تعتبر الاستراتيجية العمرانية الوطنية بعد اعتمادها بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (127) وتاريخ 28-5- 1421ه الذي أكد على أن هذه الاستراتيجية يجب أن تمثل توجهاً واضحاً لتحقيق التنمية العمرانية والذي يؤكد أيضاً على أهميتها البالغة وضرورة ترجمة سياساتها وتوجهاتها إلى مشروعات وبرامج عمل قابل للتنفيذ، تعتبر إطاراً عاماً للسياسات الإنمائية العمرانية لكافة الحيز الوطني وعنصراً جوهرياً في استراتيجية التنمية العمرانية. كما تمثل الاستراتيجية العمرانية الوطنية أداة أساسية لتنسيق الجهود والأهداف القطاعية لخطة التنمية الوطنية، بالإضافة لكونها حلقة الوصل بين الأهداف القطاعية في الخطط الوطنية من جانب والخطط الإقليمية والمحلية في الجانب الآخر. وبما أن الاستراتيجية العمرانية الوطنية بطبيعتها طويلة المدى (ثلاثون عاماً) لذلك فإن تنفيذ أهدافها ومراميها سيتطلب مرحلتها زمنياً مما يستدعي تعاوناً وتنسيقاً وتضافراً للجهود بين الوزارات والإدارات ذات العلاقة لتحديد الأولويات واختيار المشروعات التي توجه إليها البرامج التنموية. فقد عقدت وزارة الشؤون البلدية والقروية الأيام الماضية أربع ورش عمل تتعلق بتفعيل وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية بحضور مسؤولي القطاعات الحكومية من مختلف المناطق لمناقشة آليات التنسيق والتكامل بين الأجهزة والإدارات لتنفيذ أهداف وبرامج هذه الاستراتيجية. (الجزيرة) تواجدت في ورشة العمل الأخيرة وتعرفت على العديد من الأهداف ومحاور هذه الورش والتقت بسعادة وكيل وزارة البلدية المساعد لتخطيط المدن د. عبدالعزيز الخضيري من خلال هذا الحوار عن ورش العمل وكذلك الاستراتيجية العمرانية الوطنية وفيما يلي نص الحوار.. * ما أهداف ورشة العمل؟ - تهدف ورشة العمل لجمع كبار الموظفين بالدولة والوزارات ذات الصلة بالاستراتيجية (وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة المالية، وزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة، وزارة الداخلية، وزارة التجارة والصناعة، وزارة البترول والثروة المعدنية، وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، وزارة الصحة، وزارة الزراعة، وزارة المياه والكهرباء، وزارة النقل، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الحج، وزارة العدل، وزارة العمل، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، الحرس الوطني، الهيئة العليا للسياحة، الهيئة العامة للاستثمار والمجلس الاقتصادي الأعلى) وذلك لطرح آرائهم وتبادل الأفكار فيما بينهم لتحديد الوسائل الفاعلة لزيادة التنسيق فيما بينهم لتحقيق أكبر قدر من التفاهم والتعاون الضروريين لإزالة العوائق والعقبات التي يتوقع أن تواجه تنفيذ أهداف وبرامج الاستراتيجية العمرانية الوطنية وتحديد متطلبات الإطار التنظيمي والقانوني لذلك. ولتحقيق تلك الأهداف تتركز مناقشات الورشة على المحاور التالية: المحور الأول: العلاقة التبادلية بين الاستراتيجية العمرانية الوطنية والخطط الخمسية. 1- خطط التنمية الخمسية الوطنية وآثارها العمرانية وإسهامها في تحقيق أهداف الاستراتيجية العمرانية الوطنية. 2- أهمية المحاور المكانية في توجيه التنمية الاقتصادية. 3- آلية إدراج مشروعات وبرامج الاستراتيجية العمرانية في خطط التنمية الوطنية القادمة. 4- سياسات التنمية العمرانية الحالية والمستقبلية وآلية إدراجها في الخطط الخمسية الوطنية. 5- نماذج تنفيذ مشروعات التنمية العمرانية تحت مظلة الخطط التنموية (المنطقة الصناعية بالسدير- سكك حديد الحدود الشمالية). المحور الثاني: (الجهات المشاركة في تنفيذ الاستراتيجية العمرانية الوطنية وآلية التنسيق المطلوبة). 1- الإطار التنظيمي والقانوني المطلوب لتنسيق الجهود وتنفيذ المشروعات المشتركة. 2- الوزارات القطاعية ودورها في الإسهام في تنفيذ أهداف الاستراتيجية. 3- دور مجالس المناطق والأمانات في التوجيه المكاني للمشروعات. 4- متطلبات الاتصال ومتابعة تنفيذ الخطط. 5- العلاقة بين الأجهزة المركزية والمحلية في تنفيذ الاستراتيجية العمرانية الوطنية. المحور الثالث: (معوقات التنسيق والعمل المشترك وكيفية تجاوزها). 1- مع إدارات القطاعات التي لها علاقة بالاستراتيجية لتنفيذ المشروعات المقترحة. 2- مع وزارة التخطيط والاقتصاد لربط التخطيط القطاعي بالمكاني. 3- مع مجالس المناطق للتعرف على مشروعات التنمية وإعداد استراتيجية تنمية المناطق. 4- مع القطاع الخاص. * دكتور عبدالعزيز، ماذا حققتم في الاستراتيجية الوطنية حتى الآن؟ - هذه هي ورشة العمل الرابعة التي تعقدها وزارة الشؤون البلدية والقروية حول آليات تنفيذ الاستراتيجية العمرانية الوطنية، وكما هو معروف أن الاستراتيجية العمرانية الوطنية جهد قامت به وزارة الشؤون البلدية والقروية بالعمل المشترك مع العديد من القطاعات الحكومية مثل وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط والعديد من الوزارات المعنية بتوفير المرافق والخدمات وبتوجيه التنمية مثل وزارة التعليم العالي ووزارة الصناعة ووزارة الزراعة وغيرها كثير من الوزارات المعنية. وتهدف الاستراتيجية العمرانية الوطنية إلى تحقيق التنمية المتوازنة والشاملة على كامل رقعة المملكة العربية السعودية وتفعيل وتنفيذ توصيات مخرجات الخطط الخمسية التي أكدت على أهمية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ومعالجة الخلل التنموي والفروقات الإقليمية التي حدثت خلال مسيرة التنمية في المملكة. * هل لهذه الاستراتيجية بعد زمني يا دكتور؟ - نعم، الاستراتيجية تعتمد على مخرجات برامجها التي تم اعتمادها من مجلس الوزراء في وضع إطار زمني لتنفيذ مخرجات الاستراتيجية العمرانية مثل أداة استراتيجيات إقليمية للمناطق وإعداد مخططات هيكلية للمدن والقرى وإعداد الدراسات والتشريعات التنظيمية، وهذه في الحقيقة عُملت لها إطارات زمنية بدءاً بإعداد استراتيجيات للتنمية الإقليمية للمناطق وقد تم تنفيذها خلال سنتين 1422- 1423ه والاستراتيجية بالمناسبة اعتمدت في شهر 5- 1421ه. اما استراتيجيات المناطق فقد انتهت الآن وبدأت الوزارة بالعمل المشترك مع الأجهزة الإقليمية في كل منطقة من مناطق المملكة بإعداد مخططات إقليمية لكل منطقة من مناطق المملكة، والآن وفي أغلب مناطق المملكة هنالك مكاتب استشارية تعمل جنباً إلى جنب مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص في المناطق المختلفة لإعداد مخططات إقليمية لكل منطقة من مناطق المملكة، أيضاً يوازيها في نفس المجال قيام الوزارة مع الأجهزة المعنية بالتخطيط العمراني في الأمانات والبلديات بالانتهاء من تحديث المخططات الهيكلية لمختلف المدن والقرى في المملكة ووضع مراحل النطاق العمراني لها ووضع الضوابط التنموية للفترة من عام 1426ه وحتى العام 1450ه. * هل يعني هذا أن ورش العمل التي يقيمونها الآن هي لإعادة النظر في الاستراتيجية؟ - الحقيقة أن ورش العمل هي إحدى الأدوات التي رأينا أنها مناسبة لأن يتم طرحها مع الشركاء المختلفين في مجال التنمية وبناء عليه تم تكليف احد المكاتب الاستشارية المتخصصة وهو مركز الدكتور عاصم عرب للدراسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتفعيل آليات وأدوات تنفيذ الاستراتيجية العمرانية، وتم الاتفاق على أن يُعقد عدد من ورش العمل والهدف منها تعريف أوسع بالاستراتيجية العمرانية، ومخرجات الاستراتيجية العمرانية، وتم التركيز فيها أولاً على البيت من الداخل من خلال اجتماع مسؤولي وزارة الشؤون البلدية والقروية ومناقشة الاستراتيجية العمرانية على مستوى ديوان الوزارة وعلى مستوى الأمانات والبلديات، ثم عقدت ورش عمل أخرى مع رجال الأعمال والغرف التجارية الصناعية في مناطق المملكة واليوم نحن نعقد ورشتنا الرابعة مع مسؤولي الأجهزة الحكومية سواء في الأجهزة المركزية أو من مجالس المناطق أو في مختلف المناطق، وهنالك أكثر من ورشة عمل قادمة للتعريف أكثر بالاستراتيجية العمرانية وسماع آراء الشركاء المعنيين في تنفيذها، وأيضاً التعريف بتوجهات الوزارة فيما يتعلق بالدراسات التخطيطية اللاحقة للاستراتيجية العمرانية مثل المخططات العمرانية الإقليمية والدراسات التخطيطية العمرانية الأخرى. * ذكرتم أن الدراسات الاستراتيجية العمرانية التي تعملون عليها الآن تمتد إلى عام 1450ه بالتعاون مع القطاعات الحكومية الأخرى، ألا ترى يا دكتور أن المدة طويلة جداً بحيث يمكن أن يعاد النظر في بعض الاستراتيجيات خاصة ونحن في تغير مستمر وفي نقلة حضارية سريعة؟ - استراتيجيات السنوات هذه تعد بالنسبة لها قصيرة، يمكن لي أنا وأنت أن نرى هذه السنوات كثيرة وتتبين في أعمارنا بشكل كبير، إنما الاستراتيجيات لا تعدو أن تكون مجرد خطط عريضة، الاستراتيجيات ليست مخططا تنفيذيا ينفذ على أرض الواقع، وإنما هي رسم سياسة تنموية لمختلف القطاعات المهنية لتوجيه تنمية وتوفيرها على مختلف مناطق المملكة، ولهذا السبب عندما نتكلم عن عشرين سنة أو خمس وعشرين سنة فهي في أعمار الاستراتيجيات أعمار قصيرة وليست طويلة، لكن الذي يكون مهماً جداً في عملية التحديث والمراجعة هي المخططات الإقليمية التي تعتبر احدى الأدوات التنفيذية للاستراتيجية العمرانية وهذه يتم إعدادها ومراجعتها كل خمس سنوات بالتزامن مع الخطط الخمسية للدولة، كما أن هنالك مراجعة سنوية لما يتم إنجازه من مخرجات الاستراتيجية العمرانية من خلال البرامج التي تقوم عليها وزارة الشؤون البلدية والقروية من خلال برنامج ما نسميه بأولويات توفير المرافق والخدمات وتوجيه التنمية على مستوى كل منطقة وداخل كل منطقة من مناطق المملكة. * من خلال ورش العمل الأربع التي أقمتموها.. هل بدا لكم أي شيء يمكن أن يغير في الخطط القادمة وفي الاستراتيجية القادمة؟ - الهدف من ورش العمل توعوي بما في ذلك الاستماع إلى الآراء لمختلف الشركاء العاملين معنا في تنفيذ الاستراتيجية العمرانية، لكن دعني أقول مرة أخرى أن الاستراتيجية هي إطار تخطيطي طويل المدى مخرجاتها لا تتأثر كثيراً بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لأنها ترتكز بشكل أساسي على تحقيق توازن تنموي بين مختلف مناطق المملكة، والتوازن التنموي هنا يكون على مستوى توجيه الخدمات والأنشطة الاقتصادية مكانياً وأيضاً التركزات السكانية والحد من الهجرة العالية للسكان والاتجاه للمناطق الأقل نصيباً في التنمية، ودعم اقتصادات المناطق هذه وتوطين الاستثمارات فيها مما يساعد على توطين السكان وإيجاد المزيد من فرص العمل المختلفة لهم بحيث تحقق نوعاً من التكامل التنموي بين المدن الرئيسية والمدن المتوسطة والمدن الصغيرة وفي ذات الوقت تحقق ما يسمى بالتدرج الهرمي للتجمعات السكانية بأن يكون عندي في مدينة أربعة أو خمسة ملايين نسمة وثاني أكبر مدينة فيها ثلاثمائة ألف أو مائتا ألف نسمة. * ولكن هل عالجت الخطة الاستراتيجية للدولة النزوح السريع للمدن الكبرى وأسبابه؟ - أحد أساسيات الاستراتيجية وأهدافها الأساسية التي انطلقت منها تكلمت عن أن هنالك نمواً سكانياً عالياً في المملكة، ونحن بالمناسبة نعتبر من أعلى معدلات النمو على مستوى العالم، الجانب الآخر الهجرة العالمية للسكان من مدنهم وقراهم الصغيرة إلى المدن الرئيسية، وهذا ما أكدته الاستراتيجية وسعت إلى الحد منه وعملت مع مختلف الأجهزة المعنية على معالجته، ولعلكم شاهدتم الآن الكثير من المخرجات الإيجابية التي تمت من خلال التوجيهات باستحداث وإنشاء جامعات في مختلف مناطق المملكة وتوجيه الكثير من الخدمات الاقتصادية والخدمية إلى المناطق الأقل نصيباً، والاستراتيجية العمرانية بالمناسبة بدأ العمل فيها عام 1405ه ورفعت للموافقة عليها من عام 1409ه واعتمدت في عام 1421ه، وخلال الفترة الطويلة هذه من العمر أثيرت قضية النزوح السكاني للمدن وبدأت تظهر آثارها السلبية، اليوم لا نختلف أبداً، وأنا كررت كثيراً في لقاءات وحوارات لي أنها بدأت تظهر أعراض إشكالية التركزات السكانية للسكان، وارتفاع نسبة التلوث، وارتفاع حجم الجريمة، وازدياد حجم المساحات العشوائية من المناطق المأهولة بالسكان، وصعوبة توفير المرافق والخدمات لكثير من المدن، حتى أن بعض مدننا للأسف يمكن أن يكون وقد وصل فيها مرحلة التركز السكاني لدرجة أصبحت معيقة للمسؤولين عن إدارة التنمية وتوجيه التنمية، وصار هدفهم السعي للأحسن في تقديم الخدمات بدلاً من أن تكون عندهم الفرصة للتطوير المتوازن والمستقبل، كما أن تهجير السكان من قراهم أدى إلى وجود بؤر سكانية فقيرة؛ فأصبح عندنا نوعان من الفقر: فقر في المدن الرئيسية نتيجة الحجم الكبير للسكان، وفقر في المدن الصغيرة وفي التجمعات الصغيرة نتيجة الهجرة التي تركتهم، وأصبح إنشاء أي استثمارات في مناطقهم غير ذي جدوى اقتصادية. * وهل واجهتكم أي مشاكل في تنفيذ الاستراتيجية؟ - في الحقيقة أنه لو لم تواجهنا مشاكل لكانت أمورنا أحسن، المشاكل كثيرة ومن أهم المعوقات في تنفيذ الاستراتيجية وجود الآلية الملزمة لجميع الأطراف المعنيين بتوجيه التنمية في المملكة، إذ ما زالت حتى الآن تنطلق من وجهات نظر فردية ومن آراء شخصية، وما زالت تحتاج لتفعيل دور المؤسسات الحكومية ودور القطاع الخاص في تفعيل وتنفيذ مخرجات الاستراتيجية العمرانية، لكن نأمل إن شاء الله في نجاح ورش العمل هذه ونجاح إعداد المخططات الإقليمية، وترجمة المخططات العلمية إلى مشاريع يمكن تنفيذها على أرض الواقع، وأن يكون هنالك تسريع أسرع في تنفيذ الاستراتيجية العمرانية. * وهل عالجت الاستراتيجية تكدس الخدمات التعليمية والصحية والصناعية في المدن الكبيرة؟ - هذه إحدى أساسيات الاستراتيجية العمرانية التي انطلقت منه، والاستراتيجية دعت بشكل كبير جداً إلى تحديد دور وظيفي لكل تجمع سكاني، وبناءً على هذا الدور الوظيفي يتم توجيه الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، نحن اليوم نقول: لو استطعنا أن نوجه مختلف الجامعات والكليات للمدن المتوسطة والصغيرة لساعدنا ذلك على توطين السكان في هذه المناطق، لو نجحنا في أن توجه المستشفيات المتخصصة وبالذات المستشفيات الكبيرة إلى التجمعات السكانية، لو نجحنا أيضاً في المدن الصناعية أن نوجهها للمدن الأقل نصيبا لنجحنا في نشر خير التنمية على كامل رقعة المملكة، ومثلما نعرف جميعاً فالمملكة غنية بكثير من الإمكانيات الاقتصادية وبالذات الثروات الطبيعية على كامل رقعتها. * يلاحظ أن هنالك تكدساً في المدن الصناعية في مناطق معينة، هل هناك مثلاً توجه من خلال الاستراتيجية التي وضعتها الدولة لتحويل ولو جزء من بعض المناطق القريبة من هذه المدن الكبيرة إلى مدن صناعية؟ - نعم وهذا ما أشرت له من قبل بأن إحدى مخرجات الاستراتيجية العمرانية وبناء على الدراسات الإقليمية تم تخصيص عدد من المواقع للمدن الصناعية في إطار نمو طبيعي للمدن الرئيسية سواء في الرياض أو جدة أو الدمام أو غيرها من المدن الأخرى. * أشرت في معرض حديثك إلى موضوع الزحام، الزحام المروري، وأن الهجرة خلقت زحاماً في بعض المدن، هل الاستراتيجية عالجت مثلاً هذا الوضع؟ وهل يوجد تعاون بينكم وبين القطاعات التي تعني بالحركة المرورية في وضع تصورات معينة تخدمكم في وضع الاستراتيجية؟ - أعتقد أن أي واحد يعيش في المدن الرئيسية وبالذات في الرياضوجدةوالدمام لم يعد يحتاج لمن يذكره بأن هناك زحمة في الطرق، لم يعد يحتاج من يذكره بأن هناك هدراً من الوقت، هذه كلها نتيجة طبيعية للتركزات العالية للأنشطة الاقتصادية المختلفة في المدن، هذه الاستراتيجية - كما ذكرت - هي تركز بشكل أساسي على معالجة الخلل، والأجهزة المعنية بإدارة المرور في هذه المدن ليس من علاقتها ان تشارك فيما يتعلق بالحد من التركزات السكانية، هي دورها يتركز على إدارة الحركة المرورية سواء كان سكان المدينة مليوناً أو عشرة ملايين نسمة، دورهم أن يتعاملوا مع هذه الحركة المرورية، ونحن دورنا كأجهزة مسؤولة عن التخطيط ومسؤولة عن وضع الرؤية المستقبلية وأجهزة أيضاً معنية بتوفير الخدمات المختلفة ان نعمل على الحد من التركزات السكانية بما يسمح بالنمو الطبيعي لهذه التجمعات الرئيسية الكبيرة ويقلل من الهجرة العالية لها، بحيث أن يتم تقديم الخدمات ودعمها من ناحية الامكانيات المالية والبشرية وبما يتواكب والنمو الطبيعي للمدن الرئيسية. * هناك أفكار بأن تقام مدن صناعية ما بين الرياض والقصيم والمجمعة.. هل نفذ شيء من خلال تجميع المصانع الكبيرة في هذه المدن الصناعية..؟ - نحن في وزارة الشؤون البلدية والقروية ومن منطلق مسؤولياتنا في إدارة الأرض وتوفير الأراضي وتنفيذ الاستراتيجية العمرانية تم تخصيص عدد من المواقع كالمدن الجامعية والمدن الصناعية في إطار تنمية الرياض وتوجهها للمناطق الأقل نصيباً فيما يتعلق بالجامعات والاتجاه للمناطق التي بها قواعد اقتصادية جيدة وموارد طبيعية لإنشاء مدن صناعية، وعلى مستوى منطقة الرياض وبتنسيق وعمل مشترك مع مجلس منطقة الرياض تم تخصيص العديد من المواقع سواء للخدمات التعليمية أو للمدن الصناعية، وأيضا نسعى إن شاء الله إلى توفير مواقع لفكرة إنشاء مدن طبية مستقبلية. * وما إمكانية تعاون القطاعات الحكومية معكم في تنفيذ هذه الاستراتيجية؟ هل وجدتم تعاوناً جيداً في تنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية أم أن كل جهة تعمل وحدها وتنفذ مشاريعها وحدها؟ - الواقع الذي نراه الآن أن هناك نوعاً من التنسيق، ولكن التنسيق لا يرقى لمستوى الالتزام بما خرجت به الاستراتيجية العمرانية وما أكدته استراتيجية المناطق والمخططات الإقليمية، وما زلنا في إطار التنسيق، وأنا اعتقد أن إطار التنسيق إطار مطاط قد لا يحقق كل ما نتمنى تحقيقه في أقرب وقت حتى نبدأ في تلمس خير الاستراتيجية العمرانية، إلى الآن ما زالت العملية التنسيقية على جهود افراد لا ترقى إلى ما نصبو إليه من تكامل وعمل جماعي، إذ ما زالت إلى الآن الكثير من الجهات تخطط بمعزل بعضها عن البعض. * الكثير من المخططات تنفذ من قبل استثماريين، هل يعتبر هذا عائقاً بالنسبة لكم في تنفيذ الخطة الاستراتيجية للدولة؟ - لنتكلم عن قضية مثل تقسيمات الأراضي وتوزيعها وإيجاد المرافق منها.. تقسيمات الأراضي وهي احدى نتائج تخطيط المدينة وهو تقنية المطور للأراضي، حيث يقوم بتطوير أرض محدد لها الاستعمال ومحدد لها متطلبات المدينة من الأراضي ضمن الأراضي المخططة، ويكون دوره في إطار الانظمة والتعليمات الخاصة بتخطيط الأراضي. وتوفير المرافق والخدمات بها وبعد ذلك وضعها في سوق العقار للبيع وبذلك فإذا نظرنا إلى تأثيرهم على عملية التنمية فهم ليس لهم تأثير مباشر في توجيه الاستراتيجية العمرانية، صحيح أن هناك نوعا من الإقبال على المدن الرئيسة وهذه نتيجة طبيعية لوجود السكان ووجود القوة الشرائية الموجودة في أيدي المواطنين لكن لو نأخذ سؤالك بمنحى آخر فنحن في الطريق الصحيح لتنمية وتطوير الأرض أقول لك: نحن في المملكة وعلى مستوى الخليج وعلى مستوى دول العالم هناك فرص للاستثمار في الأرض وليس للاستثمار فيما على الأرض بينما الأرض يجب ان تكون وعاء للتنمية ويكون الاستثمار الحقيقي لها فوق الأرض يعني اليوم تشتري أرضا يزيد سعرها فتشتري منزلا ينخفض سعره وهذه الحقيقة لأن الأرض أصبحت عنصر استثمار، اليوم دعنا نتمنى ونحاول في أنظمتنا ان نصل الى هذا المستوى، أن ننتقل من تقسيمات الأراضي وتوفير المرافق والخدمات فيها إلى أن يكون للمطورين دور في بناء أحياء متكاملة أنت دورك كمواطن ان تذهب وتشتري سكنا وفق ضوابط معينة لكن تأثيرك على السكن هو فيما يتعلق بالتقسيمات الداخلية من انشاء المسكن وانشاء الطريق ورصفه وإنارته وانشاء المدرسة والمسجد وغيرها من الخدمات ليصبح متكاملاً ونقضي على ظاهرة بيع وشراء الأراضي بغرض الاستثمار فقط ويكون استثمارنا في المنشآت ما فوق الأرض نفسه للمنشآت العقارية وتحقيق نوع من العدالة بين متطلبات السكان داخل الأحياء في المدينة وبناء عليه طورت الوزارة برنامجاً لتوفير المرافق والخدمات أطلقنا عليه أولويات توفير المرافق والخدمات ينطلق من بناء قاعدة معلومات متكاملة يتم تطبيقها لمعرفة النقص في المرافق والخدمات على مستوى كل مدينة وكل حي سكني وأيضاً يرتقي بنا إلى مستوى مناطق تعرف النقص على مستوى الحي من خدمات ومرافق وعلى مستوى المدينة ثم على مستوى المنطقة بحيث نصل في النهاية إلى تحديد أولويات وبرامج يمكن تنفيذها لمتطلبات التنمية على مستوى الحي والمدينة والمنطقة ويأخذ في الغالب البعد السنوي بما ينسجم مع الميزانية العامة. * لكن هل التوسع الأفقي في المدن الكبيرة ساعدكم على تنفيذ هذه الاستراتيجية؟ - التوسع الأفقي ليس من القضايا التي تشغلنا في الاستراتيجية العمرانية التوسع الأفقي هو انعكاس لمتطلبات مجتمع يعني التنمية إما أن تأخذ توسعاً أفقياً أو رأسياً الغالب على المجتمع السعودي هو رغبته في الحصول على الوحدة السكنية المستقلة أكثر من رغبته في السكن في شقق أو في مبان متعددة الأدوار وبناءً عليه السوق العقارية تدرس المتطلبات السكانية واحتياجاتهم بعض المدن الرئيسة أصبح الطلب على الاسكان الرأسي فيها ترتفع وتيرته وحجمه وبعض المدن ما زال الطلب على الاسكان الأفقي أعلى في طلباته. * وهل الاستراتيجية وضعت حداً لهدر المال العام وتقليل الانفاق على المشروعات؟ - الاستراتيجية العمرانية ليست التي تم التركيز فيها على الهدر ومعالجة الهدر وتوجيه الاستثمارات في المخرجات الاستراتيجية العمرانية من البرامج التي قامت عليها أولاً فلو أخذنا موضوع المخططات الهيكلية نرى أن المخططات الهيكلية وضع لها ثلاثة أهداف: تحديد اتجاه نمو ثم تحديد شبكات الطرق والنقل القادرة على منع احتياجنا في المستقبل لنزع الملكيات بحيث نعرف مبكراً مسارات الطرق وقطاعها ضمن المخططات التي يتم الموافقة على اعتمادها وفقاً للضوابط الموضوعة لها ثم في الجانب الآخر ما يتعلق بالتنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في توفير المرافق والخدمات بحيث نقضي على ظاهرة الهدر في توفير الشبكات ونقضي على ظاهرة أن تكون هناك مناطق مخدومة غير مسكونة أو مناطق مسكونة غير مخدومة بالمرافق وهذه والحمد لله قطعنا فيها شوطاً كبيراً جداً وأصبحت هناك دراسة تغطي كامل مدن المملكة ومناطقها فيما يتعلق بالهدر والحد منه ومعالجة إشكالياته العملية التخطيطية. * وهل وضعت الخطة تنمية المدن الصغيرة والمتوسطة ضمن أهدافها؟ - نعم المدن المتوسطة والصغيرة هدف من أهداف الاستراتيجية العمرانية لتفعيل دورها وإعادة تصنيفها ولعلي لا أنسى أن أقول إن للاستراتيجية العمرانية مخرجين أساسيين المخرج الأول: هو تحديد محاور للتنمية والمخرج الثاني هو إعادة تصنيف مراكز النمو في المملكة إلى مراكز وطنية وإقليمية ومحلية بحيث نعرف الدور الوظيفي لكل تجمع سكاني والتجمعات السكانية التي ليس لها قابلية للنمو نتيجة للمناطق الأقرب لها في دعم تنميتها والحد من انتشار القرى والهجر المختلفة. * هل هناك خطة لتحسين النمط العمراني في المدن أم أن الأمر متروك للناس خاصة وأننا نجد عمراناً وأحياء متناثرة؟ - الاستراتيجية من بين مخرجات تفعيلها تحسين النمط العمراني وتأكيد الهوية العمرانية والمعمارية لمختلف مدن المملكة ولكن هذه تحتاج إلى العديد من الآليات ومن أهم هذه الآليات نجاح قضية تأصيل العمارة ومعالجة الهوية التي هي القدوة يعني إلى اليوم نحن نبحث عن القدوة الجيدة والناس ينظرون اليها كمثال جيد للهوية العمرانية ثم تصبح هي المحرك للتنمية في الجانب الآخر أيضاً لن نستطيع أن ننجح في تأصيل هوية في ظل غياب تعاون مباشر من المواطن والانتقال من نظام البناء الفردي إلى بناء الشركات والقيام بالتطوير العمراني إنما إذا استمرينا في المملكة كل يبني فلته وكل مقاول يجيء ليتعلم فينا الحلاقة فسنستمر إلى ما لا نهاية نعيش في أحياء تتجاوز أعمارها الأربعين سنة وهي تحت الانشاء لعل هناك نقطة أساسية وهامة ونحن في الرياض نتكلم في ورشة العمل هذه ان أشير إلى أننا إذا جئنا إلى حي السليمانية مثلاً في الرياض وهو حي معروف لنا يزيد عمره على أربعين سنة نجد أن أول فيلا بنيت فيه قبل أربعين سنة والحي ما زال حتى اليوم تحت الانشاء بمعنى أنك تعيش في حي فيه فيلا مبنية قبل أربعين سنة وفيلا قبل خمسة وثلاثين سنة ثم قبل ثلاثين عاما وهذه أيضا بالمناسبة أحد الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى النزوح من الأحياء عندما تسكن في فيلا قبل أربعين سنة ثم يأتي جار لك ويبني بعدك بعشر سنوات تصبح فيلتك مقابل فلته قديمة. ثم يأتي جار ويبني بعدك بعشرين سنة تصبح فيلتك متخلفة فتضطر إلى ان تنتقل منها وبديلك الذي سوف يسكن في فيلتك لن يكون ساكناً جديداً وإنما سيكون إما سكناً لعمال عزاب أو أن يتحول سكنك إلى مستودع أو غيره وهذا يؤدي إلى طرد السكان المجاورين أيضاً ويصبح المرء دائماً في مرحلة من الترحال وإذا نجحنا في المملكة بأن نبنى أحياءنا متكاملة بخدماتها ومرافقها ويطمئن الساكن الى أن جاره هو جاره للعشرين سنة القادمة أو أكثر فمعناه إن شاء الله أننا سوف نحقق نوعاً من الاستقرار السكاني ثم نبدأ في تفعيل وتنفيذ الكثير من الطموحات التي نأملها كمخططين وكعمرانيين وكمعماريين في تأصيل الهوية والحد من البعثرة. * تنفيذ بنود الاستراتيجية يحتاج إلى كوادر وقدرات وطنية فهل لديكم هذه القدرات القادرة على تنفيذ هذه الاستراتيجية؟ - الكفاءات والقدرات الوطنية تحتاج إلى عمر لبنائها وايجادها لكن سعينا من خلال تنفيذنا للاستراتيجية العمرانية ومن خلال برامجها المختلفة ان نستقطب العديد من الكفاءات السعودية الشابة للعمل مع فرق العمل المختلفة سواء على رأس العمل أو أثناء اشتراكهم في برامج تدريبية أو من خلال المكاتب الاستشارية المتخصصة ولعلي أشير هنا إلى ان كل المكاتب الاستشارية التي تعمل معنا اليوم في المناطق هي مكاتب استشارية سعودية يقوم عليها رجال أكفاء في الإشراف على البرامج واعداد الدراسات وتنفيذها على أرض الواقع ونستقطب في الحقيقة العديد من الكفاءات السعودية الشابة سواء لأن بناء الانسان من أصعب القضايا التي تواجه أي شخص حتى بالتنمية لأنه هو البناء الحقيقي ولأننا في المملكة التفتنا له مبكراً ضمن تحقيق نوع من التوازن بين بناء الانسان والمكان اهتممنا كثيراً ببناء المكان واخفقنا إلى حد بسيط في تحقيق توازن في نمو الانسان مع المكان والآن أنا أعتقد أننا نعمل بشكل كبير جداً على تحقيق نوع من التكامل لكن على المستوى العام هناك نجاحات جيدة في ايجاد كفاءات شابة سعودية مدربة للعمل في تنفيذ الاستراتيجية وتفعيلها والعمل في البرامج المساندة لها. * كان من ضمن الاستراتيجية إيجاد الأحياء المغلقة هل نجحت هذه الفكرة خاصة أن هناك من يطالب بها لأنها تحافظ على النواحي الأمنية داخل الأحياء؟ - فكرة الأحياء المغلقة كانت أحد التوجهات التي تم تبنيها في إطار تطور النسيج العمراني وتأصيل الهوية العمرانية والمعمارية وحاولنا مبكراً ان نضعها أحد الخيارات أمام المطورين العقاريين في تنفيذ فكرة الأحياء المغلقة وتقليل انشاء الخدمات والمرافق بشكل أساسي فحتى تنجح هذه التجربة لا بد ان ينفذها الحي بشكل متكامل إنما فكرة ان كل واحد يبني بيته بمفرده لن تبرز التجربة هذه بشكل كامل هنالك بعض التجارب التي بدأنا نقيمها كأحياء مغلقة سواء قام بها الأفراد أو قام بها القطاع الخاص والمؤشرات حالياً تبرز تميزها وأيضاً في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المملكة في إشكالية الإرهاب وبعض المخربين وجد فعلاً أن الأحياء المفتوحة تسمح بالحركة والعبث داخل الحي وصعوبة ان تغلق كل المداخل والمخارج أيضاً أضعفت العلاقات الاجتماعية بين السكان وأصبحنا غرباء نعيش في أحيائنا المغلقة والأحياء المبنية المتكاملة ستكون إحدى الأدوات المعالجة والناجحة في تأصيل الهوية العمرانية والمعمارية ومعالجة الخلل الأمني وتوفير انشاء المرافق والخدمات ومد شبكات الطرق والخدمات الأخرى. * هل سوف تستمرون في تنفيذ هذه الفكرة؟ - سوف نستمر ان شاء الله فقد وضعت عدة بدائل تخطيطية في أسلوب تخطيط الأحياء من الأحياء المغلقة إلى الأحياء شبه المغلقة إلى المجمعات السكنية المتكاملة إلى غيرها من المناهج التخطيطية التي تسعى إلى هدفين أساسيين الهدف الأول هو ايجاد بيئة سكنية ملائمة وآمنة للسكن والهدف الثاني هو تقليل تكلفة انشاء المرافق والخدمات وصيانتها ونظافة الأحياء. * وهل هذا مطبق الآن؟ - نعم هذا مطبق الآن في العديد من المدن ولكن نتمنى ان شاء الله في السنوات القادمة ان تبرز التجربة بشكل اكثر تكاملاً وأكثر توسعاً. وأيضاً نستطيع ان ندرس بشكل متكامل مدى نجاحها ومدى تقبل المجتمع لها وبالذات الأخوة العقاريين.