واصلت أسعار النفط تقدمها متخطية سقف 60 دولاراً للبرميل، ومتجاهلة جميع المحاولات التي تبذلها الدول المنتجة والمستهلكة لكبح جماح هذا الارتفاع، وامتصاص سوق النفط لكل زيادة تطرأ في العرض مهما زاد حجمها.. حيث قال خبراء إن الصين والولايات المتحدة الأميركية هما الدولتان المعنيتان بامتصاص الزيادة لأنهما الأكثر استهلاكاً للنفط، مع توقف بعض الدول عن تزويد السوق بالنفط، وهذا ما جعل السوق يقلق ويدفع بالأسعار للأعلى. كما ظهر تأثير ارتفاع الأسعار على تذاكر وتعرفة الطيران بمناسبة موسم الصيف الذي تشتعل فيه خطوط الطيران، حيث ارتفعت بمقدار 50%, بل إن بعض الخطوط واجهت خسائر وإفلاساً لم تستطع من التغلب على أوضاعها المالية بسبب تقلبات أسعار النفط في ظل محاولة بعض شركات التأمين محاولة السيطرة على هذه التقلبات. حول هذا الموضوع استضفنا بعض المختصين في هذا المجال، حيث شاركنا المهندس عبيد الله سعيد الغامدي، رئيس المركز العربي لتقنية الوقود، فقد أجاب على الأسئلة التي طرحناها عليه... الصين المنافس الرئيسي القادم * مسألة العرض والطلب هل تُعد عاملاً مؤثراً في ارتفاع سعر برميل النفط؟ أم أن هناك عوامل أخرى؟ - بعد الارتفاع العالي لأسعار النفط خلال العام الماضي إلى مستوى 50 دولاراً أمريكياً للبرميل تأتي الأزمة الحالية بارتفاع البرميل إلى أعلى من 60 دولاراً أمريكياً.. ومهما تعددت الأسباب والعوامل المؤثرة ومنها: نقص الطاقة الإنتاجية للمصافي البترولية، وكذلك تدخل المضاربين في المراهنة على أسعار النفط والعمل على زيادتها وجني الأرباح في ذلك فإنها في النهاية تصب في محصلة العرض والطلب. ومن العوامل الرئيسية تعاظم الطلب على الطاقة في الدول الصناعية وبخاصة في أمريكاوالصين التي دخلت كلاعب رئيسي في مجال الطاقة في السنوات الأخيرة.. وأتوقع أن تكون الصين المنافس الرئيس خلال السنوات القادمة على الموارد النفطية لمقابلة زيادة الطلب العالمي على منتجاتها من السلع التجارية. سوق نخاسة النفط * كانت هناك ملامح في أن أسعار النفط ستتجه للانحدار حسبما صرّحت به منظمة أوبك، لكن لا يزال السعر في ارتفاع ما السبب في نظرك؟ - من المعروف في أسواق النفط أن البراميل الفعلية هي في حدود المئة مليون برميل تقريباً ويقابلها أربعة أضعاف من البراميل الورقية أي حوالي أربعمائة مليون برميل ورقي يتم تداولها والمراهنة عليها والبيع والشراء يتم في (سوق نخاسة النفط) إذا جازت التسمية.. وبالتالي فان عوامل السوق وتصرفات المضاربين تمسك بتلابيب النفط، وفي هذه الأجواء فان تأثير منظمة أوبك محدود لانعدام سيطرتها المطلقة على السلعة الرئيسة الاستراتيجية لدولها.. وبالتالي فإن الأسعار ستتجه للانحدار الجزئي عند البيع لجني الأرباح، ثم تتجه للصعود عند أقل تأثير نتيجة لمحصلة عدة عوامل تدفع لاتجاه زيادة الأسعار.. وباستطاعة منظمة أوبك السيطرة التامة إذا استطاعت تقليص دور (سوق نخاسة النفط) وأبعاد هذه السلعة الإستراتيجية من عملية التلاعب بالأسواق وأسعارها صعوداً وهبوطاً.. ويجدر بمنظمة الأوبك التّحكم الكامل في الصناعة البترولية وليس الإطلال عليها من موقع السقف للأسعار فبالإضافة للسقف يجدر بها اتخاذ خطوات عملية للعب دور رئيسي وفعال في جميع مراحل الصناعة البترولية من الألف إلى الياء ويتطلب ذلك النزول إلى ارض الواقع العملي واتخاذ جميع الخطوات التي تمكن من قيام صناعة حقيقية تأتي بالمردود العالي المتوقع من سلعة رئيسية واستراتيجية والعمل على تصديرها كمنتجات بترولية نهائية بأقصى حد ممكن! 30 -50% زيادة أسعار التذاكر * التطورات في أسعار النفط هل قابلها تطور في تعرفة الطيران وأسعار بطاقات السفر, وكم بلغت نسبة التغير في نظركم وقراءتكم لوضع وقود الطيران؟ - بالطبع فإن هذه الزيادة في الأسعار قابلها زيادة في أسعار التذاكر وصلت لحدود ال 30 - 50% تقريباً خاصة خلال موسم الصيف والإجازات الموسمية يضاف إلى ذلك الضرائب والزيادة لفاتورة الوقود ويلاحظ أن هذه الزيادة في الأسعار لا يعلم عنها المسافر إلا عند قيامه بشراء التذاكر فعلياً.. حيث تستغلها شركات الطيران لتغطية العجز بين الأسعار والميزانية المخصصة لنفقات الوقود. إفلاس الكثير من شركات الطيران * التغيرات البترولية الاقتصادية وتعرفة الطيران هل صرفتا المسافرين والسياح عن السفر بالطيران. نرجو التوضيح؟ - بالطبع فان الزيادة في الأسعار تؤدي إلى مراجعة المسافرين للحاجة إلى السفر والنظر في أي بدائل أخرى لوسائل مواصلات اقل كلفة أو إلى جهات سفر سياحية اقل تكلفة ومنها السياحة المحلية والتي ستكون رابحاً رئيساً لهذه الأزمة العالمية مع أنها تحتاج إلى تطوير لامكاناتها لجذب السياح. وقد سبب انصراف المسافرين عن وسيلة النقل الجوية في السنوات الأخيرة إلى إفلاس الكثير من الشركات العالمية ومواجهة خطر إقفالها نهائياً إذا لم تتحسن الأحوال الاقتصادية.. كما وفر هذا المناخ قيام عدد من شركات الطيران الصغيرة التي توفر أسعاراً منخفضة وتؤدي أيضاً إلى تعميق جراح الشركات الكبرى. محاولة تثبيت أسعار البترول * هل صحيح أن بعض شركات الطيران تقوم بشراء وتخزين الوقود في حال نزول الأسعار.. وفي حال الارتفاع تبتعد عن الشراء وتستخدم مخزوناتها؟ - لمواجهة هذه الأزمة الطاحنة تقوم العديد من الشركات العالمية بتكوين لجان رئيسة لإدارة الأزمات والمخاطر وتنظر في البدائل المتاحة لتقليص تأثيرها على ربحية العمليات ومن هذه العوامل والبرامج الناجحة برنامج التحوط التأميني ضد الزيادة المفرطة في أسعار النفط ووقود الطائرات.. ويتم ذلك بالتعاون مع شركات التأمين وشركات البترول التي تقدم مثل هذه البرامج المدروسة مسبقاً.. ويُسمى ذلك باللغة الإنجليزية (هيدجينق Hedging ) ويتم ذلك بتثبيت أسعار الوقود المحتمل استهلاكه عند سعر معين لفترة محددة وربطها بأسعار النفط واحتمال الزيادة فيها، ويتم ذلك مقابل تعرفة مالية يتفق عليها مسبقاً بين شركات الطيران وشركات البترول وشركات التأمين ضد المخاطر المالية.. ومن الشركات التي نجحت في تطبيق هذه السياسة التحوطية شركة طيران جنوب غرب الأمريكية SouthWest Airlines التي كانت من الشركات القلائل التي حققت أرباحاً مذهلة في الوقت الذي كانت بقية الشركات العالمية تترنح تحت وطأة زيادة أسعار الوقود.. ويجدر أن يخصص موضوع متكامل عن هذه الشركة المذهلة لما لها من خطوات ذكية في أداء أعمالها وتحقيق ربحية متواصلة منذ إنشائها قبل أكثر من 30 سنة. * فيما قال رجال الأعمال المستثمرون في المجال الطبي إن التجار الغربيين يتعمّدون إلى رفع الأسعار بحجة ارتفاع أسعار البترول وبخاصة في الدول الأوربية التي يجلب منها الأدوية بنسبة كبيرة !!, وهو ارتفاع مصطنع لطمع التجار الأوربيين في زيادة مكاسبهم، وعلى العكس من ذلك لا نشهد في الصفقات التجارية من دول العالم الثالث مثل الصين والهند أي تغيرات كبيرة ولا بوادر على تأثر النمو العالمي بارتفاع النفط.. وأكد الأستاذ حمد السياري رئيس مؤسسة النقد العربي السعودي مؤخراً أن ارتفاع أسعار النفط لم يكن له حتى الآن أثر محسوس على الاقتصاد العالمي، لكنه قد يؤدي في نهاية الأمر إلى الحد من النمو وتشجيع استخدام مصادر أخرى للطاقة. وقال السياري في تصريح صحفي: إن أثر ارتفاع الأسعار لم يظهر حتى الآن على النمو الاقتصادي، لكن الخطر قائم أن يؤدي ارتفاع كبير في الأسعار الى تشجيع المستهلكين على تقليل استخدام النفط وتقييد النمو الاقتصادي وتطوير بدائل منافسة. ورداً على سؤال عما إذا كانت أسعار النفط التي تجاوزت 60 دولاراً بدأت تؤثر على الأداء الاقتصادي، قال السياري: إن من الصعب إصدار حكم في هذا الصدد وإن السوق هي التي ستحدد ذلك.. وحقق ارتفاع أسعار النفط للمملكة ايرادات قياسية ومن المتوقع ان تحقق هذا العام ثالث فائض سنوي في الميزانية بعد عقدين متواصلين تقريباً من انخفاض الايرادات عن المصروفات.. وأكد السياري مجدداً أن المملكة تفضِّل استقرار أسعار النفط بما يحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين، لكنه لم يحدد سعراً مستهدفاً.. وأضاف أن من مصلحة المنتجين في الأجل الطويل أن تكون أسعار النفط مستقرة وعادلة وأن ارتفاعها أو انخفاضها بشدة ليس في صالح المنتجين والمستهلكين على السواء. شركات الطيران الدولية تعلن زيادة الأسعار رسمياً الجدير بالذكر أن هذا الارتفاع في الأسعار كان له تأثير مباشر على شركات الطيران التي تشكّل نفقاتها على الوقود نسبة 20% من كلفة التشغيل.. وشكَّلت زيادة الأسعار لدى الشركة البريطانية إشارة للشركات المنافسة التي قرر القسم الأكبر منها مؤخراً اتخاذ قرارات مماثلة.. ورفعت البريطانية (فرجين اتلانتيك) التعرفة الاضافية من 16 جنيهاً إلى 24 جنيهاً.. أما فرع الشحن التابع للألمانية (لوفتهانزا)، فتعتزم قريباً ان تعلن زيادة اسعاره في حين ستعمد شركة (جرمن وينجز) الالمانية ذات التعرفات المخفضة على بطاقات السفر الى زيادة ثلاثة يورو على اسعار بطاقاتها للمرة الاولى. أما مجموعة (اير فرانس- كي ال ام) الفرنسية الهولندية واثر اعلانها في مارس زيادة اسعارها بعد أيام من إعلان الخطوط البريطانية الأمر نفسه، فهي مترددة حيال رفع الاسعار مجددا بعد ان كانت قد رفعت التعرفة الاضافية ثلاث مرات منذ مايو 2004.. هذه الشركة التي تؤكد انها تحظى بتغطية نسبتها 81% حيال ارتفاع اسعار النفط فوق عتبة 45 يورو للفترة 2005-2006، لا تتوقع (حالياً) زيادة التعرفة الإضافية المتعلقة بأسعار النفط والتي تحددها حالياً ب34 يورو للرحلات البعيدة.. وأمّنت التعرفة النفطية الاضافية لشركة (اير فرانس-كي ال ام) لموسم 2004- 2005، ما مجموعه ثلاثمائة مليون يورو من العائدات الصافية من اصل فاتورة الوقود التي بلغت 65.2 مليار يورو وقد تصل الى 37.3 مليار دولار هذه السنة. اما احتمال زيادة هذه التعرفة الاضافية بصورة منتظمة فيأتي بشكل اساسي من خسارة الزبائن في حين بدا القطاع يشهد انتعاشاً بعد ثلاث سنوات من التأزم.