ثم بجهود حكومتنا الرشيدة التي لم تألُ جهداً في إسعاد وراحة المواطنين والمقيمين معاً، فهي تبذل المليارات من الريالات في أرجاء هذا الوطن المتباعد الأطراف المتقارب بسبب تمهيد الطرقات وزفلتتها، فهذه المدينة تقع في موقع مهم.. يطل شطر منها على سهول تهامة من الناحية الغربية الجنوبية، وتشتهر بالغابات الكثيفة وورافة الظل مثل غابة متنزه رغدان، وغابة شهباء، ووادي فيق، وغير ذلك من المتنزهات التي تساعد على كثافة المصطافين عاماً بعد عام، كما يوجد بها كثير من الآثار والمعالم البارزة مثل العديد من الحصون، والقلاع محكمة البناء المتربعة على كثير من قمم الجبال التي لم تؤثر فيها عوامل التعرية وهطول الغوادي رغم مرور مئات السنين على بنائها، وكانت قديماً تتخذ كمنصات للدفاع عن الأوطان، وللاستشعار عن بعد.. ولكن بعدما وطد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - أركان هذه البلاد وساد الأمن في أرجائها لم يعد لها حاجة سوى العبرة والشكر للمولى، والدعاء لولاة الأمر حماة الوطن.. كما لا يخفى دور البلدية الفتية ولجان التنشيط السياحي بنفس المنطقة، ومتابعة واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة الباحة وإظهارها بالمظهر الحضاري، التي تقوم بمجهودات متلاحقة في كثير من المجالات التي تهم المصطافين وأسرهم وأطفالهم والحث على توفير الخدمات العامة والخاصة مما جعل الكثير منهم يطيل المكث بها في هناء ومسرات، ومما يرغب كثيراً المزيد من الوحدات السكنية والفنادق مع الاعتدال في الإيجارات كي يضمنوا الاستمرار في وجود من يؤم تلك المناطق بصفة عامة.. والذي يتمناه كل مواطن من وزارة المواصلات ممثلة في وزيرها النشط معالي د.جبارة الصريصري أن تغذ السير في توسعة الطريق الرئيسي المهم جداً بدءاً من مشارف الطائف وحتى أبها الذي سبق أن افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - متعه الله بالصحة ودوام المسرات - وبُدىء في تنفيذه، ويا حبذا لو وزعت المراحل الأخرى على عدد من الشركات - كسباً للوقت - بحيث تأخذ كل شركة جزءاً من الطريق الطويل الحيوي الموصوف بالوعورة وقساوة الصخور الذي هو الآن مسار واحد إلى أبها فهو محفوف بالمخاطر والكثير الحوادث: إذا العبء الثقيل توزَّعته أَكُف القوم خف على الرقاب! وتحقيق وصوله إلى هناك أعتبر أنه عمل جبار، ومعجزة من معجزات هذا العصر الزاهر، ولكن المال - بحمد الله - يذلل كل صعب مذكرين لمعالي الوزير بقول الشاعر العربي: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع (للأجبال) أن يلجا..! ولا ننسى دور النادي الأدبي بالباحة ممثلاً في رئيسه الأستاذ سعد عبد الله المليص وجميع أعضائه المخلصين فهو دور إيجابي في احتضان الشباب واستثمار أوقات فراغهم في مزاولة ما ينفعهم من عموم الأنشطة واكتساب المهارات وتوسعة مداركهم، وترغيبهم في اعتلاء المنابر المسرحية والخطابية لإبعاد أشباح الهيبة والخجل، والتعود على الارتجال وقوة البيان مما ينمي فيهم روح الثقة وسهولة الترسل أثناء الحديث والمداخلات الأدبية والثقافية عموماً، فهذه كلها تنفعهم في قابل حياتهم.. كما أن الأستاذ سعد يحسن الانتقاء في اختيار من يستضيفهم من كبار الأدباء والشعراء من أبناء هذا الوطن وغيرهم من البلدان المجاورة، ليضيئوا سماء النادي بعلومهم وتجاربهم المفيدة، وبأشعارهم الدسمة عالية المستوى مع تتويج هذا المنتدى - في كثير من المناسبات - بحضور أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير الأديب محمد بن سعود بن عبد العزيز - المعروف بالحنكة وبقوة البيان وحلو الحديث في بعض المداخلات وتوجيه النشء توجيها سليماً، وحثهم على الاستقامة والابتعاد عما يشينهم فهم عدة الوطن ورجال المستقبل: يتزين النادي بحسن حديثهم كتزين الهالات بالأقمار فأبو سلطان صاحب الذكر الحسن والمبادرة الحميدة، وأمثاله من أمراء المناطق لهم دورهم الفاعل في تطوير مناطقهم، ودفع عجلات التقدم الذي تشهده مملكتنا في ظل حكومتنا الرشيدة، كما لا ينسى دور كل عضو عامل في خدمة وطنه كل في موقعه.. فمحبة أمير الباحة راسخة في نفوس وخواطر الأهلي ولسان حالهم يرددون هذا البيت: فلا أرتنا الليالي منكم بدلا ولا خلت منكم الأشعار والخطب