تشهد بلادنا هذه الأيام، ومنذ اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة لعام 1425ه حركة نشطة لمواجهة الإرهاب، والقضاء عليه ثقافياً، كما تتم مواجهته أمنياً عن طريق مؤتمر مكافحة الإرهاب المنعقد في الرياض، والذي تشترك فيه مجموعة من الدول العربية والإسلامية. وهذا المؤتمر هو امتداد الحملة التي أعلنها ولاة الأمر للقضاء على الإرهاب منذ ظهوره على أرض وطننا الغالي. وتفاعلاً مع هذا المؤتمر فقد قرأت في صحفنا المحلية أن نادي (جدة) الأدبي أعلن عن أسبوع ثقافي تحت عنوان (معاً ضد الإرهاب) تقام فيه أمسيات شعرية، وثقافية، وفكرية، بالإضافة إلى إعلان وزارة التربية والتعليم عن تشكيل لجنة اشرافية للمشاركة في الحملة على مستوى مدارسها وقرأت عن تصريحات للاستعداد بالمشاركة لكثير من الوزارات والجامعات والمناطق تدعيماً للأسبوع.. كل هذه التحركات تشير إلى ايجابية التفاعل مع هذا الحدث، الذي لا نريد أن يكون هذا النشاط لمدة أسبوع، أو شهر، أو سنة فقط، بل نتمناه أن يستمر أبدياً في كل حين، ومع كل جيل، ومع كل جديد، ومع مطلع كل شمس تشرق على المنازل، والمدارس، والجامعات، وكل موقع في وطننا الجميل. لأن جذور هذا الإرهاب تمتد من أفكاره المعتمة المطوقة بالانحراف عن جوهر الدين باسم الدين والتي سمعناها ورأيناها منذ وقت طويل على أيدي مجموعة أهدافها مصالحها وليس الوطن وسلامته في عرفها ذرة من نبضات الوفاء، وهكذا بذلوا كل ما يستطيعون لتنفيذ غاياتهم فلعبوا على وتر الدين واستغلوا الحالمين بالمجد ممن يسمون أنفسهم بالعلماء، والوعاظ، والمفكرين، وغيرهم من الجهلة الذين التقطوا محرماتهم ومحللاتهم واعتبروها فوق الوطن وفوق آدمية الإنسان وحرمة دمائه وحقه في الأمن والحياة المستقرة وأخذوا ينافحون الآخرين، ويستعدون على أفكارهم وآرائهم بالتكفير والترهيب، حتى تغلغلت جذور هذا الفكر الذي ما زال يتسلل إلى شبابنا من البنين والبنات، فمدارسنا لا تخلو منه بل إن في جنباتها من ينخرون في عقول تلاميذهم وتلميذاتهم في تحد سافر لكل من يجابه أفكارهم. بل إن بعض المدارس تجد فوق جدرانها من الوسائل المصورة كل ما هو ضد الإنتاج وضد الانفتاح على الآخر وضد الحياة بأسرها قد لا يصدق البعض أن بعض المديرين والمديرات في المدارس يحرمون على المعلمين والمعلمات أن يتكلموا عن اليوم الوطني عندما تأتي ذكراه لأنهم ببساطة شديدة لا يشعرون بمدى أهمية الوطن في حياتهم فهم يستخسرون ثلث ساعة للحديث عن الوطن ويمتنعون عن إعطائها لأي معلم أو معلمة تطلبها أثناء الإذاعة المدرسية ويعتبرون هذا مضيعة لوقت الطلبة والطالبات عن حصصهم، بينما لا يكون لديهم أي مانع من إعطاء ساعة أو ساعتين لمن يريد أن يلقي محاضرة عن (الترهيب والترغيب) والعزلة عن الحياة والمجتمع سواء كان هذا المحاضر، أو المحاضرة، من إدارات تعليم المناطق أو من خارجها. هذا هو الواقع المؤلم الذي لا يحتاج إلى أدلة إذا ما بحث عنه بجدية وتمحيص فوق العادة، وما المانع من أمر جميع المدارس بترديد النشيد الوطني كما تفعل جميع الدول على مستوى جميع المدارس للجنسين ومن الروضة إلى آخر المراحل الدراسية ليستشعر الناشئة مدى قيمة الوطن ومدى أثره في حياتهم ونموها. لن نستطيع القضاء على هذا الفكر المبني على الدماء والفتنة والتضليل، والتحريض ضد الحياة والإنسانية، إلا إذا علَّمنا الناشئة ومنذ الصغر على أيدي مدرسين ومدرسات يعرفون معنى الدين الذي يعمق الانتماء للأرض التي هي وطن الأمس واليوم والغد وهي سكن الإنسان وطمأنينته وأمنه، وهي المصدر في إبداعه بالعلم والعمل والتضحية بالذاتية لمجموعة الوطن. لقد كانت وما زالت بعض البيوت من نساء ورجال تفتح أبوابها لاستقبال بعض المحاضرين والمحاضرات لإلقاء ندوات ظاهرها التوعية بالدين الإسلامي وباطنها الأفكار المشوهة عنه وغدت منازل (العزاء) مرتعاً لمثل هذه المحاضرات حتى لا يكاد يخلو منها أي منزل يقام فيه العزاء على ميت ولا ننسى المتبرعة بإلقاء الندوة أو المحاضرة أن تحضر معها صندوقاً بعد أن تغرس جذور فكرها في عقول الحاضرات أن تستدر طبيعتهم في أن يضعوا ما يستطيعون تقديمه من نقود أو مجوهرات في ذلك الصندوق الذي لا يعلم الناس إلى أين يذهب مدعية أنه يخدم الفقراء والمساكين ويذهب ريعه للمؤسسات الخيرية. ولأجل أن نمحو فكر الإرهاب من سطور حياتنا يجب أن نعي قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} بمعنى أن آدم وذريته من بعده يخلف بعضهم بعضاً لعمارة الأرض التي هي وطن البشر لا ليدمر بعضهم بعضاً لأجل مصالح بعض البشر كما هو شعار الإرهاب. وأخيراً لن أقول عبارات الإنشاء التي يرددها بعض الإنشائيين في حقيقة عظم الوطن ومعنى حبه وتحقيق سلامته، وصدق الإخلاص في الانتماء له ورفعته، ولكن لنسأل عن معنى سر بيت أحمد شوقي الذي نظمه وهو منفي بعيداً عن وطنه بيد الاستعمار فيقول: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي ونتمنى أن تعمم القنوات التعليمية التي افتتحتها وزارة التربية والتعليم في بعض مدارس البنين أن تشمل البنات لتثقيفهن وطنياً وتقنياً لقطع الطريق على الأفكار المنحرفة من التسلل إلى عقول الشابات ولنقف عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ومن مات دون أرضه فهو شهيد) وهذا أنصع برهان على عظم حرمة الوطن ووجوب حمايته والدفاع عنه. ورحم الله رجال الأمن الذين بذلوا أرواحهم لهذا الهدف وهم في مواجهة مع الإرهاب فنالوا الشهادة.